لازالت مجتمعاتنا العربية تتخبط في تناقضاتها الصارخة، بتشييء الرجل و المرأة و خلق نوع من الهوة بين الجنسين ، و كأن كلا منهما يعيش في كوكب بمنأى عن الآخر ، تطالب الرجل بآداء أدوار خارقة و تطالب المرأة في المقابل بالمستحيل ، كتلك الأفلام الكرتونية ، حتى صرنا نصقع بأن رجلا أنجب جنينا و امرأة أنجبت بلا رجل ،و هكذا دواليك و انقلبت الموازين ، بيد أن الحقيقة الصماء أنه لا سبيل إلا للتعايش السليم، و أن يؤدي كل دوره بعيدا عن تلك الطابوهات … "سوبرمان الرجل " ، الذي يقفز إلى أبعد نقطة جغرافية لينقذ البشرية من الأشرار و الدمار ، فولاذي لا يعرف المستحيل " وسوبر وومن المرأة " بطلة ( دي سي كومكس ) التي اخترعها ( ويليام مولتون ) امرأة تشتهر بترسانة سلاحية ، لها مهارات خارقة لا تحتاج لأي كان ، و التي كانت حسب ( مولتون ) حلا جذريا لمعضلة النموذج الأنثوي الذي يفتقر للقوة والنفوذ ، فابتكر شخصية كرتونية أنثوية تحمل كافة مميزات الرجل الخارق ، بالإضافة إلى الجاذبية الكاملة للمرأة الطيبة والجميلة ، وبهذا نكون قد ارتقينا في مدارج التقدم والتحرر، ولامسنا الحداثة في تجلياتها ... للأسف كلها صور وهمية و لا علاقة لها بالواقع و لا المنطق …. في المنظور العربي المتقدم إن صح التعبير " سوبرمان " هو رجل له ما له من أموال ، و رصيد قوي في البنك ، و سيارات آخر صيحة أو آخر موديل ، يملك كل ما يخطر على البال ومالا يخطر ، مثقف وكل أملاكه خالدة و ليست معرضة للفناء و " و سوبر وومن " امرأة جميلة مثقفة وكل جمالها مطلق ينطق بالسحر واليناعة ، تزوج الشيك البنكي بالجسد المتناسق ، و كانت النتيجة انفصال … والسبب … أن الشيك البنكي أفلس و الجسد تغير مع تقدم العمر و تعاقب الفصول الأربعة ، ففقد بريقه المعتاد …. ولأن الفكرة بنيت منذ الأصل على الوهم و على قناعة أن "سوبرمان " سيخلد له ماله ، و أن "سوبر وومن" لن يتقدم بها العمر و لن يذبل جمالها … مع العلم أن التغيير سنة الله في الكون … لكنها أحبت ماله فقط و أحب هو الآخر جمالها فقط … متجاهلين أن حب الروح للروح يدوم مادامت الأرواح فيها أنفاسها ، و حب الجسد للجسد يزول ، طالما الأجساد زال جمالها كما قيل …. لنرجع للرسول صلى الله عليه وسلم في حياته اليومية و سيتبين لنا من خلالها الدور الطلائعي للمرأة و الرجل ، و كيف أن تعاونهما يحقق النفع و يعود على المجتمع بالخير … كان عليه الصلاة والسلام يتاجر بمال أمنا خديجة ، فيأتيها بربح ما لم تحصله من قبل وازدهرت تجارتها مع وجوده ، فلم يزدها هذا إلا تشبتا به و حبا له ، ليس بالكلام المعسول فقط بل بمواقفها الشجاعة ونبلها المنقطع النظير، إذ يشهد فيها الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا بحنان و إخلاص دافقين ( آمنت بي إذ كفر الناس ، و صدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد الناس ) …. أيها القراء الأفاضل … العلاقة بين الرجل و المرأة يجب أن تبنى على المبدأ الإنساني ، المتشبع بقيم التسامح و المحبة و التعاون و التكامل ، لا على منطق الصراع والتشاحن ، والتباهي على الآخر بأنه الأقوى و أنه المطلق الذي لا يفنى ، و كلما كان الرجل أرحم بالمرأة ، و بخصوصياتها البيولوجية والسيكولوجية و الفيزيولوجية و قدراتها العقلية ، بمزاياها و عيوبها ، بمحاسنها و أخطائها ، وأنها الشجرة الوارفة التي يستظل بظلها و الوطن الذي يأويه و يسكن إليه ، و كانت المرأة أرحم بالرجل و باختلافه عنها ، و بخصوصياته و قدراته التي ميزه الله بها ، و بأنه البنيان القوي الذي تستند عليه و تستمد منه القوة كلما أصابها الفتور ، و الدرع الذي يحميها و يصونها من البراكين و الزلازل ، كلما ارتقينا بالإنسان … فمنظمومة الأسرة … فالمجتمع … فالوطن … فالأمة جمعاء ، و كلما تجنبنا الوقوع في مخالب الطلاق و التفككات الأسرية و الظواهر المجتمعية العويصة التي تقف سدا منيعا أمام النهضة ….. لقد بنو أسرا و هدمت لأن أساسها أعوج وقوامها مشوه ، وهنا يأتي الشيخ الغزالي ليبرز أنه لا مكانة لأمة ولا لدولة ولا لأسرة إلا بمقدار ما تمثل فى العالم من صفات عالية ، وما تحقق من أهداف كريمة … الأسرة هي المحضن الأمين ، للرجل والمرأة …. أما مناأماالمفاهيم التي ترى في الرجل " سوبرمان " يملك القصور الشاهقة و يعرف كل شيء ، ويحمل كل الأثقال ولو كانت تحتاج لمئة رجل " سوبرمان " الذي لا يذرف الدمع و لو تعلق الأمر بموقف إنساني ، لأنه رجل و الرجال صخور لاتبكي ، "سوبرمان " الخالي من الأحاسيس و المشاعر ، وليس من حقه إكرام زوجته بكلمات المحبة و التشجيع ، لأنه رجل والرجال حازمون و لا يخوضون في التفاهات ، و في المرأة "سوبر وومن " تتحمل التربية والتعليم والأولاد و مسؤولية الداخل والخارج و لا يحق لها أن تخلد للراحة أو … لأن النساء هن من يقفن على قدم وساق …. فإنها لا تسعى إلا لإسقاط الأسرة ( معقلا من معاقل الدين ) لأن الأساس هو التكامل بينهما … فالرجل يكمل المرأة و المرأة تكمل الرجل ، و بهذا يتحقق مبدأ التساكن و التآلف و مبدأ الإستخلاف ، لذا صرنا نحتاج لبراديغم جديد يرد الأمور إلى نصابها …