انتقل إلى عفو الله، عن سن تناهز 57 عاما، يوم الاثنين 3 ماي 2010 بالدارالبيضاء، المفكر المغربي محمد عابد الجابري، أحد أبرز من كتب عن التراث الإسلامي ووري جثمانه بعد صلاة العصر. واعتبر عبد الصمد بلكبير، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، أن وفاته خسارة وطنية وعربية وإسلامية، مشيرا إلى أنه كان رجلا له تاريخ في النضال الوطني والديمقراطي، وتاريخه نظيف ومردوديته عالية في الجامعة والبحث العلمي ومردوديته أكبر وإنجازاته وتيرة خاصة عندما ابتعد نسبيا عن أجهزة العمل السياسي واعتكف على البحث العلمي، وأضاف بالقول أعظم ما تحقق على يديه هو التقارب على صعيد النظر والعمل، بين من يوصفون بالحداثيين ومن يوصفون بالإسلاميين، وتمكن من بناء صرح للأجيال المقبلة عليه أن تستثمره وأن تمضي فيه، نرجو أن تعوض خسارته بمن يخلفه في الأجيال القادمة. من جهته قال محمد يتيم عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، إن وفاته خسارة للفكر المغربي والعربي، فهو رجل بحسبه يقال عنه ما قاله ابن تيمية في أبي حامد الغزالي، وإن ما قيل عن الغزالي من أنه دخل في بطون الفلاسفة ولم يخرج، فإن الجابري دخل في التراث والفكر الإسلامي وانطبع فكره وفلسفته بروح الثقافة العربية والفلسفية، وغزارة إنتاجاته جعلت منه مدرسة من مدارس الفكر المعاصر قائمة الذات. وأضاف محمد يتيم في شهادته الدكتور الجابري كانت له اجتهادات، وهو كأي مجتهد معرض للصواب والخطأ، والمجتهد له أجر اجتهاداته إن أصاب أو أخطأ، نسأل الله أن تكون اجتهادته مأجورة وأن يكون أكثرها صوابا، كانت تربطني به بالراحل علاقة شخصية، وقد كان رحمة الله عليه حريصا على أن أحضر معه في الندوات الفكرية والثقافية، وسبق أن جمعتنا به مساجلات فكرية هادئة، وكان يحرص على مثل هذه المقاربة، كما كان له تعاطف خاص مع الإخوة داخل حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية، خاصة ممن لهم اهتمام بالجانب الثقافي والفلسفي، كما كانت له علاقات طيبة مع كل الأطياف الفكرية والثقافية، فرحمه الله. فيما ذكر محمد ساعف، رئيس مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، بأن الراحل كان إنسانا كبيرا وأستاذا كبيرا، ورجلا مارس السياسة بشكل قوي، مضيفا أن الجابري كان يتميز دائما ببصمة ليست متوفرة في الحقل السياسي والحقل العلمي، وهي نوع من العطاء الغزير والكرم الفكري وتشجيع الأقلام الشابة في مجالات العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية بشكل عام. وأشار بالقول: الجابري الأستاذ ترك آثارا قوية وعميقة في النظام التعليمي، كان يكتب ويمارس السياسة ويدرس في نفس الوقت، ولكن أبدا ما كانت مشاريعه الفكرية أو انشغالاته السياسية على حساب علاقته بالدرس، كان دائم الحضور في قسمه، يباشر دروسه بشكل جدي ومنتظم ويؤطر طلبته كما يجب، حياته كلها كانت في التدريس إلى جانب الإشراف التربوي، والمراجع التي تركها تشهد على المجهود البيداغوجي الكبير الذي قام به، مضيفا الجابري في الجانب السياسي عاش مرحلة بكل تناقضاتها، وكتاباته تشهد على تلك التناقضات كما عاشها، كما أنه كان رجل أخلاق متشبثا بقيم وخيارات أساسية، أما الجابري في جانب الإنتاج الفكري، فكل مؤلفاته رحمه الله كانت محطات أساسية للفكر العربي يُشهد له بأهميتها، لقد ترك الراحل آثارا قوية في الحقل السياسي الفكري والثقافي والعربي، وفكره أظن أنه لا زال حاضرا معنا وستكون آثاره قوية في المستقبل. من جهته أكد محمد طلابي عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح في كلمة مختصرة أن محمد عابد الجابري كان رجل فكر واجتهاد، قدم رحمة الله عليه كثيرا من العطاء الفكري والثقافي. ولد الجابري عام 1936م بفكيك ودرس بها، ثم غادرها إلى الدارالبيضاء حيث انخرط في خلايا العمل الوطني في بداية الخمسينات، وفي عام 1958 انتقل إلى دمشق للحصول على الإجازة في الفلسفة، بعد أن حصل على البكالوريا بصفة مرشح حر، ولم يتمم دراسته الجامعية، وعاد إلى المغرب لينتسب إلى الجامعة المغربية. وفيها أكمل مشواره الأكاديمي، وفي 1964م حصل على الإجازة في الفلسفة، وفي عام 1967م نال الماجستير بعد مناقشة رسالته (منهجية الكتابات التاريخية المغربية) والتي عن طريقها اكتشف عالم الاجتماع المسلم (عبد الرحمن بن خلدون) حيث قرر أن يكون بحثه لنيل شهادة الدكتوراه عام 1971م (العصبية والدولة: معالم نظرية خلدونية في التاريخ العربي الإسلامي). عمل أستاذا للفلسفة والفكر العربي والإسلامي في كلية الآداب بجامعة الملك محمد الخامس بالرباط، وله العديد من الكتب من أشهرها: (نحن والتراث) و(نقد العقل العربي)، وقد صدر في أجزاء ثلاثة هي (تكوين العقل العربي) و(بنية العقل العربي) و(العقل السياسي العربي) و(الخطاب العربي المعاصر) وغيرها. كما شارك في العديد من المؤتمرات العلمية والثقافية. وللجابري صلة قوية بدراسة التراث العربي الإسلامي ومن خلال قراءاته تلك يعرف بفكره وطروحاته حول التراث والتحديث، وقد وضع منطلقاته الفكرية هذه في مدخل كتابه (نحن والتراث)..