يبدو أن الدخول المدرسي لهذه السنة لن يكون كغيره، فالخلافات بين النقابات ووزارة التربية الوطنية حول أولويات الدخول المدرسي لا زالت قائمة، خاصة فيما يخص معضلة الغياب، حيث تعتبر الوزارة أن مشكل الغياب، الذي فاق كل التوقعات، هو سبب التكرار، وكذا الهدر المدرسي، خاصة في العالم القروي، ويرى الفاعلون في الميدان التربوي في ذلك استفزازا لأسرة التعليم؛ من شأنه أن يجعل السنة الدراسية المقبلة ساخنة بين الطرفين. ففي حين تبدو الوزارة الوصية حازمة إزاء ما تعتبره أولويات للدخول المدرسي، يتطلب من الجميع الانخراط فيها، فإن تحديد تلك الأولويات يبقى محط اختلاف، وهكذا، فقد أعلنت الوزارة في مذكرة تربوية وجهتها إلى مختلف المصالح، أن أولويات العام الدراسي المقبل لن تحيد عن تأهيل المؤسسات التعليمية، والحد من الهدر المدرسي، والحد من الاكتظاظ ومعالجة حالاته، ومحاربة ظاهرة غياب الأساتذة، والارتقاء بالقدرات التدبيرية لهيأة الإدارة التربوية. وهي أولويات تنطلق من البرنامج الاستعجالي الذي يبدأ تنزيله هذه السنة. وتقترح المذكرة في كل أولوية من تلك الأولويات بعض التدابير التربوية والتنظيمية، ففيما يخص تأهيل المؤسسات التعليمية، أكدت مذكرة على ضرورة الارتقاء بالفضاءات المدرسية بصفة عامة، مع إعطاء الأولوية للوسط القروي، سواء تعلق الأمر بالربط بشبكات الماء والكهرباء والتطهير، أو بالبنية التحتية لمختلف المرافق التربوية والصحية والإدارية، أو بتوفير التجهيزات المكتبية والوسائل التعليمية والمعدات الديداكتيكية، وكذا بالعمل على المحافظة على ممتلكات المؤسسة، وتحسين مختلف الخدمات التي تقدمها، والحرص على توفير شروط الانضباط والاحترام داخلها، وعلى استتباب الأمن في محيطها. كما شددت على ضرورة الحد من الهدر المدرسي، لأنه يعرقل تطور أداء المنظومة التربوية، خصوصاً في العالم القروي، ويحدث نزيفاً كبيراً في الموارد المادية والبشرية، ويؤثر سلباً على المردودية الداخلية للمنظومة. الأمر الذي يقتضي معالجة ظاهرتي الانقطاع والتكرار بمختلف مستويات أسلاك النظام التربوي، وخفضها بنسبة 50% خلال الموسم الدراسي 2009 /2008. أما بخصوص الاكتظاظ، فنصت المذكرة على إمكانية تجاوزها بتدابير تنظيمية وتربوية، منها الحرص على عدم تجاوز 40 تلميذا في القسم، والتقليص من عدد الأقسام المشتركة وغيرها. كما دعت إلى محاربة ظاهرة غياب رجال التعليم، وتفعيل القوانين المنظمة لذلك. غير أن الفاعلين التربويين يرون أن البرنامج الاستعجالي أخطأ الهدف، ويقول الدكتور أحمد دكار، نقابي وباحث جامعي، إنه حينما يركز البرنامج على جعل التلميذ محور المنظومة التربوية، فإن ذلك يبقى ادعاء فقط، لأنه البرنامج يغفل مقاربة مهمة في هذا السياق، تعتمد على دفع التلميذ نحو التعلم الذاتي، من خلال توفير شروط موضوعية ملائمة، ولذلك يقول دكار؛ إن غياب تلك الشروط يشكل عوائق أمام تحقيق مقاصد البرنامج. أولى تلك العوائق، يقول الباحث الجامعي، هي الاكتظاظ، فإذا كانت توجيهات الوزارة تطالب بحصر عدد التلاميذ في القسم في حدود 40 تلميذا، فإن ذلك يؤشر على غياب أدنى شروط التعلم، لأن التمركز حول المتعلم يفرض القرب من التلميذ، والقرب لا يمكن تحقيقه في وسط تربوي مكتظ، ولا يسعف نهائيا رجل التعليم في الاقتراب من المتعلمين، وتقديم الدعم التربوي اللازم لهم. أضف إلى ذلك أن الاكتظاظ، أصبح معضلة أمام عائق ثاني يتمثل، حسب المتحدث دائما، في الموارد البشرية، وهو عائق ذو وجهين، الوجه الأول يتعلق بالخصاص، بحيث هناك أقسام مع كل دخول مدرسي تجد نفسها تفتقد الى مدرسين، الأمر الذي يدفع الوزارة إلى ترقيعات، عبر دمج ما يسمى بالمواد المتآخية. أما الوجه الثاني فيتعلق بالتكوين المستمر، ومنذ ثلاث سنوات هناك أموال صرفت دون أن يستفيد منها رجل التعليم، كما أن مراكز التكوين تراجع دورها، وأصبح بعضها مهددا بالإغلاق أوحتى الانهيار. واعتبر دكار أن الوزارة فشلت في ذلك فشلا ذريعا. هناك عائق آخر يتعلق بالبرامج والمناهج، حيث إن تعددية الكتاب المدرسي خلقت نوعا من الفوضى أمام المتعلم، واعتبر دكار أن تعددية الكتاب المدرسي بقيت شكلية، الأمر الذي يجعلها تجربة فاشلة، إذ إن التعددية يجب أن تكون مرتبطة بالاختيار، وغياب الاختيار يفرغها من مضمونها. أما العائق الأهم والذي لم ينتبه إليه، فيتمثل في كون التدريس بالكفايات كان شكليا، ولم ينزل عمليا، وهو أمر مرده إلى أن رجال التعليم لم يتقلوا تكوينا خاصا بهذه المنهجية، فحافظوا على التكوين بالأهداف، مما خلق خلطا وضبابية لدى رجال التعليم.