فيلم محطة الملائكة الذي تم عرضه في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة يقدم صورة واضحة عن نموج الفن الذي يستحق التوقف عنده، فهذا الفيلم جمع صورتين للفن؛ الأولى تستحق التنويه والثانية تصادم قيم المغاربة، وقد كان نصيبها في المهرجان استياء الجمهور، هذا الفيلم عبارة عن تجربة إخراج مشترك بين ثلاثة مخرجين هم نرجس النجار ومحمد مفتكر وهشام العسري، بغض النظر عن الارتباك الذي طبع هذا الفيلم بسبب دمج ثلاث أشرطة قصيرة ضمن فيلم واحد دون وجود أي رابط بينها حسب ما أفاد به النقاد السينمائيون الذين ناقشوا الفيلم، إلا أن هذا الشريط يبقى شاهدا على المفارقة بين الفن النظيف الذي يحظى بتقدير الجميع وفي مقدمتهم النقاد السينمائيون، وبين الفن الفاقد للرسالة الثقافية النبيلة، والذي لا يلقى أي تجاوب يذكر، بل يتعرض لانتقادات ويثير استياء الجمهور. ففي الجزء الثالث من هذا الفيلم، والذي أخرجه هشام العسري، وبدل أن يقدم الفيلم مقاربته الفنية في تناول موضوع السيدا، وبدل أن يعبر بطريقته عن الرسالة الثقافية التي تحفز الجمهور على الوقاية من هذا المرض، تحول في جزء منه إلى عرض مشاهد مخلة بالحياء العام مصحوبة بحوارات جنسية يظهر فيها ممثلون شبه عراة كما هو حال الممثلة سناء العلوي التي لم تكن تلبس في إحدى المشاهد سوى البكيني وصورت في مشهد مخل، لم يخف الجمهور استياءه منه، وكانت الرسالة الثقافية البارزة في هذا الجزء الثالث هو ثقافة العازل الطبي، إذ لم يكتف الفيلم بعرضه للعازل الطبي كمقاربة وحيدة للوقاية من السيدا، بل أمعن في إظهاره بشكل بانورامي كما في الجزء الأول الذي أخرجته نرجس النجار، التي اختارت في أحد مشاهد الفيلم أن تقدم الممثلة بشرى اهريش وهي تعلق العوازل الطبية على حبل الغسيل وتصحب فعلها بعبارات موحية جنسيا أقل ما يقال عنها بأن فيها دعوة صريحة إلى إشاعة الحرية الجنسية! في مقابل هذه الصورة الرديئة التي يقدمها الجزء الأول والثالث من هذا الفيلم، والتي اتفق كثير من النقاد السينمائيين على أن الدراما الفنية التي صاحبتها لم تكن تتمتع بأدنى مستويات الإبداع، في مقابل ذلك، قدم الشريط الثاني الذي أخرجه هشام مفتكر صورة فنية وإبداعية جميلة تحمل رسالة ثقافية نبيلة تعرض لنموذج مصاب بالسيدا، يخفي عن زوجته إصابته بهذا المرض، يضطر لمغادرة البيت خوفا من أن يعديها، ويترك لها قرصا مدمجا يعترف لها فيه بخطئه وأنه قام بخيانة زوجية تسببت له في هذا المرض، وأنه لا يريد أن يتسبب في إضرارها. والعجيب أن المخرج مفتكر كان يمكن أن يوظف ثقافة العازل الطبي في الموضوع، إلا أن نوع المقاربة التي اختارها كانت من نوع آخر، إذ اختار أن يركز على صحوة الضمير وعلى احترام قدسية العلاقة الزوجية. هذا النموذج المشرق الذي حظي بتنويه النقاد السينمائيين في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة يؤكد مرة أخرى أن الفن الذي يحمل الرسالة النبيلة، والذي يوفق فنيا يحظى بتقدير كبير لدى الجمهور والنقاد، وأن الأفلام التي تحمل رسائل ثقافية معاكسة لهوية الأمة وقيمها لا تحظى بتنويه الجمهور حتى وإن توفقت فنيا، فما بالك بالتي تفقتد كل المقومات الفنية؛ اللهم الجرأة على القيم وركوب موجة المشاهد الجنسية. نأمل أن يلتقط المخرجون السينمائيون الإشارة، ويفهموا أن التوجه الذي يربط بين الإبداع وبين استهداف ثوابت المغاربة وقيمهم هو توجه مفلس فنيا، وأنه لا يمكن أن يعول عليه للنهوض بالسينما، وأن المستقبل للإبداع الذي لا يركب موجة مصادمة قيم المغاربة.