أحدثتها قرارات وزارة الداخلية بمناسبة التقسيم الإداري الجديد. كانت بالأمس القريب تعد مداشر، وتحسب ضمن المجال البدوي، وبجرة قلم وزارة الداخلية أصبحت في تعداد المجال الحضري، أحياء تفتقد لأبسط مقومات الحياة، بل هي دواوير حقا وبكل المواصفات، فمازالت بها حظائر البهائم والمواشي وزرائب الدواب، معظم سكانها يستعملون الحمير والبغال في التنقل، كما تنعدم فيها الطرقات والبنى التحتية الضرورية. تقطنها ساكنة من الشرائح الفقيرة جدا، أعباء جسيمة تنضاف جملة إلى المشاكل الكبيرة التي تعيشها الأحياء الهامشية بالمدينة. البعض أطلق عليها اسم غزة والضفة، في إشارة إلى أشكال التهميش والبعد وتدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية والاجتماعية بها. التجديد زارت هذا الفضاء المليء بالمتناقضات، لتكشف للقارئ عن التحول الذي تعرفه مدينة بني ملال؛ مدينة آلاف السنين التي مازالت تعاني من الترييف الإرادي واللاإرادي. بؤس دوار عين الغازي 2 أو (عين الغازي العليا)، دخل المدار الحضري بأمر من وزارة الداخلية، يتكون من 350 خيمة بمعدل 6 أفراد في الأسرة الواحدة على الأقل، مما يرفع عدد سكانه إلى أزيد من 2200 نسمة تقريبا، ينحدر أغلب سكانه من الجبل المجاور والمعروف بـتفرضين، إلا أن نسبة مهمة أيضا تعتبر من سكان عين الغازي الأصليين وفئة ثالثة مهاجرة إلى المنطقة. معظم القاطنين مياومون في مجالات البناء والفلاحة، ومنهم فئة لا يستهان بها ممن لا دخل لهم، ويعيشون إما على مساعدات الجيران وكرمهم أو على التسول في المدينة، وخاصة في المقبرة الإسلامية بأولاد اضريض. يعد اقلي امبارك وهو رجل في الستين من عمره بامتعاظ شديد حالات من النسوة والرجال الذين يعيشون شظف العيش، أمثال السيدة قاجا عائشة التي تمتهن التسول لإعالة أطفالها، منهم طفلتان ضريرتان، واحدة عرجاء والثانية عمياء، وفاضمة اوحمو هي الأخرى لا تقل بؤسا عن جارتها عائشة، تستجدي زائري القبور من أجل إعالة أطفالها الأربعة. وللرجال حظ مثل شقيقاتهم النساء، فهذا محماد أوموح عجوز تقوس ظهره بثقل السنين وانعدام الكفيل، عجوز بدون معيل ينتظر كرم السماء وجود الجيران، ويسترسل امبارك وزملاءه في تعداد نماذج أخرى من حالات البؤس وقلة ذات اليد، يحتضنها دوارهم متأففا خليها على الله وصافي، راه الناس محنة بزاف. ولوجيات أوضح بديع صالح ابن المنطقة وخبير خباياها وأسرارها، أن جزء من الدوار مبني على جرف، والجزء الثاني أسفل الجرف بنسبة 35 في المائة تقريبا. ويوجد الدوار على بعد 4 كلم عن وسط المدينة عبر طريق بعشوش الصومعة، و6 كلم عبر المدار السياحي عين أسردون، وتربط الحي بالطريق المؤدية إلى المدينة طريق صغيرة معبدة على طول 700 متر تقريبا إلى حدود الوادي، وأخرى غير معبدة، تسمى طريق العين تمر على المقبرة وصولا إلى المدرسة الابتدائية. أزقة ضيقة جدا وملتوية بدون تصميم، فقط مسالك حجرية وعرة يتوسطها شرخ عبارة عن أخذوذ أو ساقية أو مجرى للمياه العادمة والصرف الصحي، يمر سافرا أمام المنازل، وتتخذ النسوة وأطفالهن مجالسهن المسائية بالقرب منه ليتقاسمن البوح بالهموم والمشاكل. عذاب مظاهر الدوار وشكليات تصاميمه العشوائية تخبئ مشاكل حيوية كالتزود بالماء الذي يستحيل دون عين الغازي النابعة من بطن الجبل المجاور، يعتبرها السكان يعتبرونها مصدر حياتهم إلى درجة تسمية الدوار باسمها. ومع مطلع كل فجر تبدأ رحلة العذاب عند النسوة والأطفال لجلب الماء من هذه العين على بعد ست كيلومترات مضاعفة على ظهر الدواب أو على ظهور النسوة والأطفال يحكي أصدقاء امبارك، رحلة شاقة تزداد كلما ازداد الجو حرا والماء قلة، فبعد أخذ مكانهم في طوابير لا منتهية، تتزود النسوة والأطفال بكميات من الماء للشرب لهم ولمواشيهم، فيخزن الماء في أواني بلاستيكية مثقالها ذهب عند الساكنة. شكر النقيري مصطفى وعزا اسعيد واوشن علي ومزوار محماد الله على أن دوارهم ينعم بالطاقة الكهربائية، وأكدوا للتجديد أن الدوار استفاد من الربط بالطاقة في عهد الحسن الثاني سنة 1993 بالمجان، ولم يؤد السكان سوى ثمن العداد فقط. وإذا كان الدوار قد استفاد من التغطية بالكهرباء، إلا أن الصرف الصحي منعدم، ويعتمد السكان ـ حسب أحد ساكنة الدوار ـ على حفر يحفرونها بأيديهم تستخدم لمدة طويلة إلى أن يحين وقت إفراغها بمناسبة حملة الوادي أو موسم الأمطار للتخلص من محتوياتها، واعتبر المتحدثون هذا المشكل واحدا من أكبر المشاكل، بالإضافة إلى الماء الذي كانوا قد استبشروا خيرا بقرض اليابان لتزويدهم بهذه المادة الحيوية، إلا أن حلمهم سرعان ما اصطدم بمشاكل في التطبيق، رغم إنجاز الشطر الأهم، أي 80 في المائة مما يكلف المشروع، وأبدى السكان استعدادهم لتغطية 20 في المائة المتبقية لإتمام المشروع. هدر مدرسي اشتكى شيوخ ورجال عين الغازي من وضعية مؤسستهم التعليمية الوحيدة التي قالوا عنها إنها تتألف من أربع حجرات يدرس بها 270 تلميذا تحت إشراف 6 أساتذة في ظروف وصفوها بالصعبة جدا، نظرا لانعدام المرافق الصحية، سواء بالنسبة للأساتذة أو التلاميذ على حد سواء، كما أن المؤسسة عارية وغير محمية بسور، وتتعرض إلى التلوث بسبب أحد مفتتات الحجر المجاور لها. أما متابعة الدروس الإعدادية والثانوية فاعتبرها سكان الحي مشكلا عويصا، إذ كثيرا ما يغادر أبناؤهم الدراسة بسبب بعد الإعدادية عنهم، ولا يتمكن من متابعة الدراسة إلا من توفرت لديه أسرة تأويه ببني ملال، أو وسيلة نقل قارة تؤمن له الذهاب والإياب في الوقت، وغالبا ما تذهب الفتيات ضحية هذا المشكل بسبب الخوف من الاعتداءات. صحة ونقل سري كثرت مشاكل الدوار وتنوعت، يقول اقلي خبير بشؤون قبيلته، مضيفا كلما قلبنا صفحة من صفحات وضعية الدوار إلا وجدناها مليئة بالمشاكل المتعددة والمتنوعة، وتضرب في العمق الحياة الأساسية للسكان، فالنقل لا يتم إلا عبرالنقل السري لأنه الأنسب إلى جيوب المواطنين، أما سيارات الأجرة الصنف الثاني فتتطلب 8 دراهم نهارا و12 درهما ليلا، مما يضرب القوة الشرائية لأغلب السكان. أما الصحة فحدث ولا حرج، يقول المتحدث نفسه. إذ تضطر النسوة لهجر بيوتهن والتزاماتهن العديدة لأخذ دورهن في طوابير مستوصف الصومعة للظفر بحبات من الأسبرين أو الدواء الأحمر.وفي الجانب الأمني، أوضح ـ اقلي ـ أن شباب الدوار يقظ لكل ما يحيط به، ويخبر السلطات عما يستشعره من أخطار قد تهدد المنطقة، خاصة وأنها مجاورة للمدار السياحي. وبالنسبة للسوق الأسبوعي، فقد اعتبره ـ اقلي ـ سفر بعينه، لأنه يبعد بأكثر من عشرين كيلومترا ذهابا وإيابا إلى خارج المدينة، بعد نقله من بني ملال، مضيفا أن انعكاساته المادية كانت كبيرة، سواء من ناحية التبضع أو القضاء على أيام عمل للعديد من سكان المنطقة الذين كانوا يمتهنون النقل بالعربات المجرورة أوعلى الأكتاف فقط.فكم يلزم للجماعة الحضرية لبني ملال من سنة لتلبية المتطلبات الأساسية لهذه الساكنة ومثيلاتها في العديد من الأحياء المحدثة بموجب قرار وزارة الداخلية وتقسيمه الإداري؟