لا حديث في الأوساط السياسية والإعلامية في المغرب إلا عن تاريخ الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة، وعن الأحزاب التي ستتحالف مع رئيس الحكومة المعين عبد الإله بنكيران. فبعد انتخابات 7 كتوبر التي بوأت حزب العدالة والتنمية الرتبة الأولى ب125 نائبا برلمانيا، عين الملك محمد السادس يوم 10 أكتوبر الأمين العام لحزب العدالة والتنمية وكلفه بتشكيل الحكومة الجديدة. مهمة اقتراح الوزراء على الملك تستدعي من عبد الإله بنكيران مباشرة سلسلة من المشاورات مع الأحزاب السياسية قصد تشكيل أغلبية برلمانية، بحيث لا تعتبر الحكومة منصبة، حسب الدستور المغربي، إلا بعد التصويت بالأغلبية النيابية لفائدة البرنامج الحكومي. المنهجية التي اعتمدها رئيس الحكومة المعين، هي بداية المشاورات مع أحزاب التحالف الحكومي الحالي التي تتوفر على أغلبية مريحة، وهي التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية، غير أن التحول الذي عرفه حزب التجمع الوطني للأحرار واضطراره لتغيير أمينه العام ساهم في تأخير عملية المفاوضات، وهو ما تطلب من رئيس الحكومة انتظار «الأحرار» لمدة ثلاثة أسابيع، كما أن حزب الحركة الشعبية عقد مجلسه الوطني للحسم في قرار المشاركة بعد ثلاثة أسابيع من تعيين رئيس الحكومة، وعلق مشاركته في الحكومة بناء على مشاركة التجمع الوطني للأحرار، خلال هذه الفترة اتخذت مؤسسات حزب الاستقلال قرارا بالإجماع بمساندة حزب العدالة والتنمية سواء شارك الاستقلال في الحكومة أم لم يشارك، وهو ما تفاعل معه رئيس الحكومة المعين بشكل إيجابي وأعلن عن استعداده لفتح صفحة جديدة مع حزب الاستقلال بعد مرحلة من الخلاف بدأت منذ انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة في سنة 2013. وبعد مشاوراته مع حزب الاستقلال أعلن رئيس الحكومة على أن كلا من حزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية رسميا في الحكومة القادمة، في انتظار استكمال المشاورات مع باقي الأحزاب. إلى حدود الساعة لم يعلن كل من الرئيس الجديد لحزب الأحرار عن قراره النهائي بالمشاركة في الحكومة إلى جانب حزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية، كما ينتظر من الاتحاد الاشتراكي أن يتخذ غذا السبت قرارا حاسما في الموضوع، وقد أعلن رئيس الحكومة المعين أنه في انتظار القرار النهائي لهذين الحزبين. في هذا السياق وبمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، ألقى الملك محمد السادس خطابا من السنغال، تطرق فيه للمعايير والمواصفات التي ينبغي أن تتوفر في الحكومة الجديدة حتى تستجيب للتحديات المنتظرة، وحذر فيه من منطق «الغنيمة الحزبية».. وبعيدا عن بعض القراءات الاختزالية والتحويرية التي تحاول دائما توظيف الخطب الملكية في اتجاه معين، وتجهد نفسها في البحث عن المضمر والواضح، وعن التأويلات الأكثر خدمة لأغراض معينة، فإن الخطاب الملكي لا يمكن قراءته إلا في سياق الإرادة الراسخة بأن الاختيار الديمقراطي هو اختيار لا رجعة فيه كما أكد المنطوق الملكي مرارا... إن التحليل الملموس للواقع الملموس يجعلنا أمام مجموعة من الحقائق يمكن أن تساعدنا على طرح الأسئلة الحقيقية التي تحتاج منا إلى جواب جماعي للمواصفات المطلوبة في حكومة مواصلة الإصلاح. إن التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تنتظر البلاد في الظروف التي نعيشها يوميا، والتي تؤكد ارتفاع منسوب الوعي الشعبي وتزايد الاحتجاجات الميدانية كأسلوب للتعبير عن المطالب والحاجيات تجعل المواصفات المطلوبة في الحكومة القادمة على درجة عالية من جدية والشعور بالمسؤولية بعيدا عن منطق «الغنائم الحزبية».. إن مصالحة المواطن مع السياسة لا يمكن أن تتم إلا بواسطة مؤسسات قوية تتمتع بالكفاءة اللازمة كما تتمتع بالمصداقية اللازمة، أما الذين يحاولون اليوم خلق التناقض بين الكفاءة والانتماء الحزبي، فمن الأفضل لهم أن يطالبوا بإلغاء نتائج الانتخابات وإحراق نص الدستور الذي صادق عليه الشعب المغربي في فاتح يوليوز2011.. لقد نص الفصل السابع من الدستور على أن "الأحزاب السياسية تعمل على تدبير الشأن العام و تساهم في التعبير عن إرادة الناخبين و المشاركة في ممارسة السلطة»... ولأن المشرع الدستوري أراد أن يشعر المواطن بقيمة صوته الانتخابي فإنه ربط بين التعيين الملكي لرئيس الحكومة وبين الانتخابات، وجعل رئيس الحكومة معينا من الحزب الذي يتصدر نتائجها، وفي هذا السياق، ترسخ العرف الدستوري بالتعيين الملكي لرئيس الحزب الفائز بالانتخابات.. نعم، إن الانتخابات في ظل القوانين الانتخابية الحالية- لا تعطي إمكانية تحصيل حزب واحد على الأغلبية البرلمانية، لكن في نفس الوقت لا يمكن تصور الفعالية والجدية في ظل حكومة من ستة أو أحزاب سياسية،،وإلا سنسقط في منطق تقاسم الغنائم الحزبية.. ما ينبغي استحضاره بكل مسؤولية، هو أن أي عرقلة لتشكيل حكومة منسجمة مع الإرادة المعبر عنها انتخابيا، هو بمثابة عقاب مقصود للناخبين والناخبات الذين قاموا بواجبهم الوطني يوم 7 أكتوبر... وهو ما لا يمكن أن يقبل به عاقل..