كيف تقيمون التجربة الآسيوية في الحوار مع الجهاديين لثنيهم عن أفكار الغلو والتطرف؟ يظهر أن التجربة الآسيوية كما كانت رائدة في أكثر من مجال من مجالات التنمية هاهي ذي تحقق نتائج رائدة في التحدي الذي يفرض نفسه على الأمة في أيامنا، أعني معالجة مظاهر التطرف والغلو وإن كنت ممن يلحون على ضرورة الانتباه إلى التطرف اللاديني الذي يفتك بحاضر الأمة وبمستقبلها أيضا. إن أي إهمال للوجه الآخر من التطرف هو نظر للواقع بعين واحدة. وفي جميع الأحوال لابد من التنويه بالمبادرة، أعني عقد مؤتمر في الموضوع من جهة، ثم طبيعة الأفكار والمشاريع التي تدارسها المجتمعون. يلاحظ في هذه التجربة المزج بين المدخل الفكري والشرعي (مهمة العلماء) والمدخل الاقتصادي (تمكين المعتقلين من دعم مالي يساعدهم على الاندماج في المجتمع) والمدخل الاجتماعي من خلال إحاطة أسرة المعتقل بالدعم ومنعها من إنتاج ما يسمى بالجيل الثاني من الإرهابيين، كيف تنظرون من موقعكم كفاعلين في الحركة الإسلامية إلى هذه المقاربة المندمجة؟ في المغرب كانت الدعوة أكثر من مرة لما نسميه المقاربة المندمجة أو المقاربة الشمولية التي لا تنظر للمشكل من زاوية واحدة وبالأساس الزاوية الأمنية، لكن يظهر أنهم في آسيا طبقوا عمليا هذه المقاربة النوعية، وأكثر من ذلك وسعوا الدائرة المعنية بالمعالجة وأشركوا في ذلك أكثر من طرف. وهي أطراف متكاملة لا يغني بعضها عن بعض وإن تفاوتت في الأهمية، وعلى رأس القائمة العلماء ثم العلماء ثم العلماء، لأن الإشكال الكبير هو بالأساس إشكال على مستوى التصور والأفكار، وهو الدور الذي قام به ابن عباس رضي الله عنهما في محاورة الخوارج، ومناظرته لهم في الموضوع مشهورة وثمارها معلومة. لكن حين تمتد المعالجة إلى الجانب الاقتصادي فله أهميته؛ خاصة مع الفئات الذي يدفعها البؤس إلى الانتقام وإن كان الأمر كما يعلم الجميع ليس صفة ملازمة ودائمة، فقد يكون المرء يعيش يسرا اقتصاديا لكنه يعيش بالمقابل عسرا تصوريا يدفعه إلى الغلو والتطرف. أما الجانب الاجتماعي في المعالجة فله أهميته القصوى، مع ضرورة الانتباه إلى المتشبعين بأفكار الغلاة وإن لم يكونوا من أسرهم، فمفهوم الأسرة هنا ينبغي أن يتسع، لأنك قد تجد من الأبناء من هو على النقيض من أفكار الآباء، وبالمقابل قد تجد من الأنصار من هم أكثر تعلقا من الأبناء... وفي جميع الحالات الاهتمام بالأسرة لا يأتي إلا بخير.. إلى أي حد يمكن أن تكون هذه المقاربة مجدية في التجربة المغربية التي لا زال ملف السلفية الجهادية فيها عالقا إلى الآن؟ في بلدنا نسمع بالحوار ولا نراه، واقع الأمر في بلدنا مختلف كثيرا، فمن الناس من لا يحتاج إلى حوار ليقتنع، بل يحتاج إلى عدالة ليستعيد دوره الإيجابي في مجتمعه وبلده، وقرار من هذا النوع كاف وحده لمعالجة كثير من مظاهر الغلو لما يبعثه من رسائل إيجابية فيها الإنصاف والمصالحة وحفظ الكرامة، وتبقى فئات أخرى تحتاج فعلا إلى حوار يمكن الاستفادة فيه من كل التجارب الآسيوية وغيرها، ومنها التجربة الموريتانية التي انطلقت أخيرا بإشراك العلماء، ولنا من الإمكانات والمؤهلات ما يجعلنا نبدع صورا أخرى ومداخل جديدة في المعالجة، بما يجسد مشهدا آخر من مشاهد النبوغ المغربي، لقد أبدعنا في طي سنوات الرصاص وعلينا أن نبدع في طي صفحة التجاوزات، والحوار هو سيد القرارات. عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح