من يعرقل تنفيذ تعليمات الملك محمد السادس؟ سؤال تردده عشرات الأسر التي تقطن بمنطقة ''تغبولا'' بدوار آيت لحسن وابراهيم أدغداغ، بالجماعة القروية ''تزكيت'' بإقليمإفران، المنطقة تضم نحو خمسين كوخا مشيدا بالقصدير والبلاستيك، منهم من استقر بهاته المنطقة منذ عهد الحماية، ومنهم من التحق غداة فجر الإستقلال، والقليل الناذر لا تقل مدة إقامته عن عشرين سنة، حسب الوثائق التي حصلت ''التجديد'' عليها. قبائل آيت حماد، ملاكي الأراضي السلالية، التي أقيمت عليها هاته الأكواخ، يطالبونهم بالرحيل، والساكنة تطالب بتنفيذ وعود تلقوها منذ أزيد من عشر سنوات، بعد اعتصامهم أما القصر الملكي، تزامنا مع الزيارة الملكية لمدينة إفران. ''التجديد'' زارت المنطقة، لتنقل جزءا من معاناة عشرات الأسر، معاناة تتضاعف مع حلول موسم الثلوج، لنحط الرحال أخير، بمقر عمالة إفران بحثا عن الحقيقة المفقودة، بين ردهات وأقسام العمالة. ''تغبولا'' مأساة اجتماعية على بعد أربع كلمترات عن مدينة إفران، تتواجد منطقة ''تيغبولا'' التي تنقسم إلى مجموعتين سكنيتين، إحداهما توجد على بعد أقل من كيلومترين من وسط لؤلؤة الأطلس، لكنها لا تنتسب إلى المدار الحضري للمدينة، وظلت لسنين تخضع إداريا إلى جماعة ''تزكيت'' المتواجدة بالجنوب الغربي لإفران، بينما يعتبر منتزه ميشليفين ضمن المدار الحضري، والذي يبعد بثماني كلمترات في نفس اتجاه منطقة ''تيغبولا'' !!، وهو ما تعتبره الساكنة تهميشا مقصودا لمنطقتهم، التي تعتبر منطقة غير ذات نفع بالمقارنة مع المنتزه المذكور، عدد سكان ''تيغبولا''، يتجاوز ال200 نسمة، يتوزعون على 45 مسكنا، منهم من استقر منذ عهد الحماية، ومنهم من التحق منذ فجر الاستقلال، وقليل منهم استقر في تلك المنطقة عشرون سنة على الأقل، ذلك ما كشفت عنه شكاية يلتمس فيها سكان ''تيغبولا'' تدخلا ملكيا لرفع الضررعنهم، فمنذ عشرات السنين، استقرت هاته الساكنة فوق أراضي تعود ملكيتها إلى قبائل آيت حماد، وتعتبر ضمن الأراضي السلالية التي تتوزع في جل أنحاء الوطن، واليوم، نواب ملاكي تلك الأراضي يطالبونهم بالرحيل، عن أكواخ اتخذوها مسكنا لهم، جدرانها من الأحجار فقط، حيث تنعدم مواد البناء من إسمنت صلب وحديد أو غيرهما، بينما سقف تلك الأكواخ الذي لا يتعدى مترا ونصف، يتكون من البلاستيك وأعمدة الأشجار، وفي أحسن الأحوال من ''الزنك'' أو ''القصدير''، مما يجعلهم بين مطرقة الصيف وسندان الشتاء، زيارة ''التجديد'' للمنطقة تزامنت مع موجة برد قارس، وتساقطات مطرية بين الفينة والأخرى، جل الأكواخ التي زرناها بدت تغرق في المياه، تسربات مائية من الأسقف، مما يضطر الساكنة إلى وضع الأواني لتجميع قطرات الماء التي تتسرب، بينما تتفجر بين الفينة والأخرى ينابيع من الماء بأرضية البيوت التي اتخذت مسكنا، يقول محمد، ''المنطقة التي نتواجد بها منطقة جبلية ذات فرشة مائية جد مهمة، وهو ما يسمح بتفجر ينابيع مائية بشكل متكرر، لا حل لنا إلا وضع مجاري مائية تسمح بانسياب الماء المتدفق من تحت الأرض إلى خارج البيت، حتى نؤمن جزء من البيت للمبيت''، رغم هذا الوضع المأساوي، يقول إدريس أشياخ، أحد ساكنة ''تيغبولا'' ورئيس جمعية فوسفوس للتنمية والثقافة، ''ليس لنا الحق في إصلاح مساكننا، أو استعمال مواد البناء للتدعيم والإصلاح، كالإسمنت والحديد''، وكأن من يمنع عنا رخص الإصلاح، يقول لنا، الموت لكم تحت أكواخكم''، أما ''أحمد''، فيحكي عن معاناته مع باشا مدينة إفران، الذي توسل إليه من أجل تمكينه من رخصة الإصلاح، بعدما اشتكى إليه الوضع المأساوي الذي ينام فيه رفقة أسرته نتيجة التسربات المائية، يقول ''أحمد'' أن الباشا أجابه قائلا، ''خليهوم يباتوا في الغيس'' !!، سكان ''تيغبولا''، وفي رسالتهم إلى الملك محمد السادس، تحدثوا عن معاناتهم مع انتشار مختلف أنواع الحشرات و''الأفاعي المضرة التي غالبا ما تسبب أمراضا فتاكة''. بداية بلا نهاية الثلاثاء 29 شتنبر ,1998 كانت بداية معاناة لم تجد طريقا إلى الحل إلى يومنا هذا، حين أقدم قائد ملحقة ''تيزكيت'' آنذاك، مرفوقا بأكثر من خمسين فردا من القواة المساعدة والدرك الملكي، وأعوان المياه والغابات والجماعة القروية ل''تيزكيت''، فطالب السكان بالرحيل، وهي الواقعة التي تتحدث عنها رسالة الساكنة إلى الملك، ورسائل أخرى موجهة إلى عدد من الوزراء، وعامل إقليمإفران، والتي حصلت ''التجديد'' على نسخ منها، ويضيف نفس المصدر، أنه تم ''الحجز على بعض رؤوس الأغنام بالقوة، وهو ما خلف مواجهة بين السكان والقواة المساعدة والدرك الملكي، خلفت إصابة امرأة عجوز''، واشتكت الساكنة من الضغط الممارس عليهم في مجال التشغيل قصد هدم أكواخهم، والتخلي عنها والرحيل إلى المجهول، وهو ما تحدثت عنه رسالة أخرى وجهت إلى عامل إقليمإفران، بمناسبة تعيينه عاملا جديدا على إفران قبل أربع سنوات، واعتبرت الرسالة أن ضغوطا من نوع آخر ''تمثلت في فرض غرامات وذعائر خيالية''، توصل بها بعض الساكنة، الذين تتواجد أكواخهم على جزء من الغابة المجاورة للأراضي السلالية التي يقيمون بها، وذلك من طرف أعوان المياه والغابات بالإقليم، وأضاف المتحدث، ''قبل أن تعمد السلطات المحلية إلى نهج أسلوب جديد من الضغط والابتزاز، تجلى في حرماننا من كل أنواع الوثائق الإدارية، من شواهد السكنى والاحتياج، وعقود الازدياد، وغيرها...، وكذا حرماننا من جلب الماء الصالح للشرب من الثقب المائي التابع للمكتب الوطني للماء والكهرباء، الموجود قرب السد التلي''، استمرت المعاناة والألم، وبعد نحو أربع أشهر من تربع الملك محمد السادس عرش أسلافه، وأثناء إقامته بالقصر الملكي بإفران، اغتنم سكان ''تيغبولا'' الحدث، ونظموا يوم 19 نونبر 1999 اعتصاما أمام القصر الملكي، تمخض عنه حوار مع رئيس الديوان الملكي، كما ورد في إحدى الرسائل الموجهة إلى عامل إقليمإفران، وأكده بعض السكان الذين حضروا الحوار، في تصريح ل''التجديد''، حوار حضره أيضا عامل إقليمإفران آنذاك، والتزم أمام رئيس الديوان الملكي، بتنفيذ عددا من الإجراءات للتخفيف من آلام أهل ''تيغبولا''، أهمها إيجاد مكان مناسب للاستقرار مقابل هدم الأكواخ المتواجدة بالأراضي السلالية، ثم إرجاع المطرودين إلى العمل بالقصر الملكي بإفران، وكذا إلغاء الذعائر التي فرضتها مصالح المياه والغابات. لكن هذه الوعود لم تر طريقها إلى الحل بعد، يقول رئيس جمعية فوسوس المحلية، ''أمام هذا الوضع الجديد، عمدت السلطات المحلية إلى اتخاذ بعض الإجراءات قصد تهدئة الأوضاع، تمثلت أساسا في إدماج العمال المطرودين من القصر الملكي، كعمال في الإنعاش الوطني لفائدة بلدية إفران، بالإضافة إلى رفع الحظر عن منع السكان من الوثائق الإدارية، ثم الإستفادة من الإعانات الإجتماعية، وهو ما اعتبروه تملصا من الوعود السابقة، مما حذا بهم إلى تنظيم مسيرة نحو الرباط، مشيا على الأقدام، وذلك خلال يناير ,2002 توقفت بعد قطع نحو 12 كلمتر في اتجاه آزرو، لتلتزم عمالة إفران مجددا بتنفيذ الوعود السابقة، وحسب رسالة بعثت بها جمعية ''فوسفوس للتنمية والثقافة''، إلى عامل إقليمإفران قبل ثلاث أشهر، فقد تم استدعاء السكان من طرف باشا مدينة إفران سابقا، يوم 9 يناير ,2003 بحضور كل من قائد تزكيت، وتقنيين من العمالة والبلدية، وهو اللقاء الذي أسفر عن تقديم وعود باسم عامل صاحب الجلالة، تقضي باستفادة السكان من بقع أرضية تقع قرب ثكنة القواة المساعدة ''المخزن المتنقل ,''51 وهي الوعود التي يعتبرها رئيس الجمعية، ''ظلت حبرا على ورق، ولم تجد طريقها للتنفيذ بعد''. البحث عن الرأي الآخر لكل مأساة بداية ونهاية، أما مأساة سكان ''تيغبولا'' ابتدأت منذ أزيد من عشر سنوات، ولم تجد طريقها للنهاية بعد، لماذا يا ترى؟، وما الذي يحول دون تنفيذ وعود، مرت عليها إثنا عشرة سنة، منحت للساكنة ؟. غادرنا ''تيغبولا'' صوب مركز مدينة إفران للبحث عن الحقيقة، ولكشف المستور في ملف اجتماعي مأساوي شائك، ربطنا الاتصال أولا عبر الهاتف بباشا المدينة ، باعتباره الخليفة الأول لعامل الإقليم ، أجابنا قائلا: ''هل تعرفون مع من تتحدثون؟''، قلنا: ''نعم، مع باشا إفران''، فرد قائلا، ''أنا غير مسؤول عن هذا الملف، وليست لي أية علاقة به، ممكن تتصلوا بقائد ''تيزكيت''، أو برئيس قسم الشؤون القروية بعمالة إفران''، فاعتبرنا رده تهربا من المسؤولية، وذكرنا له ذلك، انطلاقا من كونه مسؤولا إداريا عن قيادة ''تيزكيت'' أيضا، وطرف في الحوار منذ سنين. بعدها توجهنا إلى عمالة إفران، علمنا حينها أن عامل إفران يعقد لقاءا مع رؤساء الأقسام بالعمالة، ربما الاجتماع الأول له بعد تعيينه بإفران قبل أيام، وبعد أن علم رئيس ديوان العامل بتواجدنا بالعمالة، طلب من أحد الموظفين أن يحيلنا على رئيس قسم الشؤون العامة، بينما كنا نحن ننتظر قدوم رئيس قسم الشؤون القروية، انفض لقاء العامل برؤساء الأقسام والكاتب العام، التقينا أولا رئيس قسم الشؤون القروية، قلنا له ''إننا اتصلنا بالباشا وأحالنا عليك''، فأبدى استغرابه، وقال بدوره، ''أنا غير مسؤول عن هذا الملف، لكم أن تعودوا إلى الباشا من جديد، أو اتصلوا برئيس قسم الشؤون العامة''، فقصدنا مكتب هذا الأخير، استقبلنا بمكتبه بخلاف سابقيه، رحب بنا، وأبدى رغبته في التعاون معنا، إلا أنه ذكر لنا أنه حديث العهد بمنصبه الجديد، أخذ منا رقم الهاتف ليتصل بنا لاحقا بعد تجميع المعطيات، وهو ما لم يحصل بعد ، بالمقابل استعان رئيس قسم الشؤون العامة بأحد المسؤولين بالعمالة، كان يظهر أنه ملم بملف ''تيغبولا''، لزم الصمت طويلا، قبل أن يتحدث عن أن ''سكان تيغبولا معززين مكرمين لا أحد يتحدث معهم، بالرغم من الضغوط التي يمارسها نواب الأراضي السلالية ذوو الحقوق على العمالة، من أجل طرد سكان ''تيغبولا'' من أراضيهم''، المتحدث تحدث أيضا عن الإعانات التي وجهها عامل إقليمإفران السابق لهاته المنطقة، والتي ذكرتها الساكنة أيضا، وأفادوا في تصريحاتهم ل''التجديد''، بأنهم توصلوا بإعانات بمناسبة الفيضانات التي شهدها الإقليم، هاته الإعانات تمثلت في أغطية وسكر، بينما كشف مصدر ل''التجديد'' عن توصل مصالح العمالة المكلفة بتوزيع الإعانات بكميات كبيرة من الحليب، لم يتم توزيعها وتم رميها بعد مرور تاريخ صلاحيتها، وهي المعطيات التي أكدها مسؤول بعمالة إفران ل''التجديد''، إلا أنه اعتبر أن العمالة لا تتحمل أي مسؤولية في إتلاف كميات كبيرة من الحليب الفاسد، وعدم توزيعها على السكان، وأضاف المتحدث، ''أمر المعونات يتم تدبيره مركزيا وليس محليا، لما توصلنا بالحليب، اكتشفنا أن مدة صلاحيته لحظة التوزيع، لن تتجاوز يومين، فارتأينا التخلص من الحليب بدل توزيعه، خوفا من استهلاكه بعد نفاذ مدة صلاحيته، وهو ما كان سيتسبب في كارثة إنسانية''، يقول المتحدث. مبعوث ''التجديد'' إلى ''تيغبولا - إفران''