بعد مضى ثلاثين عاماً على اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، وأكثر من خمسة عشر عاماً على اتفاقية أوسلو التي وقّعت مع الفلسطينيين، واتفاقية وادي عربة الموقعة مع الأردنيين فإن شهية الإسرائيليين لسفك دم الفلسطينيين والفتك بهم لم تتراجع، وإنما تزايدت على نحو برز في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة.. وهي التي أثبتت أننا لسنا فقط بصدد دولة تهيمن عليها نخبة من مجرمي الحرب، وإنما نحن بإزاء مجتمع مساند لتلك النخبة ومفتون بها. تجلى ذلك في حقيقة أن أحد محاور المنافسة بين المرشحين للانتخابات كان يدور حول كم ونوع الشروط التي يتعهدون بإملائها على الفلسطينيين لضمان إخضاعهم، وكلما تشدد المرشح في شروطه استمال أعداداً أكبر من الناخبين (لاحظ أن حزب الليكود حصل في انتخابات عام ,2006 على 12 مقعداً وفاز هذه المرة بـ28 مقعداً). هذا التحليل ينبهنا إلى أن سياسة الفتك بالفلسطينيين تستجيب لرغبة شعبية أصيلة في إسرائيل، وأن المشكلة ليست في النخبة القابضة على السلطة، وإنما هي في المجتمع الذي يفرزها الأمر الذي يضعنا أمام حالة نادرة يصعب استيعابها. إذ نفهم أن يكون هناك نظام فاشي أو حزب فاشي، ولكن أن تصبح الفاشية سمة لمجتمع بأغلبيته الساحقة، فتلك حالة فريدة في التاريخ المعاصر. صحيح أن هناك استثناءات على القاعدة، لكنها تظل محدودة للغاية ولا تأثير لها على القرار السياسي هناك. إننا إذا استعرضنا مواقف قادة الأحزاب الثلاثة الذين فازوا بأكبر عدد من المقاعد في الكنيست، فسوف نجد أن تسيبى ليفنى زعيمة حزب كاديما (29 مقعداً) تصنف بحسبانها الأكثر اعتدالاً (!!) بينهم، وهى الضالعة في مذبحة غزة. أما السيد نتنياهو زعيم حزب الليكود (28 مقعداً) فهو يعلن صراحة أن المذبحة ما كان ينبغي لها أن تتوقف، كما أنه لا يعترف بالاتفاقات التي وقعها أسلافه مع الفلسطينيين. ثالثهم أفيغدور ليبرمان زعيم حزب إسرائيل بيتنا (15 مقعداً) دعا إلى طرد فلسطينيي ,48 وقصف السد العالي لإغراق مصر، واستهداف القصر الجمهوري في دمشق ليُدمر على من فيه، وثمة كلام كثير حول علاقاته بعالم الجريمة المنظمة والمافيا الروسية. إذا جاز لنا أن نلخص موقف المجتمع الإسرائيلي في ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة، فسنجد أن التيار الذي أطلق عليه يسار الوسط الذي يتحمل المسؤولية عن مذبحة غزة يمثله 55 عضواً. أما تيار اليمين الذي لم تقنعه المذبحة وتطلع إلى ما هو أبعد منها، فيمثله 65 عضواً. وكما هو واضح فإن الأخيرين يمثلون الأغلبية في البرلمان، ولابد أن تكون لهم اليد الطولى في الحكومة التي يرجح أن يتولى نتنياهو رئاستها. من ناحية، فهذه التركيبة هي التي ستشترك مع الفلسطينيين في مفاوضات السلام المفترضة، ولن نستغرب إذا ما خرج علينا أقطابها مرددين إدعاء الحكومة السابقة اصطفافها في مربع الاعتدال في العالم العربي، وهو ما يستدعي أسئلة كبيرة حول المستقبل، يتعين على الطرف الفلسطيني الذي راهن على الاعتدال الإسرائيلي أن يجيب عليها. ليس وحده، وإنما على الطرف العربي الذي أبرأ ذمته بإطلاق المبادرة العربية في قمة بيروت أن يجيب عليها بدوره. من ناحية ثانية، فإن هذه التركيبة تناسب إلى حد كبير عملية التحضير للمواجهة العسكرية مع إيران، إذا فشلت محاولات إثنائها عن إيقاف مشروعها النووي من خلال مفاوضات الأمريكيين أو غيرهم. لن يفاجئنا شيء من ذلك كله، إنما الذي لابد أن يدهشنا أن نجد في مصر من يتحدث عن تنظيم أنشطة للتبشير بثقافة السلام، بدعوى تحصين الأجيال الجديدة بالثقافة، بحيث لم يعد يبقى من المعادلة سوى شقها المتعلق بالسلام ـ هانت!