في تفاصيل معاناة رحلة يومية امتدت لسنوات، وقفت التجديد في زيارة ميدانية إلى عين المكان، على أن أزيد من 5 آلاف أسرة يشربون من مياه لا تأتيهم إلا عن طريق الكرابة الذين يطرقون أبواب منازلهم لبيعها لهم، أو عن طريق التنقل إلى السقاية من أجل جلبها مباشرة.. في صورة تشكل عنوانا لصعوبة الحياة داخل مدينة عتيقة تتجلى ملامحها في مؤشرات مزعجة غيرت كثيرا من خارطة المدينة، وجغرافية هذه الأحياء بحكم الثقل السكاني الذي يوجد بها، وضغط المشاكل الاجتماعية المتراكمة التي يقع عليها. على امتداد هذا الحيز الجغرافي الممتد بالمدينة القديمة ينتشر الكرابة بين أزقة ودروب المدينة، تراهم من العاشرة صباحا إلى ما بعد العصر من كل يوم يزاحمون النساء والرجال والشباب في ملء الأواني القصديرية من سقاية كثر على مائها الطلب، بعدما ما تم تداوله لسنوات من أن مائها مباركا يسهم في شفاء مجموعة من الأمراض..، قبل أن ينكشف زيف هذا الادعاء ويعود الحال إلى ما كان عليه، إذ تشكل الآن السقاية مصدر تزود السكان الذين لا يتوفرون على عداد مائي بالماء الصالح للشرب، ومورد رزق لفئة من الكرابة تنفرد مدينة تعيش صراعا مستمرا بين ثقل الماضي وتناقضات الحاضر بوسيلتهم منذ سنوات. أصوات العربات المختلف تختلط بزحام أزقة أحياء المدينة القديمة وتلوثها وضجيجها المعتاد، ويرتفع شيئا فشيئا في الطريق المؤدية إلى المساكن التي تعتمد على شراء الماء، حين تنادي من أعلى المسكن في زنقة بوخويمة على الكراب، سيدة مسنة تجاعيد وجهها توحي بما قضته من سنوات في ذات المكان، وهي تطل برأسها من النافذة، بوشعيب، طلع عفاك شي جوج طواروا ديال الماء، تلمع عينا بوشعيب وهو ينوء بحمل القنينات القصديرية ويقاوم ثقلهما بألم دفين ليغيب فترة في ظلام الدرج، قبل أن ينكشف عنه ضوء شمس باهت بسطح المنزل وهو يفرغ طواروا في برميل تختزن فيه السيدة الماء للاستعمال في الأغراض المنزلية. بعد ذلك يعود بوشعيب وقد تسبب العرق على تقاسيم وجهه المكدودة بأجر زهيد وإن كان لا يتجاوز درهما ونصفا، فهو ينسيه التعب والمعاناة، وعلى الرغم من تواضع كسبه تلمع ابتسامة عريضة لحظة جر عربته مرة أخرى، إذ الإصرار على التقدم في منعرجات لا حدود لها.. والمخاطرة بصعود أدراج ضيقة مظلمة لحمل قنينات الماء إلى طالبيها أينما وجدوا في طبقات مساكن تقليدية بطبعها وشكلها، مقابل مبالغ زهيدة لا تتعدى 80 سنتيما لقنينة من سعة لترين أو ثلاث لترات، يؤكد بوشعيب وهو أحد الكرابة المعروفين بزنقة بوخويمة، الذين يحترف إلى جانب حوالي 40 من زملائه مهنة بطعم البطالة، فهي مورد رزق يقاوم تكاليف الحياة بالرغم من أن مدخولها لا يتجاوز 20 درهما في اليوم. إن اللجوء إلى هاته الوسيلة لم يتقلص إلى حد الآن كما يفصح عن ذلك الواقع، وذلك بالنظر إلى الوظيفة الاقتصادية التي تؤديها لفئة الكرابة الذين يقومون بتوفير الماء لكثير من سكان الأحياء المعزولة التي لا تلج جميع مساكنها شبكة الماء الصالح للشرب، لظروف اجتماعية بحسب إفادات السكان، خاصة وأن أغلبهم من ذوي الدخل المحدود. فيما تشير الإحصائيات الرسمية إلى وجود حوالي 25 حيا و25 نقطة تزود بالماء الصالح للشرب، بمعدل سقاية في كل حي من هذه الأحياء، يؤكد ل التجديد منتخب بمقاطعة سيدي بليوط، مشيرا إلى أن ما يقارب 50 ساكنا تقريبا من مجموع ساكنة كل حي، لا تتوفر مساكنهم على عداد مائي، بالرغم من التسهيلات التي سبق وأن وفرتها البلدية في هذا الشأن، من خلال تجربة ما سمي ب الخط الأزرق، والتي بموجبها أصبح متاحا للساكنة توفير عداد مائي بمنازلهم مقابل ثمن رمزي لا يتجاوز 60 درهما في الشهر، لكن التجربة لم تجد استجابة للأسف من الساكنة المعنية يضيف المستشار الجماعي بالمقاطعة.