ما يزال الله سبحانه يتحدث عن قصص بني إسرائيل، ويطلب إلى نبيه الرسول محمد (عليه السلام) أن يبلغ العالم أخبارهم بنفس الصيغة : وإذ، أي واذكر يا محمد، تذكيرا لجميع من بلغ إليه القرآن، وتذكيرا بالأخص لليهود المعاصرين له في مجتمع المدينة، وذلك عندما أخذ الله على بني إسرائيل الالتزام بتوحيد الله لا يشركون به غيره، وأن يحسنوا إلى الوالدين والأقرباء واليتامى والمساكين، وأن يكونوا مع جميع الناس مسالمين متعاطفين مرتبطين بهم بعلاقة المودة وحسن التفاهم، لا يخاطبونهم إلا بالكلمة الطيبة والقول الحسن، وأن يؤدوا خير أداء ما فرض الله عليهم من صلاة وزكاة وقُربات يتقربون إلى الله بها ليرضى عنهم ويجازيهم خير جزاء. (وإذْ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله. وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين. وقولوا للناس حُسْنا. وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، ثم تولّيْتم إلا قليلا منكم وأنتم مُعْرضون. وإذْ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تُخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقْرَرْتُم وأنتم تشهدون. ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظّاهرون عليهم بالإثم والعدوان. وإن يأتوكم أسارى تُفادوهم وهو محرَّم عليكم إخراجهم. أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خِزْيٌ في الحياة الدنيا، ويوم القيامة يُردّون إلى أشد العذاب، وما الله بغافل عما يعملون. أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يُخفف عنهم العذاب ولا هم يُنْصَرون). ما يزال الله سبحانه يتحدث عن قصص بني إسرائيل، ويطلب إلى نبيه الرسول محمد (عليه السلام) أن يبلغ العالم أخبارهم بنفس الصيغة : وإذ، أي واذكر يا محمد، تذكيرا لجميع من بلغ إليه القرآن، وتذكيرا بالأخص لليهود المعاصرين له في مجتمع المدينة، وذلك عندما أخذ الله على بني إسرائيل الالتزام بتوحيد الله لا يشركون به غيره، وأن يحسنوا إلى الوالدين والأقرباء واليتامى والمساكين، وأن يكونوا مع جميع الناس مسالمين متعاطفين مرتبطين بهم بعلاقة المودة وحسن التفاهم، لا يخاطبونهم إلا بالكلمة الطيبة والقول الحسن، وأن يؤدوا خير أداء ما فرض الله عليهم من صلاة وزكاة وقُربات يتقربون إلى الله بها ليرضى عنهم ويجازيهم خير جزاء. ومن ضمير الغيبة يتوجه الله إليهم بضمير الخطاب لمواجهتهم مباشرة بتوبيخه قائلا : إنكم لم توفّوا بالميثاق الذي أخذناه معكم باستثناء طائفة منكم. أما أغلبيتكم فقد خرقت الميثاق وأعرضت عنه. ثم أعلن الله ما يُخفونه ويُسرُّونه بشأن ميثاق آخر التزموا به أن يمتثلوا لأمر الله لهم أن لا يسفك البعض منهم دم البعض وألا يطرد بعضهم البعض الآخر من ديارهم. وذكرهم الله بأنهم أقروا بأنهم ملتزمون بما أمروا به وشهدوا على أنفسهم بذلك، لكنهم لم يلبثوا أن عادوا إلى التقاتل والتطاحن وطرد بعضهم لبعض من ديارهم، متعاونين على الإثم والعدوان. ويستمر الخطاب الإلهي قائلا : ومن مساوئكم أنكم كلما وقع أسرى منكم لدى غيركم بادرتم إلى افتدائهم، أي دفعتم لمن أسرهم فدية لإطلاق سراحهم، مبررين ذلك بأن افتداءكم الأسرى واجب وفرض عليكم. وجاء في كتب أحباركم التي يجب عليكم العمل بما فيها، ولم يكن ذلك منكم إلا خدعة وزورا، لأنكم لم تعملوا بما جاء في هذه الكتب من تعاليم أعرضتم عنها ولم تلتزموا بها. فلِمَ لمْ تنفذوا ما جاء في هذه الكتب من واجب الكف عن سفك الدماء، وطرد بعضكم بعضا من الديار ؟ إنكم لا تنفذون مما جاء في كتبكم إلا ما يحلو لكم، وتكفُرون بما لا ترضَوْنه. فلْتعلموا أن من يتعامل مع كتب الله بهذه الطريقة الانتقائية فيأخذ منها بما يشاء، وينبذ منها ما لا يرتضيه سيلقى في الحياة الدنيا خزْيا، وسيكون مصيره في الحياة الأخرى يوم القيامة أشد العذاب. والله بالمرصاد لهؤلاء الضالين، وهو غير غافل عما يعملون وعلمه محيط بكل شيء. إن هذا الصنف من أنصاف المؤمنين وأنصاف الكافرين ممن باعوا الآخرة واشتروا بها الحياة الدنيا سيكونون في الجحيم في أشد العذاب لا يُخفف عنهم فيه ولن يجدوا لهم منه منفذا ولا ناصرا معينا. ***** {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل}: جاء ذكر الميثاق الذي يحدد علاقة بني إسرائيل بالله في آية سابقة من سورة البقرة التي نتابع شرح آياتها. وقد تحدثنا آنذاك عما تعنيه كلمة الميثاق. وفي هذه الآية يذكّر الله بما تضمنه ذلك الميثاق مما يتصل بقواعد الدين الذي جاء به موسى وأكده الدين الإسلامي. لقد جاءت بنود هذا الميثاق مفصِّلة لهذه القواعد. وأولاها توحيد الله وعدم الإشراك به، والإحسان إلى الوالدين، ومساعدة ذي القربى واليتامى والمساكين والمحتاجين إلى الصدقات والمساعدة. وهذه شعائر دينية ليست هي جميع القواعد والأركان بل يرافقها ويلتحم معها خطاب الناس بالتي هي أحسن، وحُسْن اختيار الخطاب وصوغه في صيغة يرضاها الناس ويتقبلونها، خطابا لا عنف فيه، خطابا يجعل واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقبولا من المخاطبين به مضمونا وشكلا. ومن قواعد هذا الدين إقامة الصلاة وأداء الزكاة. وكل ذلك جاء به الوحي الإلهي لمحمد (عليه السلام) وأناط به الله تبليغه إلى العالمين {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا}. فلا يجوز لليهود ولا يُقبل منهم أن يؤمنوا بما جاء به موسى ويُنكروا ما جاء به محمد ورسالتهما رسالة واحدة أوحى إليهما بها رب العباد الواحد. ***** {وبالوالدين إحسانا}: الإحسان لغة هو الإتقان، وأداء العمل على أحسن وجه. والإحسان يقتعد القمة في ترتيب الأعمال والطاعات. وقد جاء في الحديث النبوي : أحب الأعمال إلى الله أتقنها. وتعبير وبالوالدين إحسانا يعني البرّ بهما والعناية بهما وطاعتهما ومساعدتهما بأحسن الوسائل وأفضلها، بدون إخلال ولا انتقاص. حتى لقد قال عبد الله بن عباس في ذلك قولا جميلا : لا تنفض ثوبك أمام والديك فيصيبهما الغُبار. وهذا إنما هو نوع من الإحسان شخصه الصحابي الجليل عبد الله بن عباس في هذا المثال الحسن الذي يجب احتذاؤه. وقد تعددت الآيات التي حفلت بها سور قرآنية وتكرر فيها هذا التعبير الفصيح البليغ. وجاء فيها هذا التعبير تابعا وتاليا للأمر بتوحيد الله وعدم الإشراك به : واعبدوا الله ولا تُشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا. (سورة النساء/الآية63)، وفي سورة الأنعام/الآية 151 : لا تشركوا بالله شيئا وبالوالدين إحسانا. كما جاء في سورة الإسراء/الآية 32, وفي سورة الأحقاف/الآية 51. ***** {وقولوا للناس حُسْنا}: مخاطبة الناس بالقول الحسن والكلمة الطيبة ومعاشرتهم بالحسنى والحرص على الانتماء إلى كل طيب هي فضائل نص عليها القرآن في عدة آيات منها قوله تعالى: {والبلد الطيب يخرج نباتُه بإذن ربه، والذي خَبُث لا يخرج إلا نكِدا} (سورة الأعراف/الآية 85). وفي قوله تعالى: {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء توتي أكْلها كل حين بإذن ربها} (سورة إبراهيم/الآية 42) وورد في الحديث وصار من الحكم : الكلمة الطيبة صدقة. وحُسْن القول والدوام عليه يُخلّقان صاحبهما على حب الناس وحب الخير للناس. وجاء في القرآن والحديث أنه لا يكمل الإيمان بالله إلا بحب الخير الطيب للناس: لا يومن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه. ومن المقولات الطيبة المأثورة مقولة : المؤمن طيب لا يقول إلا طيّبا ولا يعمل إلا طيّبا. ***** {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة}: هذا هو الركن الخامس من أركان الميثاق الذي أخذه الله من بني إسرائيل جاء بعد أركان (1) توحيد الله وعدم الإشراك به، (2) والإحسان إلى الوالدين، (3) والإحسان إلى ذي القربى واليتامى والمساكين، (4) والالتزام بالقول الحسن والكلمة الطيبة. وفي هذه الآية يقول الله إن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة هما من مضامين الميثاق. لكن الصلاة كانت تعني في الدين الذي جاء به موسى جملة دعوات وشعائر يقوم بها المؤمن، وليست نفس الصلاة التي فرضها الله على المسلمين، وهي خمس صلوات في اليوم والليلة، ولها شروطها وأحكامها وما يسبقها من طهارة، وما يُقرأ فيها جهرا أو سرا. وفي كل صلاة يركع المؤمن ويسجد لربه، وعدد الركعات مضبوط. فهذه هي الصلاة التي جاء بها الإسلام وأوحي بها إلى رسول الإسلام الذي نزل عليه القرآن، وجاء عن هذا القرآن قوله تعالى: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدِّقا لما بين يديه من الكتاب ومُهيْمِنا عليه} (سورة المائدة/الآية 84). والزكاة التي فرضها الله على بني إسرائيل في الميثاق هي أيضا ليست الزكاة التي فرضها الله على المسلمين المؤمنين، لأن هذه الأخيرة نظمها الدين الإسلامي وأقامها على قواعد وشروط، وحدد مقدارها، ومصارفها، ومن يجب عليهم إخراجها، ومن هو معفى منها. أما الزكاة المشار إليها في هذه الآية فتعني فقط الصدقات التي جاءت بها أيضا الرسالة المحمدية، لكن بفارق أن الزكاة في الإسلام فرض، والصدقات التي حض القرآن عليها شعيرة دينية تطوعية لم تحدد مصارفها ولا مقدارها. ***** {لا تسفكون دماءكم ولا تُخرجون أنفسكم من دياركم} : المراد أن لا يسفك بعضكم دماء البعض الآخر، ولا يُخرج بعضكم البعض الآخر من دياره. وهذا التعبير يشير إلى وحدة المجتمع اليهودي الذي وصل إلى حد أن سفك دم الغير، وطرد الغير من بيته هو سفك لدم المجتمع كله وطرد من الديار للمجتمع كله، مما يصحّ معه القول إنهما سفك وطرد للنفس الواحدة. أو كما نقول اليوم : إنهما سفك وطرد للذات. وجاء في الآية بعدها قوله تعالى : ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم. وهو نفس التعبير الذي جاء في آية أخرى هي قوله تعالى : فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم أي فليسلم بعضكم على بعض. {خِزْيٌ}: مهانة وذلة: في الحياة الدنيا ويوم القيامة يُردّون إلى أشد العذاب. يستفاد من هذه الآية أن الله يعاقب المنحرفين الضالين عن الطريق المستقيم بعقوبات في الدنيا وعقوبات في الآخرة. وقد يُمهِل ولا يُهمِل : وجاء في الحديث: إن الله يُمهِل على الظالم حتى يأخذه. فإذا أخذه لم يُفلِتْه. وجاء في القرآن الكريم قوله تعالى: {إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار} (سورة إبراهيم/الآية 24).