الحياة صراع من أجل البقاء . والبقاء ثمرة سعي دائم لتحقيق الاحتياجات الضرورية -على الأقل - بعد العناء والمجهود والمثابرة . سنة الحياة تحتم على كل كائن أن يتكيف مع محيطه ، وأن يجتهد لتطوير أدواته ووسائله وحتى يتغلب على الصعاب ، ويرفع التحديات . لكن السؤال، أكل الناس يصارعون نفس التحديات ؟ أ لهم نفس الوسائل والامكانات لرفعها ؟ بطبيعة الحال ، لا وألف لا . ففي البلد الواحد هناك الغني والفقير والمقتصد والمفلس . كما أن هناك تفاوت بين "غني" بلد معين و " وغني بلد آخر . فبرجوازي فرنسي ليس هو البرجوازي المغربي مثلا ، هناك تفاوت تاريخي في الغنى ، وهناك تفاوت كذلك في السلوكات والتصرفات والمعيشة والفكر والتوجه والأمال والأحلام . برجوازي فرنسي مثلا قد يحلم بأن يصبح " رب " أكبر شركة عالمية يوما . بينما قد يحلم البرجوازي المغربي بخلق " بنك" أو تأسيس شركة أشغال عمومية ، أو حتى مؤسسة بناء أو استيراد . وحلم فقير المغرب ليس هو حلم الفقير الفرنسي (.). فإذا كان الفقير الفرنسي ينتفع بالعديد من المزايا والحقوق التي توفرها له دولته وتضعها رهن إشارته بشروط مدروسة ومعقولة ، ومنها حق استأجار بيت بثمن زهيد ومدعوم ، ناهيك على المساعدات التي يتوصل بها والتي تجعله يفكر في الأسفار وزيارة بلدان أخرى . نجد الفقير المغربي غارق من رأسه إلى أخمص رجليه في المشاكل ( ميحكش راسو من خاص ، خاص ) ، وقد تجد أحدهم وافته المنية وقبل دفنه يرددون حوله( خاص افلوس الكفن ) . مأساة حقيقية من المهد إلى اللحد . "" هذه السنة المباركة 2009/2010 سيكون على "كل الفقير" رفع ثلاث تحديات ملزمة في شهر واحد ، إن لم يحدث طارئ جديد ليزداد عدد التحديات . ويمثل التحدي الأول وجوب توفير مصاريف شهر رمضان المبارك ، والتحدي الثاني توفير مصاريف الدخول المدرسي ، أما الثالث فهو التحضير للاحتفال بعيد الفطر . وقد تتطلب المواقف الثلاث وفي شهر واحد مابين 5500 درهم 6500 درهم بالنسبة لعائلة من أبوين وطفل واحد . أما من له أكثر من طفل ( الله بكون في أعوانو) . رمضان المبارك على الأبواب والدخول المدرسي كذلك والفقراء كلهم أمل في الخطوات التي ستقوم بها الدولة من أجل التخفيف عليهم وعلى المحتاجين وتزويدهم ببعض ما يحتاجون إليه من مواد غذائية كافية وافية ، وأدوات مدرسية لأطفالهم ، مع الأخذ بعين الاعتبار " عامل التوقيت " . ففي تجارب سابقة جاءت المساعدات جد متأخرة ، فلم يستفيد منها الفقراء بالمعنى المطلوب ، وقتها كان جل الآباء الفقراء قد اشتروا وتحملوا مصاريف الدخول المدرسي . ومعلوم أن هذه السنة كذلك ستوضع رهن إشارة التلاميذ المحتاجين العديد من المحافظ والكتب والأقلام . لكن السؤال هل هذا يكفي ؟ ( ونقول الحكومة قامت بواجبها ).بالتفاتة إلى ما جاء به الدخول المدرسي لسنة 2009 لصالح الأسر الفرنسية نرفع ( القبعة ) أمام تماسك الأسر المغربية والصبر الذي تتحلى به من أجل مواجهة تحديات الحياة والمعيشة . فحسب minutes.fr20 فإن الأسر الفرنسية التي يقل دخلها السنوي عن 22.321 يورو ولها طفل واحد أو التي يقل عن 27.472 يورو ولها طفلان تحت رعايتها ستصرف لها تعويضات عائلية عن التمدرس هذه السنة وهي كالتالي :280.76 يورو شهريا عن كل طفل عمره بين 6 و 10 سنوات. و290.22 يورو عن كل طفل عمره بين 10و15 سنة و306.51 عن كل طفل عمره بين 15و18 سنة . والملاحظ أن منذ 2008 أصبحت التعويضات متناسبة مع الأعمار على خلاف ما نجده بالمغرب حيث تمنح تعويضات عن الأطفال الثالثة ولا يأخذ بعامل السن الذي يتوازى مع الاحتياجات والمتطلبات . وللأسف الشديد الفقير المغربي يعايش حضارة الأوروبيين ( جبهة ) . فما يتقاضاه الفرنسي في سنة واحدة 22.321 يورو أي 220321 درهما على الأقل يتقاضاه الموظف المغربي في أكثر من سنة فما بالك بالفقير . ورغم ذلك تجد أبناء الفقراء في الصفوف الأولى من التعليم وهم من يحصلون على درجات الاستحقاق الاولى .. ( معجزات) . ومن أجل ذلك فهم لا يستحقون محافظ موسمية فقط وإنما دعما متواترا ومتواصلا سواء على صعيد الدراسة أو التطبيب أو التغذية أو المنح الدراسية . حالة مريم شديد (الصورة)أول عالمة مغربية في علم الفلك ، والتي تنحدر من أسرة فقيرة ، لكن طموحها وإصرارها على النجاح كسر جميع الحواجز واستطاعت بجهود ذاتية أن تتغلب على كل المشاكل التي كانت تعترضها . مريم شديد نموذج للعديد من الشباب المغربي الذي لم يستفيد من منح الدولة ولا من مساعدات جهة من الجهات في وقت استفاد غيرهم من أكثر من منحة ليكمل دراسته في الخارج . وهو أمر أربك حسابات كل عاقل ومتتبع إلى اليوم. ويضع أكثر من علامة استفهام ، في وقت يروج المروجون أن المنحة حق لأبناء الفقراء قبل أبناء الأغنياء . وفي وقت يتحدث المتحدثون عن الديموقراطية وصيانة الحقوق والمستحقات والمساواة وتكافؤ الفرص . أي تكافؤ الفرص يقصدون ؟ فالعملية التعليمية في المغرب على الأقل تسجل منذ مدة "تفاوت الفرص" وليس تكافؤ الفرص . فهناك من يخصص أجرة موظف السلم الثامن بل التاسع من أجل أن يدرس ابنه في تعليم جد خاص. بينما أطفال آخرون ( يتزاحمون في قسم كالدجاج في قفص ). لو قمت ببحث يومي لوجدت أن ثلثهم كان طعام فطورهم ( الشاي والخبز) وطعام الغذاء ( العدس) وطعام العشاء ( المقرونية أو الحريرة). لكن.. لولا الأمل ما صاحب الفقير ابنه إلى المدرسة، فحلم الفقير و إيمانه بأن الله هو الرزاق ( والعبد سبب فقط) يدفعه دفعا لتجاوز حواجز الفقر، والحواجز النفسية المترتبة عن فشل أصحاب الشهادات العليا في الحصول على فرصة عمل . كل ذلك لا يكسر عزيمته وإنما يزيده إصرارا على المضي قدما وحتى يحقق ابنه ما لم يستطع هو تحقيقه في زمن ( الجوع ) إسوة بكل الناجحين الذين كانوا أبناء فقراء وهم اليوم من الأطر العليا للدولة. ومن أجل ذلك لابد من تتضافر الجهود لمساعدة الأسر الفقيرة وحتى تتحقق العدالة على الأقل في مجال التعليم . وبعد ذلك فليتنافس المتنافسون.