عبد الله الراضي نموذج الأب المثالي، هكذا اختارته جمعية السلام للأعمال الاجتماعية فرع الرباط؛ ليكون من بين ثلاثة مكرمين، بمناسبة اليوم العالمي للأسرة، في حفلها السنوي الذي احتضنته قاعة المهدي بن بركة، يوم السبت الماضي، واختارت له محور: الأبوة الإيجابية. عبد الله الراضي حضر من مدينة؛ وزان لنيل شهادة التكريم، مرفوقا ببعض أبنائه وحفيدة له، التقته التجديد ليحكي لها عن مشوار أبوة إيجابية،لتسعة أبناء تمكنوا من نيل مناصب محترمة في المجتمع، وحققوا أمنية والدهم في أن يكون أبا ناجحا بعدة مقاييس. يبلغ عبد الله الراضي من العمر 67 سنة، مهنته أستاذ متقاعد، اعتلى الشيب شعر لحيته و رأسه؛ ليكسوه بتاج الوقار؛ مضافا إلى وقار العلم والخدمات الإنسانية، المتمثلة في رئاسة فرع مدينة وزان لجمعية السلام للأعمال الاجتماعية. حكى عبد الله الراضي لـ التجديد، في جلسة على هامش الحفل السنوي، مسيرة رجل أمضى في التعليم 41 سنة، ولم يتقاعد ببلوغه سن التقاعد، بل واصل عطاءه من خلال العمل الاجتماعي الذي تمارسه جمعية السلام. مزج الراضي في حكيه بين الابتسامة المشرقة حينا، والبكاء الشديد حينا آخر، كل حسب مناسبة الكلام، ليقدم صورة متكاملة عن مسرحية واقعية عنوانها الأبوة الإيجابية، وخشبتها حياة مليئة بالعطاء. مستارة ازداد عبد الله الراضي سنة 1941 بقرية تبعد عن وزان بـ 25 كليمترا، هي قرية الزواقين من قبيلة بني مستارة، المعروفة بمفكريها وعلمائها وحفظة القرآن الكريم. والتحق بمدينة وزان، حيث تابع دراسته الثانوية، ومباشرة بعد الحصول على شهادة البروفي آنذاك، التحق بسلك التدريس في التعليم الابتدائي سنة .1960 لم يعش الراضي مع والده رحمه الله كثيرا، إلا أن الفترة التي قضاها معه اتسمت بالاحترام والتقدير المتبادل، هكذا تحدث عن أبوة صنعت منه رجلا يحترم نفسه وغيره. تزوج سنة 1964 من زوجة اختارها على أساس الصلاح، ورافقته في مسيرة أنجبا خلالها تسعة أبناء. أبوة ما إن سألت التجديد عبد الله الراضي عن معنى الأبوة حتى أخذت أطرافه ترتعد، ووجنتاه تحمر، وبلغ به الأثر حد البكاء؛ ليخرج بعناء شديد كلمات بليغة الأثر؛ لمن كان له قلب وعقل سليم: إن كلمة أب هي أجمل كلمة، لكن لها ثمن، وثمنها: الإحساس بالمسؤولية، والرعاية والعناية، والتضحية والقدوة الصالحة، فليعتني الإنسان بالجذورلأن الفروع تعتني بنفسها، وليحرص الفرد على أن لا تصرفه تربية أمواله على تربية أبنائه. فمن ربى أبناءه جاؤوه بالأموال، ومن ربى أمواله خسر الأموال والأولاد. وبعد أن ذرف دموعا حرى، أضاف عبد الراضي: الأبوة رعاية ومسؤولية وصمود وثقافة، فلكي تربي رجلا، يجب أن تكون أكبر من رجل. والأبوة هي القدوة، وإذا استطاع الأب أن يصلح نفسه، ولا صلاح إلا تحت مظلة لا إله الله محمد رسول الله، فالدين والالتزام بمنهج الله سبحانه وتعالى؛ هما الوسيلة الأولى للتغلب على مشاكل الحياة. وعلق الراضي على بكائه بأنه ممزوج بروح المسؤولية والفرح والحزن، المسؤولية التي يجب على الآباء استشعارها وهم يمارسون وظيفة سامية، وفرح للتوفيق الذي ناله من الله، حتى عبر بأبنائه بحر التربية ليصل بهم إلى بر الاستقرار الأسري والمهني، وحزن على الأسر التي لم تذق طعم هذا التوفيق، وبقي أبناؤها يعيشون الضياع والتيه، بسبب غفلة آبائهم عن وظيفتهم السامية: الأبوة الناجحة. إنها كلمات نابعة من تجربة أب ذاق الحلو والمر؛ ليخرج أبناء صالحين لأنفسهم وأسرهم ومجتمعهم. عاش الراضي أبوة لتسعة أبناء: فخر الدين، دكتوراه في اللسانيات، وجيه، مجاز في الدراسات الإسلامية، أسماء، ربة بيت، وفاء، محامية، محمد سعيد، دكتور في القانون مفتش إقليمي، أمينة، وكيلة تأمين، عبد الواحد، وكيل تأمين، عائشة، ربة بيت، صهيب، طالب مهندس في الإعلاميات. ولمحمد سعيد عبد الفتاح قصة، وهي تترجم ما قاله من كون الإنسان إذا تمنى على الله؛ فإنه ينال ما تمنى، قبل أن يولد له هذا الابن بسنتينن وبالضبط سنة 1969 وبعد أن اشترى أحد أعداد مجلة العربي وتصفحه، وقرأ مقالا رائعا عرف أنه للدكتور محمد سعيد عبد الفتاح، فقال: يا ربي أسألك طفلا غلاما، وسأسميه محمد سعيد عبد الفتاح، ورزقت بطفل أسميته محمد سعيد عبد الفتاح، وبعد أربعين سنة حقق الله أمنيتي، وفي أواخر سنة 2007 ناقش ابني رسالة الدكتوراه في شعبة القانون الخاص تحت عنوان: القيم المنقولة في التشريع المغربي ونال الشهادة بميزة مشرف جدا، مع توصية بالنشر، والحمد لله. شهادات في شريط مصور أنتجته مديرية الاتصال بجمعية السلام للأعمال الاجتماعية فرع الرباط، وتم عرضه أثناء الحفل السبت الماضي، توالت الشهادت من زوجة وأبناء عبد الله الراضي، يعترفون له بإيجابية أبوته، فهذه زوجته فاطمة تقول: إنه يتمتع بجميع الخصال الحسنة، يوجه أبناءه للخير، اجتهد على تربية أبنائه. ابنته تفتخر بالقول: أعطانا تربية حسنة نفعتنا في تعاملنا مع سائر الناس، كان يحرص على الجانب الديني في تربيتنا. لم يستخدم السلطة بمفهومها السلبي، كان يعتبرنا مثل أصدقائه. وكان ينتصر للرأي الصائب. أبي مثال الأبوة المثالية. كفى تتويجا لهذا الأب أن يشهد له أبناؤه في الدنيا قبل الآخرة، فإنه من المعلوم من الدين أن ابن آدم إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث، منها الولد الصالح. وتأتي ضمن لقطات الشريط المصور لقطة معبرة من أحد أبناء الراضي؛ يقبل رأسه ويده اعترافا له بحسن تربيته. اعتراف لم ينكر عبد الله الراضي جميل زوجته التي كانت رفيقة دربه في مسار الوالدية الإيجابية، يتعاونان ويتناصحان ويصبر أحدهما على الآخر، ويصمد كل منهما أمام الرياح العاتية، التي تعصف بحياة الأسر، لترديها منتهية بالشتات والضياع. إذا كان من فضل، فإنه يرجع بعد الله سبحانه وتعالى لزوجتي فاطمة هكذا كان الوسام الذي توج به عبد الله الراضي زوجته فاطمة، التي أعانته على مسار الحياة، ليستحق صفة الأب الإيجابي. لم ينس الراضي موقفا حرجا مر به في حياته سنة ,1967 إذ عزم على التخلي عن اجتياز امتحانات الباكلوريا، لكن إصرار الزوجة فاطمة دفعه دفعا لاجتياز المباراة، مما جعله بنجاحه يقتحم أسوار الكلية، ويتابع دراسته الجامعية التي كانت حلما من أحلامه. أمطر الراضي زوجته أثناء الحديث لـ التجديد بدعوات الخير، لأنها، بإصرارها، فتحت أمامه آفاقا صيرت أحلامه واقعا معاشا، فهي السبب في حصوله على شهادة الإجازة من كلية أصول الدين، ليلج دار الحديث الحسنية ويتخرج منها. هذا بالأضافة إلى أنها هي التي كانت تمسح عنه عرق عناء الحياة إلى أن كبر أبناؤهما التسعة، وساعدته على قطع مسافة الحياة بطمأنينة وأمان، وهي بحق زوجة صالحة، اختارها بعد تمعن وتفكر والحمد لله، كانت له نعم الرفيق، وكانت تمتص غضبه بطريقة سحرية. تقاعد بلا تقاعد أمضى عبد الله الراضي في التدريس41 سنة درس فيها مختلف أسلاك التعليم، من الابتدائي إلى الثانوي مرورا بالإعدادي. سنة 2001 حصل على التقاعد من العمل الإداري، لكنه لم يتقاعد عن العمل، بل مضى يشتغل رئيسا لجمعية السلام للأعمال الاجتماعية فرع وزان. منذ صغره كان مغرما بالقرب من الناس وإسعادهم، ولا يجد سعادته كاملة إلا إذا استطاع إدخال السرور على الناس؛ تيمنا بالصحابي الجليل صهيب، وعندما كان ابنه صهيب رضيعا في مهده، كان يدغدغه ويقول له صهيب يا صهيب ضحى بماله في سبيل دينه، ضحى بثروته في سبيل عقيدته، وعندما كبر، كان يقول له إنني أسميتك على صهيب. هكذا استثمر الراضي عنصر التسمية في منهجه التربوي،ليساعده على أداء رسالته السامية، مستشهدا بأن اختيار الاسم نابع من السنة النبوية، إذ من حق الابن على والده أن يختار له اسما حسنا. طرحت علي الراضي فكرة العمل مع جمعية السلام للأعمال الاجتماعية سنة 1998 ووافق على ذلك، ليتحمل مسؤولية رئاسة الفرع بوزان على مدى أربع دورات متتالية، وما يزال يمارس هذا العمل من كل كيانه، لأنه يجد فيه نفسه، ولإيمانه بأن العمل الاجتماعي موهبة وثقافة وسلوك. ويعتمد الراضي في حياته على التخطيط ويضع أهدافا، فمنذ سنة 2000 كان له ثلاثة أهداف من بينها حج بيت الله الحرام، واقتضت حكمة الله تعالى أن يحقق له ذلك. إن هذه الروح العالية هي السر وراء رؤية عبد الله الراضي شابا رغم أن الشيب اعتلى رأسه ولحيته.