أمل التلميذ والطالب والمدرس والعامل والموظف والداعية والمربي... أمل الشباب ليجددوا فيه العزم ويستثمروه لنفعهم ونفع غيرهم. أمل العامل والموظف ليستريح من عناء العمل ويستروح بالعلم النافع والعمل الخير ويجعله فرصة يهتبل فيها ما فاته. وهي آلام على من ضيعها وهو لا يدري أنه ضيع جزءا من عمره وقد غبن فيه، ويكون عليه يوم القيامة حسرة وندامة. فمن جعل فراغه شغلا في الطاعات فهو مغبوط، يغبطه أهل الأرض والسماء. ومن جعل فراغه بلا شغل، بل شغله بلغو القول والعمل والاهتمام فهو مغبون. قال صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ). استراحة الطاعة مع قدوم صيف كل سنة يطرح السؤال التالي في صفوف إخواننا وأخواتنا: أليس من حق الداعية والمربي أن يأخذ إجازة صيفية؟ أليس من حقه أن يستريح ويتروح؟ ولكن في نفس الوقت يطرح السؤال التالي: من ماذا يطلب إجازة؟ ومن ماذا يريد أن يستريح؟ ولمن يترك رعيته من بعده؟ وإخوانه وأخواته في الدعوة والتربية. وجوابا عن هذه الاستفسارات يمكن التساؤل: هل استراح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أداء مهمته وهي البلاغ عن رب العالمين وعباداته حتى أتاه اليقين؟ وهو الذي كان صلى الله عليه وسلم يتعب كما يتعب الناس ثم يستريح من عناء يوم حافل بالمهام بقيام وذكر ودعاء واستغفار... هل علمت أن إنسانا قد أخذ إجازة من وظيفة الأبوة أو الأمومة وإن هي إلا رعاية ومسؤولية. (وكلكم راع ومسؤول عن رعيته). أخي الداعية المربي أنت راع، فلمن تترك رعيتك سواء كانوا صغارا من تلاميذ وأطفال أو كبارا من طلبة وآباء وأمهات؟ بل ومن أعظم الرعاية أن ترعى إيمانك وقلبك ونفسك. وأن توطن نفسك على ما وطن عليه النبي صلى الله عليه وسلم نفسه من تحقيق العبودية لربه حتى أتاه اليقين (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) الحجر .99 إن راحة الداعية وإجازته هي أداء مهمته بحيوية ونشاط واسترواحة هو تقلب واستراحة من طاعة إلى طاعة، فاسترح بطاعة تأطير المخيمات الصيفية لتلاميذتنا وأطفالنا من طاعة الدورات بالمقرات. وتستروح بطاعة تنبيه الغافل من أقاربك حين تسافر لصلة الرحم إلى قرية أو مدينة أن مدشر وتستروح من عناء وظيفتك، الذي وظفته للدعوة بطاعة المجالس التربوية الرتيبة... استرح لكن في إطار مهمتك فتلك استراحة المجاهد حيث يجمع الحسنة إلى الحسنة والطاعة إلى الطاعة. احذر من حرق الوقت ومعه رصيد حسناتك الأصل فيك أنك من أهل الإحسان ومن أهل التوبة واستئناف الهداية. ممن يسعون إلى الحسنات ليذهب الله بها عنهم السيئات. قال الله عز وجل: (إن الحسنات يذهبن السيئات وذلك ذكرى للذاكرين) هود .114 وأما من أحرق وقته وأضاع بدنه وعطل قدره وإرادته بدعوى أن عطلة الصيف هي للراحة من كل المسؤوليات. فيكون حالة لا قدر الله كمثل المرأة التي حكى عنها القرآن الكريم ونهى أهل الدعوة والإيمان أن يكونوا مثلها: (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا) النحل: .92 المتعاطفون الجدد سواء كانوا تلاميذ أو طلبة أو شبابا أو آباء وأمهات هم رصيد من رصيد حسناتك. وإن من نقض الغزل التفريط فيهم في فصل الصيف والقطع معهم. فاحرص عليهم حرص نبيك صلى الله عليه وسلم على أصحابه (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمومنين رؤوف رحيم) التوبة .128 الإجازات لا تسقط العبادات إن الله عز وجل يريد منك أن تكون حياتك كلها له، ولذلك أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبر بما أنعم به عليه من الهداية إلى الصراط المستقيم فجعل حياته ومماته عبادة لله (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) الأنعام .162 وامتثل النبي صلى الله عليه وسلم لأمر ربه: (واعبد ربك حتى ياتيك اليقين) الحجر .99 فالإجازة لا تعني عند الداعية المربي إسقاط العبودية الحقة لله عز وجل فإنه وإن غلب على الناس أن العطلة عطالة عن أداء الواجبات، فأنت تعتبر الإجازة فرصة لتعويض ما فات، وفرصة لتجديد الطرق والوسائل والمهمات. وفرصة لشحذ الهمم وللتعليم والتعلم ورحم الله عمر بن الخطاب حين يقول: (تعلموا قبل أن تسودوا). برنامج الصيف انطلاقا من هذه المعاني نقترح عليك وعلى إخوانك وأخواتك برنامجا صيفيا من خلال المشاريع التالية: 1 مشروعك الإيماني التربوي: شعارك فيه قول الله عز وجل: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) البقرة 197 اغتنم الإجازة لحفظ القرآن أو بعضه ومراجعة ما تحفظ. اجعل لنفسك وردا يوميا من علم نافع تنمي به قدراتك في مجال مسؤولياتك. الصيام والقيام والذكر والدعاء خير ما يقربك من الرحمان ففي الحديث (وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه...). 2 مشروعك الدعوي: وشعارك فيه قوله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) النحل .125 اجعل أنت وإخوانك محاطات لتحفيظ القرآن الكريم ومراجعته للشباب والأطفال والفتيات والرجال والنساء. الاتفاق على يوم في الأسبوع نسميه حديث الجمعة يجتمع فيه الأعضاء والمعاطفون والمساندون ممن لم يسافروا إلى خارج المدينة التي تسكنها، يلتحق معنا فيه كل وافد على منطقتنا من داخل المغرب أو خارجه حتى لا تحصل العطالة. المشاركة الفاعلة في المخيمات والمناسبات بالمحاضرة والكلمة الطيبة. استثمار مناسبة الأعراس واجتماع الأحباب والأقارب لإلقاء الكلمات تربوية ووعظ الناس وإرشادهم. استثمر سفرك إلى البادية واجعله محطة دعوية. فقد دأب بعض إخواننا على جعل محطة الصيف فرصة ثمينة لوعظ الأهل والأقارب في البوادي وجمع الأقارب على موائد الرحمان، إما في البيوت رجالا ونساء أو في مسجد القرية. 3 مشروعك الأسري: وشعارك مع أسرتك هو قول الله عز وجل: (قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإنني من المسلمين) الأحقاف .15 أعد برنامجا صيفيا لأسرتك تجمع فيه بين العلم والعمل والاسترواح والسفر والاستجمام. علم أسرتك أن الفراغ غنيمة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: >نعمتان مغبون فيها، كثير من الناس الصحة والفراغ) البخاري. وقد أعد قسم العمل التلاميذي لحركة التوحيد والإصلاح حقيبة للأسرة سماها: (من أجل صيف هداية، تحت شعار: وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد) الحج .24 يتضمن برامج لأولادك من كل الأعمار تتعاون أنت وزوجك وإخوانك على تنفيذها والعمل بها مع الحرص أن يكون الصيف الانطلاق للتصحيح والانتظام. أخي الكريم، أختي الفاضلة: كونوا من النادرين الذي قال فيهم ابن الجوزي رحمه الله تعالى: (... ورأيت النادرين من الناس قد فهموا معنى الزمان وتهيؤوا للرحيل، فالله الله في مواسم العمر، والبدار البدار قبل الفوات ونافسوا الزمان). عبد الجليل الجاسني