إن الأوضاع اليوم في غزة تذكرنا بمحنة المسلمين تحت الحصار في شعاب مكة، وتذكرنا بالمسلمين وهم محاصرون بعشرة آلاف مقاتل من المشركين والكفار في غزوة الخندق، وهم مستضعفون، قليلون في العدد والعدة، وهم في قلق من المصير الذي ينتظرهم، وفي ترقب لما سيسفر عنه الموقف، وفي حالة من الخوف الشديد، والهلع والفزع، من المجهول، في ظل الوضع والظرف العصيب الذي وجدوا أنفسهم فيه، فحدث خلال حفر الخندق أن أصيب المجاهدون بالتعب والعنت الشديدين، وحين ظهرت صخرة استصعبوا كسرها فاستنجدوا بالرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا به يأتي، ويضرب الصخرة، فتلمع شرارة، فيقول صلى الله عليه وسلم الله أكبر فتحت الروم، وكأنه صلى الله عليه وسلم، في عز الأزمة يبعث الأمل، والصحابة ينظرون إلى بعضهم البعض ويتساءلون: فتحت الروم؟!! كيف ذلك؟؟ ونحن لا نستطيع حتى قضاء حاجتنا من شدة الخوف!! ثم يضرب الصخرة مرة ثانية، ويقول: الله أكبر فتحت فارس، ويضرب الثالثة فتتكسر الصخرة. فالرسول صلى الله عليه وسلم، القائد، والمعلم، والقدوة، نراه في عز الشدة، وفي عز الأزمة، يعِد الصحابة بفتح بلاد فارس، وبفتح بلاد الروم، ويبعث الأمل، ويرفع المعنويات، ويشحذ الهمم، نعم، هذا هو منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو أسلوبه، في تثبيت المؤمنين، وفي تقوية إيمانهم بربهم، وإيمانهم بقضيتهم، وبرسالتهم، وفي حثهم على الثقة في الله عز وجل وفي وعده للصابرين للمؤمنين. ونحن حينما نتابع كل ما يعانيه إخواننا في قطاع غزة عبر شاشات التلفزة، فإننا مطالبون بالتفاعل والتجاوب مع أشقائنا، لأنهم جزء لا يتجزأ منا ،ومطالبون بأن نتقاسم معهم الآلام والأحزان، والغضب والغليان، ضد العدو الصهيوني المجرم. وبالمقابل لا نسمح للإحباط أو اليأس أن يتسلل إلى صفوفنا، وليس من المقبول أبدا أن تتزعزع معنوياتنا أو أن يتزعزع إيماننا، أو أن تهتز ثقتنا في الله عز وجل.ولنقل: الله أكبر، فتحت فارس ، والله أكبر حررت فلسطين ،والله أكبر، إسرائيل إلى زوال..... ومن أجل ترسيخ الثقة في الله والأمل في النصر أود أن أؤكد على ثلاثة أمور: .1 إن هذا الصمود البطولي الذي يثبته الشعب الفلسطيني في كل مرة، لابد أن يكون مدعاة للافتخار والاعتزاز بهم وبإيمانهم، ومدعاة للإعجاب بثباتهم وبقائهم على الحق ظاهرين، وبالله مؤمنين، لا يضرهم من خذلهم، وهذا الثبات الذي لا يماثله إلا ثبات أهل الأخدود، وإن هذا الصمود، وهذا الصبر الكبير، دليل واضح على تمسك الشعب الفلسطيني بخيار المقاومة، ورفضه للخضوع والاستسلام، ودليل على تمسكه بأرضه وبحقوقه وبالمسجد الأقصى وبكامل فلسطين. .2 لابد من التنويه بالتفاعل السريع والقوي والواسع للشعوب العربية والإسلامية مع المستجدات على الأرض في القطاع، إن هذه التحركات وهذه التفاعلات دليل على أن الأمة لا زالت حية، وأنها لا زالت تنبض بالحياة، وبالمقاومة، وبالممانعة، وأنها لا زالت ترفض التدجين والتهجين، وترفض التخدير، وتأبى النسيان، وترفض الذل والهوان، وترفض الاستسلام للعدو، ولذلك فإنه لابد من توجيه التحية لكل هذه الشعوب العربية والإسلامية على تأمين ظهر المقاومة وتأمين ظهور إخوانهم وأشقائهم، من مؤامرات المتخاذلين، والخونة، والمتآمرين، والمطبعين، لأنه لولا التحرك القوي لهذه الشعوب، لما فتح المعبر، ولاستمر إحكام الحصار ضد إخواننا في هذه الظروف العصيبة وفي هذه المحنة. .3 إن المعركة ليست مسألة أيام، إنما هي معركة أجيال تتبعها أجيال، حتى استرجاع الأرض، واسترجاع المسجد الأقصى، واسترجاع المقدسات، واسترجاع الحرية والاستقلال، واسترجاع الكرامة والحقوق. إن القضية ليست قضية تهدئة أو وقف متبادل لإطلاق النار، وإن القضية ليست قضية مساعدات إنسانية أو اجتماعية، إنما القضية هي قضية رفع الحصار بشكل نهائي، وفتح المعابر بشكل نهائي، وإنهاء الاحتلال وإنهاء المعاناة، وتثبيت حق الشعوب في مقاومة الاحتلال، وهو الحق الذي ضمنته جميع الشرائع وجميع القوانين. وفي الختام أقول أنه لابد لهذه المعركة وهذه المرحلة، أن تشكل مناسبة لفضح المطبعين والمهرولين نحو العدو المجرم، وفضح مخططاتهم ودعواتهم للتطبيع مع قتلة الأطفال والأبرياء، ومغتصبي الحقوق، ولابد من تعرية المتخاذلين والمتآمرين ضد هذه الأمة وضد خياراتها ومصالح شعوبها، ولابد من محاصرة الخونة الذين يتباهون بزيارة الكيان الصهيوني ويتباهون بمصافحتهم له وبالتحالف معه، والعمل على عزلهم ونبذهم ومقاطعتهم وفضحهم حتى يعتذروا للأمة ويتراجعوا عن غيهم وعن ضلالهم وخيانتهم. محمد الحمداوي (رئيس حركة التوحيد والإصلاح)