أكد محمد مصلح، عضو المجلس العلمي المحلي بوجدة، على أن خطبة الجمعة في المنهاج الدعوي العام للإسلام تعتبر من أهم القنوات التربوية لتلقي عموم المسلمين التوجيه الديني الصحيح في شؤونهم العامة والخاصة، حيث ينصتون خلالها إلى الأجوبة المقنعة عن تساؤلاتهم وهمومهم الآنية وما يجد في واقعهم، مما يقتضي معرفة توجيه الشرع فيه وموقفه منه. وشدد خلال الدرس الحسني الرابع، الذي ألقاه أمام الملك محمد السادس بالقصر الملكي بالدار البيضاء، يوم الثلاثاء 24 غشت 2010، في موضوع خطبة الجمعة ودورها في تخليق الحياة العامة، (شدد) على أن خطبة الجمعة يمكن أن تسهم بالكثير في تخليق الحياة العامة، إذا ما أحسن استغلالها وحظيت بما تستحقه من الرعاية والاهتمام، مضيفا أن خطبة الجمعة تؤسس وتؤطر ثلاثة أمور أساسية؛ تتمثل في تأطير إجماع الأمة ووحدتها على بيعة أمير المؤمنين، الذي يخطب باسمه الخطباء كل يوم جمعة، وفي تأطير وجود الجماعة حول الثوابت مع ما ينبغي أن يكون لهذا الوجود من امتداد جمعوي يتجلى في عمل الخير، وفي تأطير العمل التربوي التخليقي. وأبرز المحاضر أنه لكي تؤدي خطبة الجمعة وظائفها التربوية والتوعوية العامة على أحسن وجه، فقد هيأ لها الإسلام ظروفا مناسبة ووضع لها شروطا وآدابا ملائمة، وحث على الاغتسال وتحسين الهيئة وأمره بالسعي إليها عند النداء، ونهاه عن الانشغال عنها بالبيع، مشيرا إلى أن كثيرا من الفقهاء؛ ومنهم الإمام مالك، ذهبوا إلى القول بأن كل العقود التي تبرم في وقت صلاة الجمعة تعتبر مفسوخة شرعا، لكون النهي الوارد في الآية يقتضي فساد المنهي عليه. وفي محور الخطيب والخطبة في علاقتهما بالمحيط والمجتمع، ركز المحاضر على أمرين اثنين، هما؛ وعي الخطيب بالقيم السائدة في المجتمع، ووعيه بهموم المجتمع وانشغالاته، مؤكدا على أن وعي الخطيب بالقيم الموجهة للسلوك العام ومعرفة مصادرها، مرجع أساسي لتصنيفها، ولمعرفة مدى الاختراق الذي أصاب نسيجها، وأشار إلى أن هذا الوعي له دور في تحديد طريقة التناول والعلاج، فالخطيب يتناول القيم النبيلة الإيجابية الموجهة لسلوك الفرد والجماعة، مثل الصدق والتضحية والوفاء، لترسيخها في العقول وتحبيبها للنفوس، وتثار القيم الضارة الهدامة في الخطبة، مثل الغش والخيانة والزور والتواكل، للتحذير من عواقبها ومساوئها وتداعياتها الوخيمة على المجتمع، وتركيز خطبة الجمعة على بيان عواقب الأخلاق الذميمة، يسهم في اقتلاعها. وفيما يخص وعي الخطيب بهموم المجتمع وانشغالاته، أوضح مصلح أن الإسلام يحث الخطيب على الاهتمام بأمر المسلمين وعلى مخالطة الناس والإصغاء الجيد لأسئلتهم وهمومهم، والحرص على صياغة أجوبة لها انطلاقا من وظيفته التربوية والتوجيهية، فكلما اقترب الخطيب من المجتمع ونما وعيه بالتوجهات والتيارات والاختيارات المحددة لمختلف مساراته، توضحت له الرؤيا في العلاج وأتيح له تناول ما يجد في حينه. كما أكد المحاضر على ضرورة أن يكون للخطيب، الذي يسهم في التأطير العام، إلمام بواقعه المحلي ومحيطه الدولي، وذلك تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان حريصا على معرفة الواقع الذي يعيش فيه. وإلى جانب معرفة واقعه، فإن الخطيب عليه أن يستعين بذوي الخبرات والتخصصات ليكون تصوره لما يريد تناوله في الخطبة صحيحا، وتشخيصه له دقيقا وسليما. واعتبرمصلح، لدى تطرقه لمحورالخطيب والخطبة وجمهور المسجد، أن مصداقية الخطيب عند جمهوره هي المدخل الرئيس الذي تنفذ عبره كلماته إلى قلوبهم فتحدث تأثيرها المطلوب، مشيرا إلى أن المصداقية لا تنال بين عشية وضحاها، بل تصنعها الكفاءة العلمية المطلوبة في الوظيفة، ويرسخها الإخلاص وحسن الخلق وأناقة المظهر والصدق، وأن الخطيب الذي يتميز بتكوين جيد يستطيع بالتدريج أن يصنع مصداقيته لدى مخاطبيه، ومما يزيدها رسوخا؛ أن يعرف الناس ويدركوا أن الخطيب لا يعبر عن ميوله الفكري أو انتمائه الإيديولوجي أو مواقفه الشخصية، وإنما يعبر عن الإسلام بسماحته ووسطيته، مضيفا أن التفاعل الإيجابي مع الخطيب وخطبته هو امتداد للمصداقية وأثر من آثارها. وأكد المحاضر على أن الخطاب التفاؤلي وخطاب الأمل، من مقومات منهج الإسلام في التوجيه، لذلك لا يجوز شرعا الركوب على أزمات المجتمع لزرع روح القنوط والانهزامية في النفوس، فالخطيب الذي يستثمر العناصر الإيجابية في المجتمع ويبادر إلى إشعال الشمعة من أجل بعث الأمل في النفوس، تكون فرص نجاحه أكثر من الخطيب الذي ينهج أسلوب التشاؤم. والخطيب - بحسب الدرس الحسني الرابع - مطالب بإتقان وسائل الإقناع وفن التواصل، وحسن تناولها واستعمالها لتستمر وتنجح رسالته التروبوية، إلى جانب إتقانه اللغة العربية ولغة الجسد والجوارح، وأن يعرف مداخل النفوس ويستعمل الاستمالات العقلية والقلبية والعاطفية، منتهجا أسلوب القرآن الكريم في الخطاب الذي يتوجه إلى العقول والقلوب والنفوس والوجدان، لإحداث التفاعل الإيجابي المفضي إلى إقناع المخاطب بمضمون الخطاب. وحول أهمية التقويم المستمر لعطاء منبر الجمعة، أوضح عضو المجلس العلمي، أن هذا التقويم ينطلق من ملاحظة وتتبع الآثار والانعكاسات التي تحدثها خطبة الجمعة في سلوك المخاطبين وفي الحياة العامة، مشددا على أن من شأن هذا التقويم أن يحمل الخطيب على تجديد النظر باستمرار في طريقة الأداءوالمعالجة، ويمكن من كشف مكامن الخلل الحائل دون تحقيق المبتغى المقصود. وأشار المتحدث إلى أن ثناء عموم الناس على خطيب معين وإقبالهم عليه، لا يعني دائما نجاحه في أداء رسالته، لأنهم قد يشيدون به بسبب مواقفه الخاصة أو نوع الموضوعات التي يعالجها أو قصر خطبه أو لأسلوبه الانفعالي، مضيفا أن التقويم الحقيقي هو المنطلق من مدى أثر الخطبة وانعكاسها على سلوك الناس، ويتيح هذا التقويم أيضا فرص التعرف على ما يقتضي السبق والتعجيل في التناول، وما يقتضي التأجيل من القضايا، وما يقتضي التركيز والتناول الآني.