في كل صباح وطيلة الخمسة عشر يوما المتبقية لحلول شهر رمضان، ينتظم طابور من الناس أمام كراج الحاج علي و في يد أغلبهم أوان بلاستيكية. ينتظرون وهم يرقبون قدوم الحاج. منهم من بكر ليأخذ حصته قبل حلول وقت العمل. الله يرحم ليكم الولدين راه سديتو عليا المحل، هكذا توسل إليهم أحد التجار المجاورين للحاج. لافتة معلقة على باب متجره تقول ممنوع الصف هنا، لكن لا أحد يعيرها الاهتمام. تململ الصف قليلا حتى دلف إلى متجره وعلامات التذمر بادية على وجهه. وكلت عليكم الله يقول وقد أسلم أمره لله. دبت حركة غير عادية في الصف. الأنظار استقطبها وافد يسير بتؤدة وعلى رأسه قبعة بيضاء. يخرج المفاتيح من بلوزة بيضاء ويتجه رأسا لحل الأقفال. لم يسمع منه أحد التحية. لا يهم، ربما غلبها صوت الريدو الحديدي حين رفعه. صبري ألالا راه بالنوامر هكذا قال الحاج لامرأة في مقدمة الصف اقتحمت عليه مملكته. أخرج أغلب الواقفين وريقات من جيوبهم وأخدو في تدقيق النظر فيها. لقد أسقط في أيدي الذين لم يعلموا أن عليهم وضع كوماند من قبل. غادي انتسنا حتى تسالي مالين النوامر تجيب المرأة وهي تجلس على السطل الذي في يدها. يتسلم الحاج البونات ويسلم أصحابها أكياسا بلاستيكية من الحلوى الشباكية كل حسب طلبيته. لم يكن محل الحاج علي وحده الذي يعرف إقبالا خاصا قبل حلول رمضان. بل كذلك شأن كثير من المهن. العطار بدوره ينعم برواج خاص يرتبط بالأساس ببيع لوازم الحلويات والسلو وغيرهما. ويلتقي الجميع عند صاحب الفرن التقليدي محملين بأكياس من الدقيق. في غير هذه المناسبة يحتج الناس إذا ما قدر لعجينهم أن يحترق. ويطالب بعضهم بالتعويض ويكتفي البعض الآخر بالاحتجاج. أما اليوم وطيلة الأيام المتبقية لدخول رمضان فالطلب منصب بالعكس على الدقيق المحترق. وثمن حرقه كثمن شرائه تقريبا وأحيانا يتجاوزه! في كل بيت تقريبا يسمع صوت المهراس وصفير الطاحونة الكهربائية. علامة إعداد لوازم شهيوات رمضان. وتستطيع سماع تلك الأصوات في كل الأوقات تقريبا حتى بعد منتصف الليل ! لا يثير ذلك مشكلة فالجميع يتفهم دواعي المناسبة ويصبر... وتختلط في السماء روائح متعددة يستطيع المرء التمتع بلعبة تعدادها ومحاولة التمييز بينها. وحدهن النساء يعشن ما وراء تلك الأصوات وتلك الروائح، ووحدهن من يعرف جيدا ما في المزود الذي ضربن به كما يقال. أما الرجال فسرعان ما تنسيهم تلك الروائح والأصوات وجع الرأس الذي يجدونه بسبب خاص هاذي..خاص هاذي.