عملت الوزارة على تنزيل هيكلة جديدة للأكاديميات والنيابات ، ما هو السياق العام لهذا التنزيل ؟ يندرج هذا التنزيل في سياق عام يتسم بالوعي المتنامي حول أهمية تطوير أساليب الحكامة تحقيقا لعنصرين أساسيين وهما الجودة والرشد .أما داخل قطاع التربية والتكوين فان مسالة الحكامة أصبحت تحديا حقيقيا ، اذ تتم الدعوة باستمرار إلى تجديد المقاربات التدبيرية المعتمدة تجاوزا لبعض مظاهر الاختلال التي تم رصدها على هذا المستوى . وبشكل موجز يمكن أن نعرض لمرجعيات أساسية تم التنصيص فيها بشكل صريح وأحيانا ناقد لقضية الحكامة .أولها الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، وان لم يستعمل التسمية بشكلها الحديث ، أفرد المجال الخامس منه للتسيير و التدبير ، حيث حدد عناصر يمكن اعتبارها محددات أساسية للحكامة الجيدة ومن ذلك على سبيل المثال الدعوة إلى اعتماد سياسة اللامركزة واللاتمركز باعتبارها خيارا حاسما واستراتيجيا ومسؤولية عاجلة وذلك لملائمة التربية والتكوين للحاجات والظروف الجهوية والمحلية. لكن ما يسجل في هذه التجربة الإصلاحية ، عدم الوصول في مجال التدبير الى المستوى المرغوب والمرضي من التطوير ، وللاستشهاد تكفي الإحالة على توصيات المنتدى الوطني للإصلاح سنة 2005 .ثم تقرير المجلس الأعلى للتعليم سنة 2008 حول حالة منظومة التربية والتكوين وآفاقها ، أورد ملاحظات تنتقد وضع الحكامة داخل القطاع داعيا بالحرف الى تبسيط مساطر التدبير وترشيدها وتسريعها للتمكن من ايجاد حلول ناجعة لمشاكل القرب مع القيام بمبادرات بناءة تهم جميع المستويات. وكذا تقرير المجلس الأعلى للحسابات في التقرير الصادر سنة 2009 و الذي شمل نتائج افتحاص أكاديميتين في الفترة الممتدة من 2005 الى 2008 ، قدم توصيات من شأنها معالجة بعض مظاهر الاختلال كتداخل الاختصاصات بين النيابات و الأكاديميات وعدم اعتماد أنظمة موحدة وشفافة لتدبير مختلف الموارد .نأتي أخيرا ، من ناحية الترتيب الكرونولوجي ، إلى البرنامج الاستعجالي الذي أشار تقريره التركيبي لبعض محددات المرحلة الجديدة لحكامة التربية التي ينبغي أن يتم فيها التحديد الواضح للمسؤوليات والوضع الدقيق للأهداف التي ينبغي أولا انجازها في آجال معقولة وثانيا إرساء نظام لتقويم المنجزات. في هذا الخضم لا بد من التذكير بأن أقوى الصعوبات التي واجهت تنزيل البرنامج الاستعجالي تتعلق بجدة منهجية العمل بالمشروع داخل حقل التربية والتكوين وهو ما كان يستوجب إصلاحات هيكلية وتأهيل للعنصر البشري للعمل وفق هذه المنهجية التي أصابها القدم في قطاعات خصوصية .هذه الملاحظة الأخيرة يتم إبدائها خلال اجتماعات المجالس الإدارية للأكاديميات في مداخلات مختلف مكوناتها وذلك منذ الدورة السابعة التي تزامنت مع دخول البرنامج الاستعجالي حيز الأجرأة . لتتحول إلى مطلب يقضي بضرورة تجاوز حالة الازدواجية التي يسير فيها القطاع في التدبير ، إذ بجانب البنيات الإدارية المعمول بها يتم العمل بفريق مكون من المسؤولين على مختلف المشاريع وفي أحيان عدة دون تحقيق للتنسيق والتكامل اللازمين . ماهي السمات الاساسية لمشروع الهيكلة المقترح ؟ حسب منطوق وثيقة مشروع الهيكلة التنظيمية للأكاديميات والنيابات التابعة لها ، فان الأهداف المتوخاة وراء إعادة النظر في الهياكل التنظيمية الجهوية و الإقليمية تتحدد أساسا في تعزيز نهج اللامركزية واللاتمركز ودعم القدرات التنظيمية والتدبيرية للمصالح الجهوية والاقليمة ثم تيسير عملية انجاز وتتبع مشاريع البرنامج الاستعجالي وكذا منح المسؤولين الوسائل التنظيمية لبلوغ الأهداف وقياس النتائج وتبادل المعلومات على مختلف المستويات من المؤسسة التعليمية إلى المصالح المركزية،وخلق الانسجام والتكامل بين البنيات التدبيرية مركزيا وجهويا و إقليميا ولتكريس التدبير عن قرب بتمكين البنيات الإقليمية من وسائل تاطير ودعم أداء المؤسسات التعليمية ولبلوغ هذه الأهداف طرحت الوثيقة/المشروع اعتماد خمس قواعد أساسية لإرساء الهيكلة تتشكل من ضمان تسلسل نظام التدبير من المستوى المركزي إلى الجهوي و الإقليمي وتسهيل إرساء مشاريع البرنامج الاستعجالي داخل البنيات التنظيمية مركزيا وجهويا و اقلميا،ثم التوزيع الأمثل للمهام بين الأكاديمية والنيابات مع تكريس نهج التدبير عن قرب للمؤسسات التعليمية وتفييء الأكاديميات والنيابات قصد مراعاة خصوصياتها باعتماد مؤشر تركيبي يضم مجموعة من المعايير. أما على المستوى الهيكلي فان الوثيقة تقترح أولا تحويل الأكاديمية والنيابة إلى مديرية جهوية و أخرى إقليمية وثانيا الزيادة في عدد الأقسام والمصالح مع إحداث مراكز جهوية وإقليمية تكون في مستوى قسم أو مصلحة ، كالمركز الجهوي للتكنولوجيات التربوية والمركز الجهوي للإعلام والتوجيه المدرسي . كما تعرض الوثيقة مقاربة لتتبع شبكات المؤسسات التعليمية بالنيابات داخل أربع مستويات تنظيمية وهي النيابة الإقليمية و المناطق التربوية والجماعة المحلية ثم المؤسسة التعليمية . ما هي ملاحظاتكم حول مشروع الهيكلة المقترح ؟ الملاحظة الأولى تتعلق بشكل التنزيل .إذ لا بد من تسجيل التأخر في عرض مشروع الهيكلة على المجالس الإدارية بالرغم من توفر الوزارة عليها منذ مدة طويلة ويكفي هنا للاستشهاد الإشارة إلى العرض المركزي في هذا الشأن خلال شهر مارس 2010 والتناول الإعلامي للموضوع منذ ذلك الحين . ثانيا وبحكم اطلاعي على مشروع للهيكلة لم أعثر على قيمة واحد يمكن لمكتب للدراسات أن يضيفها سواء على مستوى التصور العام الذي يؤطر البعد الاستراتيجي الذي ينبغي للهيكلة أن تتغياه ، أو على مستوى تجديد وتحديث الهياكل القائمة والمبنية على أسس وظيفية . الملاحظة الثالثة ترتبط بالظرفية التي عرضت فيها الهيكلة والتي تتميز بالنقاش الواسع حول الجهوية الموسعة كنظام للحكامة الترابية والذي ينبغي أن تنتظم حوله أو داخله كل البنيات الهيكلية القطاعية تحقيقا أولا للتنسيق والتكامل المفروضين بين مختلف القطاعات وثانيا توفيرا لشروط الانسجام الضروري حينما يتعلق الأمر بإجراءات قانونية أو مسطرية . وللتوضيح أكثر نقول أنه لا يمكن إحداث تنظيم هيكلي داخل قطاع التعليم يتناقض مع النموذج القائم في قطاع المالية مثلا أو مع ما يمكن أن يستجد في الميثاق الجماعي .رابعا ، لا بد من الجهر بأن المشروع المقترح يتناول بشكل تجزيئي القانون0007 المحدث للأكاديميات والذي هناك شبه إجماع على استنفاذه للمهام التي وضع من اجلها بعد مرور ما يزيد عن 10 سنوات من عمره ، واصبح مطروحا بإلحاح مراجعة مجمومة من النواقص التي أفرزها الواقع ، ومنها مثلا التمثيلة الغير المتناسبة داخل المجالس الإدارية مع حجم كل فئة تعليمية وإغراقها بقطاعات ومؤسسات تؤكد الممارسة ضعف انخراط بعضها ، و أخرى لا تحضر إلا في دورات المجالس الإدارية .وعدم تخويل الأكاديمية صلاحيات واسعة من طرف الوزارة الوصية بمقتضى القرار 174704 الصادر في 2004 . أما الملاحظة الخامسة فتهم الحجم الضخم للمصالح والأقسام والمراكز المقترحة في النيابة أو الأكاديمية الواحدة . وهذه ملاحظة تتشعب عنها أخرى كثيرة تتعلق بالتكلفة المالية لهذه الهيكلة التي سوف يتم اقتطاعها من ميزانية التسيير التي يتم التأكيد في كل مرة على ثقلها ويتم التحجج بذلك لتأجيل البث في مطالب نقابية عديدة نعتبر الاستجابة إليها أمر ملح لتحقيق التعبئة الداخلية اللازمة لإنجاح كل إصلاح أريد له أن يبلغ أقصى مدى من التحقق. والملاحظة الأخيرة ترتبط بمقاربة تتبع شبكات المؤسسات التعليمية والتي جعلت منها الوثيقة المعروضة خاتمة الكلام في حين أن واقع الحال يقول أن ثقل المهام اليومية بالمؤسسات التعليمية كان يستوجب إعطاء الأمر الأولوية عبر تعزيز أشكال الدعم وتقويته للإدارة التربوية عبر مراجعة النظام الأساسي للمؤسسات التعليمية التي أدخلت عليه بعض الرتوشات سنة 2004 والتي لم تطل المطالب الجوهرية لأطر الإدارة التربوية. عضو المجلس الإداري لأكاديمية جهة الغرب الشراردة بني حسن عن أساتذة الثانوي التأهيلي