وهو أكاديمي مغربي مقيم في الإمارات العربية المتحدة موضوع تشخيص الطائفية الذي سبق أن نشر بيومية التجديد كجزء من دراسة تقدم بها المفكر الإسلامي الأستاذ المقرئ أبو زيد الإدريسي. وركز الباحث في هذه المناقشة على ثلاث نقط هي : 1. الخلاف بين الشيعة والسنة 2. الرابطة الإسلامية تغنينا عن جميع الروابط 3. ثورة العشرون والنفس العلماني مدخل افتتح الأستاذ أبوزيد مقاله متسائلا: > هل يعقل أن تتحول أخطاء الماضي إلى اختيارات الحاضر لتصبح أقدار المستقبل ؟ وهذا كلام جميل فلا أحد يريد أن يقع في أخطاء الماضي، فضلا أن تتحول أخطاء الماضي في عالمنا الإسلامي والعربي إلى اختيارات حاضرنا !< ،أما هذه النقطة فأوافقه عليها ، وأشد على يديه ، فالإنسان يجب أن يتعلم من أخطائه ، والإيمان يزيد الفطنة ، لأن أصوله واعتقاداته مبنية على نبذ كل ما من شأنه تضليل الرأي وطمس البصيرة ، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول : (السعيد من وعظ بغيره ويقول صلى الله عليه وسلم : لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ،يقول الإمام الفاضل الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير :وهو يوضح معنى الحديثين الشريفين ( وكلها تنادي على أن المؤمن لا يليق به البله ) ثم وضح الأستاذ المقصود بالطائفية التي يقصدها في حديثه قائلا: (ليس المقصود بالطائفية مجرد الانتماء ، فقد صار هذا ومنذ القرن الأول كأنه قدر منزل ، وكأنه حظنا من طبيعة الاختلاف ، التي جعلها الله سنة من سننه في الكون ، وهذا كلام جميل . ثم دخل في صلب الموضوع المعنون ب (تشخيص الطائفية) قائلا (والمقصود بالطائفية التعصب المذموم للطائفة، أو المذهب ،أو الاختيار، أو الشيخ، أو الزعيم ،ووصف هذه السلبيات بأنها أسوأ من التعصب للعرق أو اللون أو القوم ، واستأنس الأستاذ الفاضل في مقاله على ما صرح به ( نبيه بري) زعيم حركة أمل، والوزير السابق في لبنان ــ نسأل الله أن يعجل لهم بالفرج ويتفقوا على رئيس يجمع شملهم ويوحد صفوفهم ، ولو كان ذلك عن طريق العصبية المذمومة ــ فقال: ( ومن أطرف ما صرح به نبيه بري لإحدى المجلات السياسية منذ ربع قرن من الزمن ( أن المقاتلين باسم الاسلام والمسيحية في لبنان هم ، أبعد الناس عن ارتياد المساجد والكنائس ) وسأعقب على كلام الأستاذ الفاضل من خلال النقط التالية: التي جاءت في مقاله وهي: 1الخلاف بين الشيعة والسنة 2 الرابطة الإسلامية تغنينا عن جميع الروابط 3 ـ ثورة العشرون والنفس العلماني أولا :الخلاف بين السنة والشيعة الخلاف بين السنة والشيعة قديم وتاريخي وواقعي ، ولا أعتقد أننا نستطيع أن نختزل هذه القضية ـ كما وصفهاالأستاذ المقرئ- في موضوع واحد هو الخلاف على الدرهم والدينار فقط ، وأسند الأستاذ هذه المقولة إلى خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ورحمه أو على الدينار العراقي والدولار الأمريكي في عصرنا ، بل الدولار هو سيد الموقف اليوم ، حتى مع هبوطه الحاد في البورصات العالمية ،هبوطا قسم ظهر شركات الأسهم والأفراد المغتربين ، والاقتصاد بنوعيه الرأسمالي والإسلامي الذي مازال في مراحله الأولى ــ ولكن الخلاف بين السنة والشيعة موجود منذ القدم فهو خلاف تاريخي ، سقطت بسببه دول كثيرة ، وقامت على أنقاضها أخرى، واستُغل لأغراض سياسية منذ القدم ، والتاريخ اليوم يعيد نفسه ، بل بسببه انهارت أكبر إمبراطورية إسلامية في تاريخ أمتنا ، إنها الخلافة العباسية ، التي تعتبر أطول خلافة وأطول حضارة في التاريخ، فلماذا نحاول إخفاء هذا الخلاف أو علاجه بهذه الطريقة ،وكتب الفقه والتاريخ والحضارة الإسلامية شاهدة على مآس حصلت بتلك الأسباب القديمة الجديدة ، ولنستمع إلى ما كتبه بعض رجالات التاريخ الذين رصدوا لنا تلك الأحداث المؤلمة فهذا اليافعي في كتابه المسمى ب ( مرآة الجنان ، وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان ) يقول :(عند ما دخل التتار بغداد ، بلغ عدد القتلى من المسلمين ،ألف ألف وثمان مائة، وكسراً،وسبب دخول التتار إلى بغداد ، هو أن الملك المؤيد ابن العلقمي كاتبهم وحرضهم على قصد بغداد لأجل ما جرى على إخوانه الرافضة من النهب والخزي،وظن أنه سيبقى خليفة علويًا، وكان يكاتبهم سرا ، ولا يدع المكاتبات تصل إلى الخليفة عن طريق ممن يرفع إليه الأعلام، وعند قرب وصولهم إلى أبواب بغداد أشار الوزير ابن العلقمي على الخليفة المعتصم بالله ، ( دعني أخرج إليهم في تقرير الصلح) فخرج الرجل ، وتوثق لنفسه بالأمان ورجع، فقال للخليفة: ( إن الملك قد رغب في أن يزوج ابنته بابنك الأمير أبي بكر، وأن تكون الطاعة له كما كان أجدادك مع الملوك السلجوقية، ثم ترحل ) فخرج إليه المعتصم في أعيان الدولة، ثم استدعى الوزير العلماء والرؤساء ليحضروا العقد بزعمه وكيده، فخرجوا، فضربت رقاب الجميع، وصار كلما خرجت طائفة بعد طائفة، تضرب أعناقهم حتى بقيت الرعية بلا راع، وقتل من أهل الدولة وغيرهم ما قتل من العدد المذكور. أما شمس الدين الذهبي فيقول رحمه الله : ( قال ابن الكازرونيّ وغيره : ما زال التتار في قتلٍ وسبي وتعذيب عظيم واستخراج الأموال مدة أربعين يوماً ، فقتلوا النّساء والرجال والأطفال من أهل البلد وأهل سائر القرى ما عدا النّصارى ، عُيّن لهم (شحاني ) ( أي حراس ) حرسُوهُمْ ، وانضمّ إليهم خلقٌ فسلِموا . وكان ببغداد عدةٌ من التُّجار سلِموا (لفرمانات) أي صكوك ، والتجأ إليهم خلق ، كما سلم من بدار ابن العَلْقَمي ) ودار ابن الدّامَغَانيّ صاحب الدّيوان ، ودار ابن الدّواميّ الحاجب ، وما عدا ذلك ما سلِم إلاّ من اختفى في بئرِ أو قناة ، وأحرق معظم البلد وكانت القتلى في الطُّرق كالتُّلول . ( يقصد كالتلال ) ومن سلم وظهر خرجوا كالموتى من القبور خوفاً وجوعاً وبرداً، وسلِم من أهل الحلّة والكوفة . أمّنهم القان ، وبعث إليهم شحاني . وسلمت البصرة وبعض واسط . ووقع الوباء فيمن تخلّف ، فلا حول ولا قوة إلا بالله . ثانيا : الرابطة الإسلامية تغنيننا عن كل الروابط نعم هذه قضية من البديهيات ،وهي غير قابلة حتى للنقاش عند المسلمين ، لأن النصوص فيها قطعية الثبوت قطعية الدلالة وهذا هو منهج الإسلام الصحيح يقول الله تعالى : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) ( التوبة الآية 71) ويقول : صلى الله عليه وسلم عن الطائفية ( دعوها فإنتها منتنة ) والحديث في كتب الصحاح والأدلة كثيرة ومستفيضة ، في هذا الموضوع ، لكن السؤال المطروح هنا هو كالتالي ( إذا جاء من يعرض على المسلمين خدماته من غير المسلمين ؟ اعتمادا على عصبية الدم أو القبيلة أو القوم أو الجنس فهل نرفضها أم نستثمرها لصالحنا ؟ طبعا نستثمرها لصالحنا ، وهذا هو رأي علماء الأصول وفقهاء الشريعة ، ولقد ناقش الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى في تفسيره أضواء البيان هذه القضية ،واستدل عليها بعدة أدلة من القرآن والسنة النبوية الشريفة ،عند تفسير قوله تعالى : (قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) هود (91) فقال أولا: ( بين تعالى في هذه الآية الكريمة : أن نبيه شعيباً عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام منعه الله من الكفار ، وأعز جانبه بسبب العواطف العصبية ، والأواصر النسبية من قومه الذين هم كفار، ثانيا قصة نبي الله صالح عليه السلام : فيها دليل على أن المتمسك بدينه قد يعينه الله ويعزه بنصرة قريبه الكافر ، كما بينه تعالى في قوله ، في شأن صالح وقومه : { قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بالله لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وإنا لصادقون } النمل : الآية 49 . ففي الآية دليل على أنهم لا قدرة لهم على أن يفعلوا السوء بصالح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى التسليم إلا في حال الخفاء ، وأنهم لو فعلوا به ذلك خفاء وسرقة لكانوا يحلفون لأوليائه الذين هم عصبته أنهم ما فعلوا به سوءاً ، ولا شهدوا ذلك ولا حضروه خوفاً من عصبته . فهو عزيز الجانب بسبب عصبته الكفار ثالثا: دليل آخر وهو أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى له{ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فآوى } الضحى : 6 أي آواك بأن ضمك إلى عمك أبي طالب . ذلك بسبب العواطف العصبية ، والأواصر النسبية . فكون جل وعلا يمتن على رسوله صلى الله عليه وسلم بإيواء أبي طالب لهو دليل على أن الله قد ينعم على المتمسك بدينه بنصرة قريبه الكافر . ومن ثمرات تلك العصبية النسبية قول أبي طالب : والله لن يصلوا إليك بجمعهم ... حتى أوسد في التراب دفينا فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة ... أبشر بذاك وقر منه عيونا، وقوله أيضاً : ونمنعه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل. ولهذا لما كان نبي الله لوط عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ليس له عصبة في قومه الذين أرسل إليهم ، ظهر فيه أثر عدم العصبة . بدليل قوله تعالى عنه : { قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ } هود 80 وهذه الآيات القرآنية تدل على أن المسلمين قد تنفعهم عصبية إخوانهم الكافرين رابعا :في بني المطلب ابن عبد مناف عند مناصر تهم لبني هاشم لما ناصر بن المطلب بن عبد مناف بني هاشم ، ولم يناصرهم بنو عبد شمس بن عبد مناف ، وبنو نوفل بن عبد مناف عرف النَّبي صلى الله عليه وسلم لبني المطلب تلك المناصرة التي هي عصبية نسبية لا صلة لها بالدين . فأعطاهم من خمس الغنيمة مع بني هاشم ، وقال : + إنا وبني المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام ؛ ومنع بني عبد شمس وبني نوفل من خمس الغنيمة ، مع أن الجميع أولاد عبد مناف بن قصي . وقال أبو طالب في بني عبد شمس وبني نوفل : جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا ... عقوبة شر عاجل غير آجل بميزان قسط لا يخيس شعيرة .. . له شاهد من نفسه غير عائل لقد سفهت أحلام قوم تبدلوا ... بني خلف قيضا بنا والغياطل هذا فيما يخص العصبية التي تقدم للمسلمين منفعة ، قد يكونوا في حاجة ماسة إليها اليوم أكثر من أي وقت مضى. علال الفاسي وعصبيات الأسر والجماعات والعشائر في المجتمعات القديمة يقول الأستاذ علال الفاسي رحمه الله : ( لقد شعر الإنسان بالحاجة إلى المرأة فتكونت الأسرة بإلهام من الفطرة ، ونشات العائلات على النظام الأبوي ، وتكونت العشائر (( )) وظهرت الجماعات ) أي بعد أن نزل آدم إلى الأرض وانتشرت ذريته وتفرقت في الأوطان المتعددة فوق هذا الكوكب الأرضي ، يقول الإمام القرطبي رحمه الله :( نزول آدم إلى الأرض لم يكن عقابا له ، لأنه أهبطه بعد أن تاب ، وإنما كان لحكمة أزلية في ذلك، وهي نشر نسله فيها ليكلفهم ويمتحنهم ، ويرتب على ذلك ثوابهم وعقابهم ثم استرسل الأستاذ علال الفاسي رحمه الله في الحديث عن الفطرة ودور ها الكبير في الحد من غلواء الطبيعة البشرية ، - أي عند مايطول عليها الأمد ، وتفتقد الأخلاق الدينية في المجتمع - فعندها تعتمد الجماعة على العصبية والقوة بطريقة الغارات والسلب والنهب ولكن يبقى في تلك الجماعة خير فطري كثير ، كالكرم والشجاعة وحماية المظلوم ، وما حلف الفضول عنا بعيد ، بل أكثر العادات والأعراف الخلقية التي كانت منتشرة في المجتمع الجاهلي أقرتها الشريعة كما يقول الإمام الشاطبي في الموافقات 2/ 54 ويقول الأستاذ :علال الفاسي رحمه الله ( وجاءت الفطرة لتحد من غلواء الطبيعة ،،فتداعت العشائر للائتلاف ضمن القبيلة دفاعا عن النفس ، وحماية من غارات العشائر المتقاربة ولكن ذلك لم يقض بالمرة على المنازعات وعلى استعمال القوة في فضها ، فظهرت فكرة التصالح والتحكيم ، ولكن هذه الأحكام ماكانت تنفذ إلا عند ما تتساوي القوى، أما إذا كان أحد الجانبين متفوقا في قوته فإنه يرفض ذلك ،إلى أن قال وقد دام هذا النظام البدائي طويلا قبل أن تتطور الإنسانية إلى عهد أكثر حضارة ، وأرقى مجتمعا ( ) تأمل معي قارئ الفاضل لابد لكل نظام مهما صغر أو كبر من قوة تحميه ،أما فكرة التصالح والأخلاق فتأثيرها يبقى ضعيفا ، بل في كثير من الحالات تُحسب ضعفا في أحداث التاريخ القديم والحديث ،بقول الله تعالى ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ، وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ، وأنزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس ) الحديد الآية 25) العلامة عبد الرحمن بن خلدون مؤسس مدارس علم الاجتماع وضرورية العصبية لقد تحدث عن العصبية بوضوح شديد، العلامة الحضرمي - المغاربي دارا ونسبا ـ عبد الرحمن بن خلدون وأعتقد أنه غلب في هذا الموضوع المصلحة على النص -لأنه فقيه قبل أن يكون منظرا في علم الاجتماع والتاريخ خ فقد تحدث في كتابه المقدمة عن العصبية القبلية ، ووصفها بأنها قوام الملك فقال : ( العصبية بها تكون الحماية والمدافعة والمطالبة وكل أمر يجتمع عليه، فالآدميون بالطبيعة الإنسانية يحتاجون في كل اجتماع إلى وازع وحاكم يزع بعضهم عن بعض، فلا بد أن يكون متغلباً عليهم بتلك العصبية، وإلا لم تتم قدرته على ذلك. وهذا التغلب هو الملك وهو أمر زائد على الرئاسة، لأن الرئاسة إنما هي سؤدد وصاحبها متبوع، وليس له عليهم قهر في أحكامه، وأما الملك فهو التغلب والحكم بالقهر. (المقدمة ص 68) انظر فالعلامة ابن خلدون ركز هنا على الجانب السياسي في العصبية وليس على الجانب الاجتماعي ، كما وضحه الأستاذ علال عبد الواحد الفاسي ،ونستطيع أن نقول إن عبد الرحمن بن خلدون ركز على هذا الجانب السياسي ،في القضية وتناولها بمفهوم الدولة في العصر الحديث ، وأنها تحتاج إلى من يساندها في الحكم كي يدوم حكمها ويستمر ، سواء كانت جهة الإسناد قبائل أو أ حزبا -كما في عصرنا الحاضر- أو جماعات يكون ولاؤها للدولة ، لمؤازرتها والشد من عضدها ، وتثبيت أركانها ، وهي الجبهة الداخلية بالمفهوم الإداري المعاصر. ويؤكد بن خلدون ذلك بقوله وصاحب العصبية إذا بلغ إلى رتبة، طلب ما فوقها، فإذا بلغ رتبة السؤدد والإتباع ووجد السبيل إلى التغلب والقهر لا يتركه لأنه مطلوب للنفس. ولا يتم اقتدارها عليه إلا بالعصبية التي يكون بها متبوعاً. فالتغلب الملكي غاية للعصبية كما رأيت. ثم إن القبيل الواحد وإن كانت فيه بيوتات متفرقة وعصبيات متعددة، فلا بد من عصبية تكون أقوى من جميعها، تغلبها ، وتستتبعها وتلتحم جميع العصبيات فيها، وتصير كأنها عصبية واحدة كبرى، وإلا وقع الافتراق المفضي إلى الاختلاف والتنازع: (المقدمة ص 68) ولاحظ معي عزيزي القارئ أن عبد الرحمن بن خلدون استدل على الموضوع بالآية الكريمة وهي ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض . ( البقرة 251 ) وهذا يعني أنه لا يحسبها خارج إطار الشريعة .وهنا يظهر تغليب المصلحة على النص كما نادى بها الطوفي ، وإن كان علماء الأصول فندوا رأيه بأدلة قوية من الشرع، حقوق الإنسان المسلم المغتصبة إلا أننا نحاول أن نحصل على حقوقنا المغتصبة - كحق الشعب الفلسطيني الجريح مثلا ، والشعب العراقي المدمر - بكل الطرق ، سواء عن طريق حقوق الإنسان ، أو القومية العربية ، أو القانون الدولي ،لأننا لو طالبنا هم بالإسلام حكما ومنصفا بيننا لزادوا في غيهم وطغيانهم واحتقارهم لأمتنا الإسلامية ، ولذلك نقول للعالم أجمع قف معنا في المحافل الدولية لنصر قضايانا من جانب الأخوة الإنسانية ،ونقول لإخواننا العرب قفوا مع شعب غزة باسم الإسلام ،وإلا فباسم العشائرية أو الوطنية أو القومية ، ارحموا إخوانكم في العروبة ياعرب. المهم هو ألا ننطلق منها كنعرة طائفية ، وحمية بغيضة . ثالثا: ثورة العشرين والنفس العلماني ثم ختم الأستاذ الفاضل المقرئ، مقاله متاسئلا ( هل قدر العراق مثلا أن تكون ثورة العشرين أجمع للصف من أحداث اليوم ، لدى كلا الطرفين لأن النفس العلماني كان فيها أقوى؟ أقول :أما ثورة العشرين فلا مانع من التيمن بأحداثها المباركة ، فقد بدأت ثورة العشرين ثورة جهادية ، وكانت البداية الجهادية المباركة على يد شيخ قبيلة زوبع وهي من القبائل الكبرى في العراق ، والتي لها تاريخ مشرف ، وفجر هذه الثورة المباركة ، الشيخ ضاري بن محمود الزوبعي ، هو جد الشيخ الدكتور حارث الضاري رئيس هيئة علماء العراق الحالي سدد الله خطاه ، : كيف بدأت ثورة العشرين ؟ بدأها الشيخ ضاري بن محمود ، حين ما أرسل إليه الحاكم الانجليزي (ليجمن ) ( عدة مرات ، وكان الشيخ يعرف قصده ، لذلك تجاهل هذه الرسائل برسلها المتعددة ، ولم يستجب له ، و عند ما ألح عليه وضايقه ، استجاب لطلبه وحضر إلى مجلسه ، وكان هذا بمنطقة الرميثة التي تبعد عن بغداد حوالي ثماني كيلو مترات ، فلما دخل الشيخ على الكولونيل ليجمن ) طلب منه أن يكون متعاونا (أي عميلا ) لجيش الاحتلال البريطاني خ ( الذي احتل بغداد سنة 1917م - فانتفض الشيخ وغضب لهذه الإهانة ورفض خيانة بلده وشعبه المجاهد الأبي ، فرد عليه (الكولونيل ) ليجمن ) بكلام بالغ فيه بالإهانة بالشيخ ، وهنا خرج الشيخ من مكتب الكولونيل ، ونادى على ابنيه وهما: خميس ضاري ، وسلمان ضاري ، وكان الثلاثة مسلحين ، فقتلوا الحاكم المستعمر ( ٌمهٍفَ) وكان هذا بتاريخ 13/ 8 / 1920 واندلعت ثورة العشرين في جميع أنحاء العراق ، لذا فالشعب العراقي الآن يتبرك بها تيمنا وتفاؤلا بانتصاراتها ، وليس اعتمادا على ما حملته لاحقا أو ما طرأ عليها من فكر ونفس علماني، والثورات الجهادية دائما كعادتها ، تبدأ بالمجاهدين المخلصين ، ويجنيِ ثمارها المنتفعون ،فالجزائر مثلا بدأت ثورتها المباركة بالعلماء الربانيين ، وبعد حوالي قرن وربع ، بدأت فرنسا المفاوضات مع المجاهدين الجزائريين فذهب اتجاهان للمفاوضات ، أصحاب العمائم ( علماء ) ، وأصحاب الطرابيش ( علمانيون ) فسحب العلمانيون البساط من تحت أقدام المجاهدين المخلصين ، فرضيت فرنسا بمفاوضة العلمانيين ، ورجع أصحاب العمائم بخفي حنين ، وهكذا والتاريخ يعيد نفسه في كثير من الحالات المتكررة في عالمنا العربي والإسلامي . إنجاز صحوتنا وأختم حديثي عن إنجازات الصحوة الإسلامية كما جاء الحديث عنها في مقال الأستاذ المقرئ ،أقول إن إنجاز صحوتنا المباركة رغم تغبيش الرؤيا وتضليلها عن هذه الإنجازات المباركة ، فقد رصدها الأباعد قبل الأقارب وكتبوا عنها الكثير - رغم ماأصابها ويصيبها من ابتلاءات وامتحانات - فلا نقيسها على الكونوفوشية ولا على البوذية ولا على الهندوسية ، حتى وإن غزا الصينيون ببضائعهم شوارع درب عمر بالدار البيضاء ، وأسواق دبي ،والخرطوم والقاهرة ودول الخليج ، وإلا فسيبقى هذا القياس من أنواع ( القياس مع الفارق ) والدليل عليه قول الله تعالى ( أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ، قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، إنما يتذكروا أولوا الألباب ( الزمر الآية 9 ) فالصحوة تتحرك بصمت لا ضجيج حوله ،وتؤسس الجامعات والمراكز العلمية ، وتنشر ثقافتها بسلم مقابل نشر ثقافة العولمة بالحروب .وفي الختام الشكر الجزيل لصاحب المقال الأستاذ الفاضل المقرئ أبو زيد الذي يتحفنا دائما بمقالاته العلمية الهادفة، والشكر موصول للقائمين على موقع التوحيد والإصلاح. والسلام عليكم ورحمة وبركاته