يرى منصف بن الطيبي وهو مستشار في التمويل الإسلامي وخبير محاسب أن الحكومة بعدم استجابتها لتعديلات فريق العدالة والتنمية بإيجابية عند مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2009 تضيع على المواطنين والبنوك فرصا لترويج التمويلات البديلة، مستغربا كيف تقبل الحكومة بتعديل فيما يتصل بواجب التسجيل في عقود المرابحة؛ عملاً بمبدأ الحياد الضريبي، ولا تقبل باقي المقترحات التي ترمي إلى تحقيق المبدأ نفسه، وأضاف أن الحكومة لا تمتلك رؤية بشأن التمويلات البديلة، هل تشجعها أم تضع العراقيل أمام تطورها. بداية ما تقييمك لحصيلة سنة من تسويق المنتوجات البنكية البديلة في المغرب؟ الحصيلة من الناحية الكمية هزيلة، ولكن من جهة هناك تقدم كبير، حيث إن الحديث عن التمويل الإسلامي أصبح الآن ممكناً، في حين كان في السابق أمرا غير مقبول، وكنا لا نجد آذانا صاغية عندما ندعو إلى التمويلات الإسلامية، أما الآن فهناك محاور يتحدث عنها ويسميها كيف يشاء، ولكن الأساس هو أنه يتحدث عن طريقة تمويل ينبغي أن تكون ملتزمة بمجموعة من الضوابط والمعايير الشرعية. إذن هناك معرفة لدى الدولة بهذه التمويلات، ومع الوقت ستأخذ مكانتها في السوق. أما حصيلة السنة الأولى فيمكن القول إن هذه التمويلات طرحت دون توفير شروط نجاحها، ومن أبرزها أن تكون تكلفتها معقولة ومقبولة، بحيث لا تثبت الراغب في الاستفادة منها، في حين أن تكلفتها عند طرحها كان فيها شبه تعجيز لإمكانية الإقبال عليها، لاسيما في تمويل اقتناء العقار عن طريق المرابحة، أما ما دون العقار فليس ثمة مشكلة على صعيد الازدواج الضريبي. كما كان من المؤمل أن تؤدي صيغة الإجارة المنتهية بالتمليك دورا تمويليا مهما، ولكن للأسف في السنة نفسها (2008) لإطلاق التمويلات الإسلامية تم الرفع من الضريبة على القيمة المضافة في القانون المالي إلى 20 % بالنسبة إلى الإيجار، سواء في صيغتها أو غير الإسلامية، مما أصبحت معها تكلفتها غير مقبولة. خلال الأسبوعين الماضيين جرى نقاش بمجلس النواب حول التعديلات التي اقترحها فريق العدالة والتنمية الرامية إلى إعمال قاعدة الحياد لتلافي الازدواج الضريبي على صيغة المرابحة في عدد من الجوانب الضريبية على الدخل أو على القيمة المضافة، إلا أن الحكومة رفضت كل التعديلات وعددها 6 إلا تعديلاً واحدا، فلماذا لم تتعامل بإيجابية مع هذه التعديلات؟ اعتقد أن الحكومة تفتقد إلى رؤية فيما يتصل بالتمويلات البديلة، هل تقوم بتشجيعها أو تضع العراقيل أمام تطويرها، قد يكون هناك عدم فهم لها، ولكن هذا الأمر سيزول مع الوقت... (مقاطعا) البعض يقول إن الحكومة تريد الإبقاء على الازدواج الضريبي المؤدي إلى غلاء تلك التمويلات تحت تأثير اللوبي البنكي الذي يخشى من سحب البساط من التمويلات الكلاسيكية؟ قد يكون هذا حقيقة وقد لا يكون، لأن الحديث عن اللوبي البنكي قد يخرجنا عن نطاق التمويل البديل بالمرة، لأن هناك في المغرب من يعارض كل شيء له صبغة إسلامية، ولكن قبل الحديث عن اللوبي البنكي ينبغي أن نتحدث عن اللوبي الحكومي، فهل هي تريد أو لا تريد أن تفتح المجال للإنسان الذي يبحث عن تمويل لا يتنافي مع معتقداته الدينية، وهذا هو السؤال الحقيقي. فعندما قرر بنك المغرب السماح للأبناك بتداول هذه التمويلات فهذا يعني أن الدولة لا تعارض ذلك، وبالتالي فهي مطالبة بوضع كل الأدوات المناسبة لكي تؤدي دورها، وإلا فهي تقدم شيئا دون أن يكون عمليا، لأنه لا يعقل أن يقبل إنسان تمويلا بتكلفة مرتفعة؛ في حين يوجد تمويل ربوي بتكلفة منخفضة. أول تعديل قدم هو أن يتم الخصم لحصة الربح في أقساط المرابحة التي يقتطعها البنك في إطار عقود المرابحة بغرض تملك أو بناء مسكن رئيسي من مجموع الدخل الخاضع للضريبة في حدود 20 % من مجموع الدخل المفروض عليه الضريبة، والتعليل كان هو تطبيق قاعدة الحياد الضريبي ومعاملة هذه الأقساط كما تعامل فوائد القروض التي تستفيد من هذا الخصم، فهلا وضحت حيثيات هذا الجانب؟ يسمح القانون الضريبي منذ سنوات بالنسبة للشخص الذي يقتني مسكنا مقابل قرض بفائدة بأن يخفض من الوعاء الضريبي الذي سيدفع على أساسه الضريبة على الدخل مبلغ الفائدة التي يسددها في حدود معينة، ويعتبر هذا تشجيعا كبيرا للراغبين في الاقتناء بواسطة قروض ربوية، وقد استفاد منه الكثير من الناس، لاسيما ذوي الأجور العالية، لأنه يخفض من تكلفة التمويل، وكأن الدولة تسهم في تمويل اقتناء ذلك السكن بتخليها عن جزء من المبالغ التي كانت ستعود عليها على شكل ضرائب. والمبدأ بالنسبة للحكومة شيء معروف، وبالنسبة للمرابحة فهي طريقة تمويلية وإن كانت في عداد البيوع، لأنها متعلقة بعملية بيع وشراء، فعندما يقتني الشخص بواسطة المرابحة فهو يسدد للبنك هامش ربحه زيادة على ثمن شراء السكن، ومن الطبيعي عملاً بمبدأ المساواة الضريبية بين مختلف الطرق التمويلية أن نسمح له بأن يخفض من وعائه الضريبي هامش الربح الذي يعود للبنك في الحدود نفسها، دون أن يكون أي تفضيل لنوع على الآخر. والمنطق يقول إنه كان على الحكومة أن تقبل هذا التعديل ولا ترفض، فكيف تتعامل بأفضلية للتمويل الكلاسيكي على حساب التمويل البديل؛ بالرغم من تشابه الطريقة التمويلية، فرفضها يعني أنها لا تريد تشجيع التمويلات البديلة. قد قيل لنا إن هذه التعديلات سيتم دراستها من لدن الحكومة، ونحن نظن أن هذه المعوقات ستزول مع الوقت، ولكن الحكومة تضيع على المواطنين والبنوك فرصا لترويج هذه التمويلات البديلة. كيف ستزول هذه المعوقات مع الوقت؟ بما أنها قبلت بتعديل واحد فلماذا لم تقبل بالتعديلات الأخرى التي تندرج في نفس الاتجاه ولنفس المسوغ، وبالتالي فهي تعاملت مع التمويلات البديلة بمنطق إزالة مظاهر الازدواج الضريبي؛ واحدا بعد الآخر وليس جملة واحدة. التعديل الآخر وهو أيضا متعلق بالضريبة على الدخل، ويقضي بأن يخصم من المبالغ المدفوعة لتسديد أصل وفوائد القروض أو أجرة البنك في حالة اقتناء بالمرابحة المحصل عليها من أجل اقتناء مسكن اجتماعي، كيف ذلك؟ عندما نتحدث عن القرض لا يتعلق الأمر فقط بالفائدة وإنما أيضا برأس المال، علما أنه في السنوات الأولى للتسديد تشكل الفائدة الجزء الأكبر من الأقساط الشهرية، ورأس المال هو الجزء الأصغر، ومع مرور السنوات يصبح العكس، وفي هذا تشجيع على الإقبال على القروض عبر التقسيط. ولتبسيط فهم التعديل نعطي المثال الآتي: شخص اقتنى سكنا بالمرابحة؛ على أن يسدد قسطا شهريا في حدود 5000 شهريا، فالمطلوب هو الخفض الضريبي (من الدخل) من هذا القسط في الحدود المسموح بها. كذلك رفض تعديل ثالث يخص المادة 96 من مشروع القانون المالي، ويقضي بأن يكون الأساس المفروض عليه الضريبة على القيمة المضافة هو الأجرة المتفق عليها مسبقاً مع مؤسسة الائتمان، هل شرحت ذلك طبيعة هذا التعديل؟ بطبيعة الحال عندما تقتني بالقرض فإنك تسدد الضريبة على الفائدة فقط، وإذا طبقنا المعاملة بالمثل فإن الضريبة في حال المرابحة ينبغي أن تكون على هامش ربح البنك فقط (الأجرة)، وليس على المبلغ الإجمالي الذي سدده الزبون كما كان معمولا به، وهو أمر غير منطقي، لأنه لا أحد يدفع ضريبة على القرض بل على الفائدة المترتبة عليه. من جانب آخر؛ اقترح فريق العدالة والتنمية أن يجعل سعر الضريبة على القيمة المضافة في حدود 10 %، مع الحق في الخصم فيما يتعلق بعمليات المرابحة والقرض العقاري والقرض الخاص بالبناء، وعمليات المرابحة والقرض الفلاحي الذي يقوم بها، كيف ذلك؟ عندما اقترح ذلك الفريق هذا التعديل فإنه انطلق من مبدأ المعاملة بالمثل، بحيث يتعامل مع هامش الربح كالفائدة في القرض الربوي، حيث إن نسبة الضريبة المؤداة عليها هي 10 %، في حين بالنسبة للمرابحة تصل إلى 20 % لأنها تعتبر عملية بيع. ـ نأتي إلى المقترح المقبول، وهو أن يقتصر أداء واجبات التسجيل على ثمن شراء البنك عقارات أو أصولا تجارية في إطار عقود مرابحة دون أن يشمل أجرة البنك، نريد مثالا لتبسيط الموضوع. ـ من الأشياء غير المعقولة التي ظهرت عند إطلاق التمويلات البديلة أن يدفع الزبون واجب التسجيل مرتين، عن مبلغ اقتناء البنك للعقار في إطار عقود المرابحة وعن الثمن الذي سدده للبنك، فإذا كان السعر الذي دفعه البنك هو مليون درهم فإنه يدفع واجب التسجيل عنه، يضاف إليه واجب التسجيل على 3 ملايين درهم (ثمن شراء البنك زائد هامش ربحه على مدى 20 إلى 25 سنة والذي يكون في المتوسط ضعف مبلغ الشراء)، وكأنه دفع واجب التسجيل 3 مرات. وهو تعديل يصوب ما جاءت به الحكومة بخصوص رسوم التسجيل، إذ اقترحت أن تدفع عن المبلغ الأكبر وهو الذي باع به البنك للزبون وهو يمثل في المتوسط ضعف الثمن الأصلي لشراء البنك للعقار لأنه يتضمن ربحه، وكأن الزبون يدفع الضريبة مرتين.