الذين يحاولون إجمال محاور مضامين القرآن الكريم يجعلونها ثلاثة: عقيدة و شريعة وأخلاق. وهذه المحاور ينوب بعضها عن بعض، ففي العقيدة شريعة وأخلاق، وفي الشريعة عقيدة واخلاق، وفي الأخلاق عقيدة وشريعة إلى الدرجة التي نقول معها إن الكل عقيدة والكل شريعة والكل أخلاق.وهنا نفهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق أو حديث : الدين المعاملة فإن ذلك لا يعني بأي حال إلغاء او التقليل من الجوانب الأخرى. ومن بين الاختلالات الكبرى التي تسبب هدرا كبيرا للوقت والجهد الفصل بين هذه المحاور الثلاثة، ويصير الأمر أخطر من ذلك حين يتصور البعض أن الأهم هو المحور العقدي أوالأخلاقي مثلا ويقلل من كل ما له صلة بالشريعة. بل قد وصل الأمر بالبعض إلى حد نفي كل ما هو تشريعي في القرآن الكريم . والشريعة الإسلامية كانت وما تزال محل كثير من النقاش في كثير من أحكامها، وتزداد الجرأة على الأحكام حين يتم فصلها عن أبعادها العقدية والأخلاقية. والغريب أن تحدد بعض الجهات النتيجة ، ثم تطلب من العلماء الاجتهاد للوصول لذات النتيجة بمعنى ان يحدد المطلوب ويوكل للعلماء البحث عن مسوغاته ومبرراته . ويتبع ذلك توزيع الألقاب ذات اليمين وذات الشمال فيتداخل التنوير والتزوير والتكوير... نعم كان الاجتهاد وسيبقى أصلا من أصول التشريع للإستجابة لحاجات المجتمع، وإنما كانت الشريعة صالحة لكل زمان ومكان بتفعيل آلية الاجتهاد خاصة في ما لا نص فيه كما في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه صلى الله عليه وسلم قاضيا لليمن فقال له : كيف تقضي إذا عرض لك قضاء ؟ قال : أقضي بكتاب الله ، قال : فإن لم تجد في كتاب الله ؟ قال : فبسنة رسول الله ، قال : فإن لم تجد في سنة رسول الله ،ولا في كتاب الله ؟ قال : أجتهد رأيي ، ولا آلو ، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ، وقال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله فأي معنى يبقى للاجتهاد حين تحدد النتيجة ويقال للعلماء إبحثوا لها عن مسوغ؟ وفي الآونة الأخيرة أثيرت قضية الإرث ومراجعة بعض أحكامه، وهذا ونحوه مما يصدق فيه قول العرب قديما : دندنة نعرفها من أخزم إنها ذات الجهات التي لا نكاد نسمع لها صوتا حين يتعلق الأمر بالعفة والقيم ، ولكنها لا تكف من مطالبة الجميع بالتصديق على كل الاتفاقيات الدولية من غير تحفظ ... لقد كانت مدونة الأسرة دون مستوى طموح بعض الجمعيات لأنها ظلت بحمد الله منطلقة من الشريعة الإسلامية ولقد قال جلالة الملك حينها : لا يمكنني بصفتي أميرا للمؤمنين، أن أحل ما حرم الله وأحرم ما أحله. وكان بذلك يضع حدا للجدل في كثير من القضايا بتحديد سقف الاجتهاد ومجاله وحدوده. وأحكام الإرث كما يعلم الجميع قد فصلها القرآن تفصيلا ولأجل ذلك قلت الخلافات الفقهية في هذ ا المجال لأنه أمر تولاه الله رب العالمين ثم قال تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (النساء : 13 ـ 14) والإرث لم يسلم من حملات التشويه والتشكيك ضمن استهداف كل ما هو إسلامي والأمر يستدعي حملات البيان والتبيين لتصحيح الشبهات وردها. ومن بين الدروس الحسنية المتميزة التي تناولت هذا الموضوع درس بعنوان :مساواة الرجل والمرأة في القرآن الكريم للفقيه الجليل الشيخ محمد سالم ولد عدود إنطلاقا من قوله تعالى: إن المسلمين والمسلمات إلى قوله تعالى:أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما الآية 35 من سورة الأحزاب وكان ذلك في شهر رمضان 1408هـ يوم 6 ماي 1988م وأجاب فيه عن أسئلة سبعة منها لماذا كان في الإرث للذكر مثل حظ الأنثيين؟ ومن المفيد التذكير ان المطالبة بمراجعة أحكام الإرث كانت بالوضوح الذي لا لبس فيه، ولم نجد من قام برفع دعوى قضائية ، ولا زلنا ننتظر بيانا من المجلس العلمي الأعلى لرفع اللبس ودفع الوهم والتوهم ومحاصرة تيارات التشويش والتضليل. وفي انتظارذلك نقول إن العدل كل العدل والرحمة كل الرحمة والإنصاف كل الإنصاف والحكمة كل الحكمة في أحكام الإرث كما بينها كتاب الله وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم وما عدا ذلك فلا يتجاوز أن يكون قسمة ضيزى.