منذ انتخابات مطلع 2006، وربما عملية الوهم المتبدد بعد ذلك بشهور، وحركة حماس في الضفة الغربية تدفع أثماناً باهظة من أبنائها وقادتها ومؤسساتها ومنجزاتها التي راكمتها طوال عقود، وسبقت في بعض تجلياتها إعلان الحركة نهاية العام 87، حدث ذلك بعدما تأكد الاحتلال أن الحركة لن تدفع الثمن المتوقع لمشاركتها في الانتخابات ممثلاً في وقف المقاومة. على أن المرحلة الأسوأ بالنسبة للحركة هي تلك التي تلت الحسم العسكري في قطاع غزة منتصف حزيران الماضي، إذ تعرضت خلالها وما زالت تتعرض لحملة شرسة لم يسبق لها مثيل، حتى أيام التنسيق الأمني المعلن منتصف التسعينات وصولاً إلى انتفاضة الأقصى نهاية أيلول من العام 2000. في تلك الأثناء كانت عصا السلطة أقل وطأة من حيث تعاملها مع الحركة، إذ كان التركيز منصباً على العاملين في المجال العسكري، فيما هو أقل وطأة بالنسبة للقطاعات الأخرى: الخيرية والاجتماعية وحتى السياسية، باستثناء بعض الرموز الأكثر وضوحاً وتأثيراً (كان الوضع أكثر قسوة في القطاع). معلوم أن الحركة قد كشفت خلال مشاركتها في انتخابات مطلع 2006، وقبلها الانتخابات البلدية الكثير من أوراقها التنظيمية في مناطق هي في الأصل شبه مكشوفة للاحتلال وجيش العملاء، حيث قدمت للمعركة أكثر رصيدها من الرموز والقادة، وحتى ما دون ذلك من كوادر الصف الثاني والثالث. ما إن وقع الحسم العسكري حتى انطلقت حملة شرسة لم تنته فصولاً بعد، يمكن القول إنها أصابت بقوة رصيد الحركة من الرجال والمؤسسات، فضلاً عما ترتب على ذلك من معاناة كبيرة على الأسر والعائلات، وبالطبع بعد أن أفرز الحسم العسكري في القطاع انقساماً حاداً بين الناس في الضفة، وصارت مقولة الحيلولة دون تكرار الانقلاب مبرراً لممارسات شرسة على مختلف المستويات. خلال عامين اثنين، لا سيما العام الثاني، يمكن القول إن معظم الذين اعتقلتهم سلطات الاحتلال في الضفة، هم من أعضاء الحركة، مع العلم أن عددهم تجاوز المئات، يؤكد ذلك تضخم عدد المعتقلين الإداريين (وهم المعتقلون من دون تهمة) الذي وصل إلى أكثر من 1500. أعضاء التشريعي، أعضاء البلديات، أعضاء الحكومة ومن عملوا في سلكها، الطلبة، رموز العمل الخيري والاجتماعي، الأسرى المحررون، كل هؤلاء تعرضوا وما زالوا يتعرضون لحملة شرسة، يدخل أحدهم سجون السلطة لبضعة أسابيع، ثم ما يلبث أن يجد نفسه في قبضة الاحتلال، مع أن كثيراً منهم كما أشرنا أسرى محررون، بعضهم لم يمض على خروجه من السجن الإسرائيلي سوى وقت قليل، ولا تسأل عما يتعرض له كل أولئك من تعذيب في المرحلتين (هناك معتقلون من الجهاد كذلك). المؤسسات طالتها ذات الحملة: الجمعيات الخيرية، البلديات، لجان الزكاة، المدارس، رياض الأطفال، المستوصفات، ولم تسلم حتى المؤسسات الشخصية التي يشتبه بانتماء أو تعاطف أصحابها مع الحركة. حضور الحركة في المساجد تعرض لما يشبه الاستئصال، الأمر الذي لم يحدث خلال التسعينات، ويتندر الناس في إحدى القرى على يساري يعمل إماماً في أحد المساجد، وذلك بفضل جهود وزارة الأوقاف التي لا تكف عن إصدار المراسيم في هذا الشأن، معطوفة على ما يتعلق بالمؤسسات التابعة لها مثل لجان الزكاة والصدقات. هكذا يتضح حجم الثمن الذي ترتب على تصديق فكرة الديمقراطية تحت الاحتلال، ومن ثم على الحسم العسكري في القطاع الذي دفع ثمنه الأكبر في الضفة، فضلاً عن تداعياته الأخرى.