يمكن القول أن إقدام السفارة الفرنسية على دعم إصدار نسخة بالدراجة المغربية لقصة الأمير الصغير والاحتفاء بذلك من قبل المركز الثقافي الفرنسي بالدار البيضاء، وتنظيم أنشطة بمناسبة المعرض الدولي للكتاب حولها مسألة مقلقة وتعبر عن تطور خطير يناقض السعي الفرنسي إلى تعيين سفراء ومسؤولين يجيدون اللغة العربية، فضلا عن كونه يطرح أسئلة على أبعاد الدعم الثقافي للكتاب المغرب والذي انتقل إلى أزيد من 1200 كتاب ومؤلف في السنوات الأخيرة، فضلا عن ميزانية تفوق 5 مليون أورو تهم المجال الثقافي للنشاط الفرنسي بالمغرب. عندما تمكن الجنرال ليوطي من بسط سيطرته على المغرب صرح بأن الفرنسيين إنما جاؤوا من أجل إدخال السكان المحليين إلى الحضارة les indigènes civiliser . وكأنه داخل إلى أرض تكتشف لأول مرة بسكانها البدائيين؛ وليس إلى بلد يحمل على عاتقه قرونا عدة من الحضارة والمدنية، وكان من نتائج ذلك العمل على تهميش اللغة العربية والدفع التدريجي في دعم الدارجة المغربية واعتمادها؛ حتى أنه تم تمويل معاجم وكتبا لتعليم الدارجة مكتوبة ومقروءة؛ والخطاب الاستشراقي المتعصب صريح في القول بأن ذلك هو مدخل لتسريع مسلسل فصل المغرب عن محيطه العربي وإقامة حاجز بينه وبين القرآن، مما يضعف مقومات المقاومة وارفض لمشروع التغريب ومحو الهوية الأصلية وبناء هوية جديدة تابعة محلها، لكن فشل هذا المشروع رغم كونه كان مسنودا بالقوة والاحتلال العسكري ومستوقيا بحالة الغلبة الاقتصادية والحضارية لفرنسا، لكن هل أدى هذا الفشل إلى التراجع عن الفكرة؟ ما يقع اليوم يقول بأن الموضوع أخذ أبعادا جديدة، بعد أن مجرد مبادرات فردية في مدينتي طنجة وسلا عبر إصدار جرائد بالدارجة، أو عبر إنشاء صفحة في موقع الفايس بوك خاص بكلمات الدراجة ذات الأصل الفرنسي، أو عبر تدريس الدارجة وتقديمها كلغة في باريس والنشاط المحموم بالمغرب للفرنسية دومينك كوبي Dominique Caubet التي أعدت أطروحة جامعية في موضوع نحو الدارجة. في السابق ارتبط موضوع الدارجة بنقاش مغر بي محلي مشروع، لكن دخول طرف خارجي يجعلنا نتسائل عن ما يقع في المغرب، وهل يخدم ذلك التطور الحضاري المنشود أم يعزز أسباب التفكك الوطني؟ الجواب واضح، وهو يصب في الثانية، في الوقت الذي نجد فيه السياسة الفرنسية إزاء هذا المشكل على مستوى فرنسا، أي المرتبط بالدارجة الفرنسية تتعامل بصرامة وحسم تنتفي معها المبررات التي يسوقها البعض للدعم الدارجة . لقد سبق للمفكر الفرنسي فرانسوا بورغا أن قال مرة بأن هناك في بلاد العرب والمسلمين من يريدون:>استئناف مسلسل تصفية الاستعمار الذي تم إيقافه منذ نصف قرن بما سمي بالاستقلالات< وذلك في معرض تفسيرها للتحولات الدينية والثقافية الجارية في المنطقة، وأسباب بروز فكر المناهضة الحادة للغرب والواقع أن مثل ما قامت به السفارة الفرنسية يخدم هذه الأطروحات .