هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء        الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    "دور الشباب في مناصرة حقوق الإنسان" موضوع الحلقة الأولى من سلسلة حوار القيادة الشبابية    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب        أمن البيضاء يوقف شخصا يشتبه في إلحاقه خسائر مادية بممتلكات خاصة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو تأسيس ثقافة إسلامية جديدة على أساس قرآني
نشر في التجديد يوم 13 - 12 - 2004


مقدمة نظرية للبحث في التفسير الاجتماعي
إن أول ما ينبغي ملاحظته عند الحديث عن التفسير الاجتماعي أن دائرته تتسع لتشمل جميع المناهج المستحدثة في التفسير، وهي مناهج استدعتها الرغبة في تأسيس ثقافة إسلامية جديدة على أساس قرآني. ثم إننا بالرجوع إلى تعاريف العلماء لعلم التفسير نجد أنها تقبل هذه التوسعة.
التفسير بيان لمراد الله تعالى
التفسير كل عمل يعتمد في تأسيس موقفه الفكري على فهم معين للقرآن أيا كانت الصورة الفنية لهذا التفسير سواء سارت على النمط الموروث عن السلف الذي يتناول تفسير القرآن مرتبا حسب آياته، أو اتخذت أسلوب المقالة أو التفسير الموضوعي أو غيره، بمعنى أن دائرة التفسير يمكن أن تتسع لتشمل حتى حالات الاستشهاد بالنص القرآني لتدعيم موقف من المواقف، وكذا الصيغ المبرهن عليها كلها بآيات قرآنية بشرط أن يكون ذلك كله من إيحاءات النص لا من إملاء التفسير. وقد أفاد هذا التوسع في الكشف عن الاتجاهات الجديدة في التفسير الحديث.
هذا من حيث الشكل الخارجي للتفسير الاجتماعي، أما من حيث المضمون فإن المتتبع لآيات القرآن الكريم سيجد لا محالة حديثا عن كثير من القضايا الاجتماعية والأحكام التي تضبطها، وسيجد بالمثل قصصا وأمثالا وسننا وغيرها، وكل ذلك مصحوب بثراء في العبارة القرآنية، غنى في معانيها من شأنه أن يفتح ميدانا واسعا للتفكير في القرآن الكريم.
الظاهرة القرآنية لصيقة بالظاهرة الإنسانية
إننا هنا أمام آفاق جديدة ربما تمكننا من الكشف عن نواميس الاجتماع الثابت وسننه المطردة، ومعرفة الأصول التي تقوم عليها الجماعات والوسائل التي تحفظ وجودها وتضمن ارتقاءها أو تخصم عرى ترابطها، على الوجه الذي بينه القرآن الكريم، وقد تمكننا بالمثل من معرفة منهجه في تطوير المجتمع واستئصال آفاته، مع التركيز على الآليات التي يستخدمها لتحقيق هذا الغرض.
ما يبرر هذا كله كون الظاهرة القرآنية لصيقة بالظاهرة الإنسانية والاجتماعية، إذ القرآن في مجمله إما حديث عن الإنسان أو حديث إليه. وقد أصاب ابن مسعود رضي الله عنه، حين قال: >من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن<.
إن هذه المعطيات تنبه إلى أن القرآن ليس مصدرا للفقه التشريعي فقط، لأن آيات الأحكام التشريعية هي بعض آيات القرآن، ولأن الأحكام التشريعية هي بعض مقاصد آيات الأحكام. ومن ثم صار من اللازم الكشف عن مواطن وآفاق وأبعاد الرؤية القرآنية في المسائل الاجتماعية، وكذا عن السنن والقوانين الموصلة إلى إدراك مقومات التسخير التي تحقق عمارة الأرض وتمكن من القيام بأعباء الاستخلاف. وهذه كلها عناصر تخص بناء الإنسان.
ثم إننا إذا ما دققنا النظر وحاولنا أن نقارب هذه المعطيات بطريقة ممنهجة، فإننا سنجد في القرآن آيات تدعو إلى التفكر في أحوال المجتمعات وتحث عليه، ونجد فيه أيضا آيات تتكلم عن بعض السنن الاجتماعية، وآيات تتحدث عن المجتمعات بشتى مستوياتها، فيكون قد اجتمع لنا بذلك الأمر للبحث في مجال محدد، والإرشاد إلى سننه الضابطة، ثم تقديم تصنيف بشأنه، مما يجعل المعرفة المنصبة على هذا المجال قائمة على مستوى فائق من الدقة المنهجية. وهي الأرضية التي ينطلق منها التفسير الاجتماعي.
مهام ومجالات التفسير الاجتماعي للقرآن
إن التفسير الاجتماعي يروم الكشف في مرحلة أولى عما يحويه القرآن أو يرمز إليه من معارف اجتماعية. ويدخل في هذا الإطار استشفاف المقومات الأساسية والدعائم الجوهرية التي جاء بها القرآن الكريم في بناء المجتمع عموما، وفي أصول التربية الاجتماعية على وجه الخصوص، وكذا الأسلوب الذي جاء به لترشيد حياة الأفراد وتحقيق سعادتهم ومتعلقات ذلك.
فتقديم التصور القرآني للأساس الذي يقوم عليه النظام الاجتماعي ولعناصره وعلاقاته ووظائفه، وحركته وتطوره، وبيان أهدافه وتقسيمها، وبيان وسائل علاج أوضاعه المادية والمعنوية والقواعد التي تحدد العلاقات بين أفراده أو بينهم وبين غيرهم من المجتمعات، وكذا الكشف عن طريقة القرآن في خلق وتدعيم الاحتفاظ بالتضامن الاجتماعي، والمفاهيم الجديدة التي يثبتها في المجتمع والتي من شأنها تغيير طريقة حياته والارتقاء به نحو الأحسن، والجوانب التي تمكن القرآن من التحكم في كل الخيوط الناسجة للواقع الاجتماعي، كل ذلك يدخل في مهام التفسير الاجتماعي.
ويدخل في مسمى التفسير الاجتماعي أيضا تلك المحاولات التي ينبغي الوصول بها إلى القوانين الاجتماعية المبثوثة في القرآن الكريم وإلى القضايا الكلية والأحكام العامة التي تسري مسرى القانون والتي يصطلح عليها بنواميس الاجتماع الثابتة. وهي نواميس تعرفنا على الأصول التي تقوم عليها الجماعات وعلى عوامل التأليف التي تحفظ وجودها وتقويه وعوامل الانحلال التي تفصم عرى ألفتها. ويمكننا استشفف ذلك من حديث القرآن عن نهوض الأمة من خلال التغيير الثقافي، وإصلاح عالم الأفكار وعن فسادها وانهيارها بشيوع أخلاق معينة، وبانقسامها إلى طبقات سيدة وأخرى تابعة، وإصابتها بالتبلد العقلي الذي يجعل التقليد أساس الفكر.
ويهتم التفسير الاجتماعي أيضا بمعرفة كيف يقوم القرآن بتحديد المنطلقات الفكرية التي ينبغي لكل باحث أن يتسلح بها ويتمثلها، وكيف يعمل على توجيه رسالة العلم وتسطير أهدافه، فيكون بمثابة معين ومثبت للإنسان وهاد أمين له في قراءته للكون عموما وتحصيله للمعرفة الاجتماعية على وجه الخصوص.
والواقع أن تأثير القرآن لا يقف عند حد تزويد الباحثين بحوافز وخلفيات وما ورائيات فقط، بل تعمل إرشاداته وهداياته بالإضافة إلى ذلك على توفير عناصر تنظيرية أساسية ومهمة بالنسبة للفكر الاجتماعي، ولعل من أقرب الأمثلة التي توضح أهمية معطيات الوحي في تطوير الفكر الاجتماعي مبدأ المساواة الذي يشكل الأساس الذي يقوم عليه التنظير السياسي المعاصر. إذ يتضح لدارس تاريخ الفكر السياسي أن مبدأ المساواة ذو طبيعة علوية تعود أصوله إلى الوحي الإلهي.
ويسعفنا في مقاربة كل ذلك الأمثال والقصص القرآنية التي حوت نماذج لنهوض الأمم وعللت أسباب النهوض، وقدمت نماذج لعوارضه وأمراضه، وبينت طريق السقوط، والانقراض الحضاري، وقدمت نماذج للطغيان والظلم السياسي: فرعون وجنوده، وطرق حماية المسلم من السقوط على أقدام الظلمة، وبينت مآل هذا السقوط وعواقبه، وقدمت نماذج للظلم والطغيان الاجتماعي، والمصير الذي انتهى إليه... قدمت نماذج للترف والبطر والكبر وسائر الأمراض والأوبئة الاجتماعية المؤذنة بالخراب والتدمير.
هناك أيضا آيات الأحكام الاعتقادية التي تشكل المرجع الأساس للفكر والعمل، وتبين العلاقة الجدلية التي تربط العقيدة بنزوع الإنسان إلى الفعل وإلى أي حد يكون السلوك اعتقاديا وتكون العقائد سلوكية، وتكشف عن مدى تبعية الموقفين العملي والفكري للموقف العقدي وعن كونهما الواقع الحركي المجسد للعقيدة، وتمكننا فيما بعد من تسليط الضوء على الوظيفة الاجتماعية للعقيدة، ومعرفة الوجه الذي تكون به الإرادة الحضارية طوعا لها.
د. أحمد نصري
أستاذ بكلية الآداب بالمحمدية
مجلة رؤى الباريسية عدد: 21-22


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.