ما تعليقكم على نشر ويكيليكس لوثائق حول تنسيق الجزائر مع الولاياتالمتحدة بخصوص تحليق بعض الطائرات الأمريكية انطلاقا من الأراضي الجزائرية فوق منطقة الساحل؟ هذا لا يشكل مفاجئة بالنسبة لما تعرفه مكافحة الإرهاب بشكل عام، بل هو يدخل في إطار منظومة يعرفها القانون الدولي، وهو مبدأ التعاون الدولي، الثنائي الدولي أو التعاون متعدد الأطراف، وتكريس هذا التعاون الذي كرسته العديد من الإتفاقيات الدولية وقرارات الأممالمتحدة الذي يهم الإرهاب، فالتزامات القانون الدولي تقتضي اتخاذ جميع الإجراءات المناسبة لمنع الأفعال الإرهابية، بما في ذلك ملائمة التشريعات المحلية مع الإتفاقيات الدولية وتحقيق وسائل التعاون الدولي، مثل تسليم المجرمين وتنفيذ بعض المناورات المشتركة في الميدان العسكري، وأظن أنه في هذا المجال، فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية لا تسعى إلى ضبط هذا النوع من التعاون مع الجزائر بمفردها، بل مع كل بلدان المغرب العربي وخاصة مع المغرب، بحيث يتم تنظيم العديد من المناورات الجوية والبحرية، فيما يتعلق بأفريكوم التي تقوم من شتوتغارت بألمانيا بأعمال تهم مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، نلاحظ مظاهر هذا التعاون، ولكن الملاحظ في السلوك الديبلوماسي والسياسي للجزائر، هو أن الجزائر تمارس نوع من النفاق السياسي في هذا المجال، فالجزائر أصبحت تتعامل بشكل معروف لدى الجميع في أعمق مظاهر التعاون مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، بما في ذلك تحليق الطائرات الجزائرية فوق التراب الجزائري من أجل تفتيش مواقع الحركات الإرهابية، طبعا من مواقع استثنائية، ومع ذلك هناك نوع من التشدق لدى الجزائر بخصوص تدخل الدول في قضايا محاربة الإرهاب في أراضيها أو منطقة الساحل، لدرجة أن الجزائر رفضت حتى مشاركة المغرب في مؤتمر للتنسيق لمكافحة الأرهاب، واعتبرت المغرب أنه غير محاذي لمنطقة الساحل، مع العلم أن المغرب طرف رئيسي في مكافحة الإرهاب، ولكن عندما انعقد مؤتمر آخر في باماكو وضم 20دولة رفضت الجزائر الحضور بحجة أن مجموعة العشرين تضم دولا أجنبية. ما هي استراتيجيات الدول في مكافحة الإرهاب، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي؟ أولا، هناك إشكالية على مستوى تحديد مفهوم الإرهاب، للتمييز بين بعض الممارسات التي تشكل نشاطا من أجل الحصول على الإستقلال ومناهضة الإستعمار أو الميز العنصري، وبين العمل الإرهابي الذي له خصوصيته ومميزاته، أعتقد أن العمل الإرهابي يبقى دائما هو استعمال العنف من أجل تحقيق مكاسب من اجل الإطاحة بالوضع القائم وتغييره لفائدة ممارسي الإرهاب، فانطلاقا من هذا التعريف وانطلاقا من الممارسات التي تعرفها العديد من المجتمعات، فالإرهاب لا يقتصر على إرهاب الأفراد فحسب، بل هناك ثلاثة أنواع من الإرهاب، هناك إرهاب الأفراد، وإرهاب الجماعات وأخيرا إرهاب الدولة، والذي يبقى هو الأكثر خطورة باعتبار أن الدول تحتكر أدوات العنف المادي الأكثر قوة والأكثر حدة، وعلى سبيل الذكر، ما تمارسه إسرائيل، ضد الفلسطينيين في الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة، وهو نموذج لإرهاب الدولة الذي يظهر كيف أن الدولة تسخر إمكانياتها الكبرى بما فيها الطائرات ووسائل المخابرات والتجهيزات العسكرية المتطورة، ذات طبيعة انتقامية، مثلا تظهر في اعتقال قيادات فلسطينية دون أن يقدموا أمام أي محاكمة عادلة وضربهم بالطائرات، وأظن أن هذا الإرهاب هو الأكثر خطورة، وعلما أنه اليوم هذا الأمر يكتسي خطورة جدية، ليس فقط لأن هذه العملية الإرهابية أظهرت أن طائرات مدنية يمكن أن تسخر لأغراض إرهابية، ولكن لأن الوسائل التي تتطور اليوم أصبحت أكثر خطورة بالنسبة للمستقبل، فمثلا عندما نتحدث اليوم عن وسائل الإرهاب التي تسمى ب''القنبلة المتسخة''، التي هي نموذج لاستخدام الطاقة النووية في تشغيل قنابل صغيرة يمكن أن تحدث ضحايا بآلاف الأشخاص، أو عندما يتعلق الأمر بعمليات إرهابية باستعمال أسلحة جرثومية أو أسلحة الكيماوية ، أو حتى ما أصبحت تعرفه اليوم مواقع الأنترنيت أو الشبكة الأنترنيتية من عمليات إرهابية تؤدي إلى اقتناص المعلومات أو إلى وقف نشاطات مؤسسات كبرى والتعرف على مواقع لمكافحة الإرهاب قصد التصدي لها ومواجهتها، وبالتالي أصبحت العملية جد معقدة وتتطلب بالتأكيد تنسيقا واسعا بين كل الدول بدون استثناء. ما هي استراتيجية المغرب في مكافحة الإرهاب؟ المغرب من بين البلدان الأكثر تقدما في وضع استراتيجيات محكمة لمحاربة الإرهاب، ونذكر جميعا أن أحداث 16 ماي بالبيضاء، وأحدثت تأثيرا كبيرا في جميع الفئات بما فيها المجتمع السياسي والمدني، ومنذ ذلك التاريخ أصبح المغرب يعرف استقرارا في ما يتعلق في المقاربة الأمنية الداخلية، بحيث أصبحنا نلاحظ بعض الخلايا النائمة، التي يتم تفكيكها من حين إلى آخر، ويتم تقديمها إلى المحاكمة، والتي نتمنى أن تكون عادلة ومنصفة بالنسبة للجميع، وأعتقد بأن سياسة المقاربة الأمنية ذات الطبيعة الوقائية وليس العلاجية ربما أثبتت نجاعتها بالنسبة للنموذج المغربي، لكن هذا لا يعني أن المغرب يبقى بعيدا عن التهديدات الإرهابية لما يسمى ب ''تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي'' ، فالمغرب مهدد، جاءت على لسان بن لادن والظواهري بكيفية واضحة جدا، وبالتالي فمتابعة الحذر يبقى هو شعار المرحلة المقبلة، علينا أن نلاحظ أيضا أن البوليزاريو أصبحت تتطور بشكل تدريجي نحو التماهي مع الحركات الإرهابية، خصوصا مع تنظيم القاعدة في منطقة الساحل، فقد أثبت بعض الخبراء الأمريكيين الذين زاروا المنطقة والذين استقبلهم البوليزاريو أنفسهم أن عشرات المنتيمن إلى البوليزاريو أصبحوا متورطين في التهريب في منطقة الساحل، وأنشطة ذي طبيعة إرهابية يمكن أن يشكل تهديدا في المستقبل، فالبوليزاريو بما لها من عتاد ومن وسائل تكنولوجية متطورة ودعم لوجستيكي من طرف المخابرات الجزائرية، تبقى بمثابة خلايا إرهابية نائمة، تترقب في إطار منظومة الأمم ما يترتب عن المفاوضات وكيف سيتم تدبير هذا الملف، بحيث أن أي نشاط إرهابي مكشوف سوف يعري حقيقتها وسيفضحها أمام مجلس الأمن، وأمام المنتظم الدولي، والجزائر التي تستضيفها، الخطر كل الخطر عندما لا تتمكن البوليزاريو من تحقيق مآربها، وعندما تنفلت من يد الجزائر، عندها ستكشف عن وجهها الإرهابي وفي كثير من المواقع ، وهذا مكمن الخطر الذي لا يهدد المغرب فقط ولكن يهدد الجزائر نفسها ويهدد حتى المنطقة كلها. تحليل أولي لوثائق ''ويكيليكس'' حول قضايا الإرهاب من خلال قراءة أولية للوثائق الويكلكسية المتوفرة حول المغرب والجزائر بخصوص التعاون حول قضايا الإرهاب، تبرز ملاحظتان أساسيتان نوردها على الشكل التالي: أولا: رغبة الولاياتالمتحدة في ضمان ولاء الدول العربية والإسلامية ضمن حربها على الإرهاب، واعطاء منطقة شمال إفريقيا أهمية دالة في مشروع الحرب على الإرهاب التي تقودها الولاياتالمتحدة، بالنظر إلى حساسية المنطقة وموقعها الإستراتيجي بين منطقة الشرق الأوسط شرقا وأوروبا وأمريكا غربا وشمالا، ومنطقة الساحل جنوبا، مما يجعل السياسة الخارجية الأمريكية تهتم بشكل خاص بهذه المنطقة، بالرغم من تسجيل ازدواجة خطابها، وعدم رغبتها في تحقيق الديمقراطية إلا بالشكل الذي يخدم المصالح الأمريكية في المنطقة، بل العمل على دعم الأنظمة الفاسدة والمستبدة من أجل ضمان استقرار المنطقة وضمان ولاءها للولايات المتحدة، وذلك كله من أجل توسيع النفوذ العسكري الأمريكي في المنطقة. ثانيا: بروز توجهين في التعامل مع قضايا الإرهاب، التوجه الأول يعتمد على الدعم الأمريكي، عبر التنسيق التقني والميداني مع المسئولين في المنطقة، سواء تعلق الأمر بالعمل على إجراء عمليات ميدانية استباقية أو السماح لطائرات أمريكية للتحليق فوق سماءها مثلما وقع مع الجزائر، التوجه الثاني يعتمد على القدرات الذاتية والعمل في العمق، من خلال إزالة الأسباب السوسيو-اقتصادية والمواجهة الأيديولوجية التي تساهم في انتشار خطاب الحركات المتطرفة، وذلك من خلال العمل على التسريع في السيرورة الديمقراطية والإستقرار السياسي والعمل على توسيع الحريات العامة وحقوق الإنسان وإطلاق مبادرات اجتماعية من أجل عزل الحركات المتطرفة عن المجتمع وعزل الظروف السوسيو-اقتصادية التي تدفع بالشباب المهمش إلى الإنخراط في مثل هكذا جماعات، مثلما وقع في التجربة المغربية.