كتبت من قبل عن كتاب الوجه الآخر لإسرائيل للكاتب اليهودي المناهض للصهيونية إسرائيل آدم شامير، وهو كتاب جمع فيه عدة مقالات نشرها في الكيان الصهيوني أولا ثم في الصحافة الروسية وغيرها. ولما جمعت وطبعت أول مرة في فرنسا تحرك اللوبي الصهيوني في بلاد الأنوار والحرية والإخاء والمساواة ضد حرية الرأي والتعبير ولو كان القائل يهوديا، ولو سبق له أن قال الرأي نفسه في دولة الكيان الصهيوني. وانتهت الضغوط بسحب الكتاب من السوق بمبادرة من دار النشر الأولى، بعد أن أفلتت نسخ منه إلى المغرب، وعرضت في المعرض الدولي للكتاب والنشر الأخير بالدار البيضاء. ولما قام صاحب دار الأقلام في فرنسا أيضا، بإعادة طبع الكتاب وتوزيعه تصدت له العصابة من جديد، ورفعت ضده منظمة لا كريف اليهودية الموالية للكيان الصهيوني دعوى قضائية غريبة في مدينة قصية بفرنسا فحكم القاضي هناك بالسجن ثلاثة أشهر موقوفة التنفيذ في حق صاحب دار الأقلام عبد الإله الشريفي العلوي، مع غرامة مالية قيمتها23500 أورو، بتهمة إعادة طبع الكتاب. وجاء في نص الاتهام يوم الثاني من نونبر الماضي التحريض على التمييز والكراهية والعنف بالنظر إلى الانتماء إلى ديانة معينة. والكتاب، فضلا عن أسلوبه البياني الرائع، ينتقد الدولة الصهيونية وينتقد في الوقت نفسه العمليات الاستشهادية ويرفضها، ويدافع عن دولة واحدة يعيش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود سواء كانوا أصليين أو مهاجرين متساوين في الحقوق والواجبات، ذلك رأيه وهو حر في التعبير عنه والدفاع عنه، وهناك كثير من الناس من يشاطرونه الرأي نفسه، وفيهم مفكرون وسياسيون مسلمون. وفي الكتاب أيضا مقاطع جميلة جدا يمجد فيها الكاتب نبي الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام، ويدافع دفاعا مستميتا عن زواج الرسول الكريم عليه أزكى الصلوات وأفضل التحيات والتسليم من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وفي المقابل يفضح الفتاوى الدينية اليهودية، التي تحث على الزواج من صغيرات السن ولو كان سنهن يقل عن عشر سنوات وعن ست سنوات. غير أن أقسى ما في الكتاب على الصهاينة هو الحملة الضروس التي يشنها عليهم لظلمهم ووحشيتهم وجبروتهم وعنصريتهم حتى مع اليهود القادمين من المشرق أو من المغرب. يقوم الكاتب بهذا وقد أوتي قلما حادا جدا، وعاش في الكيان الصهيوني ونشر مقالاته في صحفها ويعرفها حق المعرفة. السؤال الآن، هل تكون فرنسا أكثر صهيونية من الكيان الصهيوني وقد نشر الكتاب بين الصهاينة المحتلين فلم يحاكم ولم يصادر؟ كما نشر في الولاياتالمتحدة وفي المملكة المتحدة وفي دول أخرى، فما معنى أن تنفرد فرنسا بهذا الحكم، سوى أن المتصهينين فيها طليقو اليد يفعلون ما يحلو لهم، فيمنعون من الكلام من يشاؤون ويسمحون لمن يشاؤون. التهمة الوحيدة إذن هي أن الكتاب ينتقد دولة الاحتلال الصهيوني في بلاد فرنسا حيث يفعل اللوبي الصهيوني ما يشاء. وليس هذا الكتاب وحده من تعرض لمثل هذا الظلم، فقد سبقه إلى هذا كثير من الكتب والكتاب والمثقفين أبرزهم روجيه غارودي، الذي ما زال يعاني من الحصار والتكميم. كما أن موقع إسلامية أنفو الفرنسي رفعت ضده دعوى قضائية بفرنسا بتهمة معاداة السامية، أي انتقاد دولة الاحتلال الصهيوني، لكن المحكمة الفرنسية أنصفت الموقع في نهاية المطاف. ومن المنتظر أن يلتجئ صاحب دار الأقلام إلى استئناف الحكم، وعند ذلك ستبدأ المعركة القانونية والفكرية الحقيقية. وعندها سيظهر كل فريق ما لديه من حجج وبراهين، وما لدى الآخر من تهافت وأكاذيب، فلنتابع الفصول القادمة. لكن يجدر بنا قبل ذلك أن نطلع على مزيد من التفاصيل، وذلك ما سوف نقوم به في فرصة لاحقة بإذن الله. إنك أيها الظالم قد تملك سوطا تضرب به الناس ظلما وعدوانا وحبا في تعذيب الآخرين لعقدة نفسية فيك لا تشبع إلا بهذا السلوك الأرعن، وقد تملك سلطانا تكمم به الأفواه وتحبس به الكلمات، لأنك تتوهم أن مقاليد السموات والأرض بين يديك، لكن إلى متى ستظل تفعل ذلك، وأنت موقن بأنك حقير وتدرك أن العالم صغير وأن حبل الكذب قصير.