لقد أتى على الناس حين طويل من الدهر ورثوا الدين كما يورث المتاع ، وصار المرء يدعى مسلما لأن أبويه مسلمان، أو لأنه نشأ في وطن يقر أهله بالإسلام دينا رسميا.وصار الإحساس بالانتماء إلى الإسلام في أحسن الحالات مجرد فورات عاطفية تطفو على السطح مرات قليلة في العمر. لهذا وجب علينا مراجعة هذا الأمر بوعي وشجاعة؛ وسنجد حينها أن انتماءنا لهذا الدين لا بد أن يستصحب جملة معان ومبادئ ، أولها: الانتماء النفسي /الشعوري: الذي يستشعر صاحبه جلال هذا الدين وجماله، يحس به يسري في أوصاله حارا قويا متدفقا..إنه شعور واضح الغاية يقطع مع كل الاختيارات الخاطئة الضالة، صاحبه ليس من الذين يأكلون ويتمتعون كما تأكل الأنعام، ولا من الذين تعجبك أقوالهم في الحياة الدنيا ويشهدون الله على مافي قلوبهم وهم ألد الخصام .. ولا من الذين جعلوا قصارى جهدهم في الحياة لقمة لينة، ومركبا فارها، وحلة جميلة، ونومة مريحة، وامرأة وضيئة، ومظهرا كاذبا، ولقبا أجوف.. إنه شعور يمتح من عقيدة صافية صحيحة واضحة ارتضت الله ربا خالقا مدبرا رازقا.. واتخذته وحده- معبودا تخضع له الرقاب .. عقيدة ليست مجرد تمن وكلام يلقى ، وإنما هي عمل وحركة لا يفتران.. إنه إحساس نفسي بالفخر والعزة أن جعلنا المولى عز وجل ممن يدينون بالدين الذي ارتضاه :(إن الدين عند الله الإسلام) آل عمران91 بالدين الذي أكمله الله تعالى وأتمه (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)المائدة.3عن عمر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :(مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجيرا فقال :من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط ؟ فعملت اليهود ،ثم قال : من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط؟ فعملت النصارى، ثم قال: من يعمل من صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين؟ فأنتم هم، فغضبت اليهود والنصارى، وقالوا: مالنا أكثر عملا وأقل أجرا؟ قال: هل نقصتكم من حقكم شيئا: قالوا: لا. قال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء.) وقال صلى الله عليه وسلم: (نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة) إنه إحساس نفسي بامتدادات الإسلام الزمانية والمكانية ..تحس بأخوة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد بشرك بها ..وتحس بأخوة المسلمين في كل مكان مهما نأى ،فتفرح لأفراحهم وتألم لأحزانهم. بهذه المعاني النفسية يصير الانتماء إلى الإسلام منبعا فياضا لمحبة الله تعالى واتباع المصطفى عليه السلام، ومحركا قويا للعمل الدؤوب لصالح استعادة أمجادأمتنا . الانتماء الفكري التصوري: لا يكفي أن يكون الإسلام مجرد مشاعر وعواطف في قلب المسلم ،بل عليه أن يبني للإسلام بنيانا قويا جميلا في فكره وتصوراته ،فيؤمن بذلك بمنظومته الفكرية القائمة على أسمى قيم الحرية البناءة، والعقل المهتدي، والعدالة الشاملة..منظومة فكرية تمتح من المعين الصافي وتسير لتحقق مصالح العباد في العاجل والآجل ،لا يستهويها نزق التمرد على الحق، ولا تبهرها الأضواء المزيفة القادمة من الضفاف الأخرى.. إنه الفكر المتوقد الذي يركب مراكب الدين الآمنة، يستوعب عقيدته وشريعته وحضارته ليثبت وجوده وأصالته بالحجة العلمية والتحليل الرصين والحوار الهادئ.. إنه فكر يستند إلى عقل انقذفت فيه أنوار الهداية فغشيته؛ قال عليه الصلاة والسلام: (ما اكتسب رجل مثل فضل عقل يهدي صاحبه إلى هدى ويرده عن ردى). الانتماء السلوكي العملي: إن للانتماء النفسي والتصوري حقيقة تشهد عليه وتدل على صدقه ؛إنها السلوك العملي الذي يبسطه الإنسان بين يدي دعواه؛ قال تعالى (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر).التوبة18، ويتمثل هذا الانتماء السلوكي في إقامة العبادات والشعائر لله تعالى ،فتلك غاية الخلق ،وتلك صلة المخلوق بخالقه. إنها العبادة المخلصة لله تعالى، المهتدية بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، العبادة الشاملة غير المتوقفة ،الممتدة زمانا ومكانا (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)الأنعام .162 العبادة الوافية التي تتعدى الفريضة لتنهل من فيض النوافل والقربات ..العبادة الخاشعة الحاضرة الذهن والجارحة ،المناجية لرب الكون ..العبادة الباكية بين يدي الرحمن الرحيم .. المعترفة بالضعف والذلة .. الراجية لعفو وعون القوي القدير. ويتجسد هذا الانتماء أيضا في الأخلاق والمعاملات، فإنما بعث المصطفى الكريم ليتمم مكارم الأخلاق، وإنما جعل الدين معاملة. إنه سلوك القدوة المضيئة في دروب الناس المتخبطين الذين يلقون الخطوات على غير هدى ولا رشاد. بهذه المعاني يكون الانتماء إلى الإسلام انتماء مصيريا، لا يبغي عنه المسلم حولا ولا يرضى بغيره بدلا، فيعيش به وله، ويرى سعادته في خدمة الدين والتمكين له. ذ.محمد شبون