أكدت الانتخابات التشريعية التي أجريت بالمغرب في السابع من شهر أكتوبر الجاري التي فاز فيها حزب العدالة والتنمية (إسلامي) بالمرتبة الأولى ب125 مقعدا من أصل 395 مقعدا المشكلة لمجلس النواب جملة من الحقائق التي سيكون لها أثرها في العمل السياسي والحزبي وتطورهما في البلاد مستقبلا نبسطها مختصرة كالتالي: - أن المغرب طبَّع مع المسلسل الانتخابي وبات تمرينا ديمقراطيا عاديا رغم بعض الشوائب- التي لاتؤثر على صورته العامة الجيدة- وأصبحت له مصداقية أكبر باعتراف الداخل والخارج. - أن عملية التصويت في الانتخابات المغربية لم تعد عملية عادية بل باتت بحمولة سياسية واضحة، وهو ماعبر عنه المحلل السياسي حسن طارق بعودة السياسة للانتخابات. - بات من الصعب الجزم بطبيعة الخريطة السياسية المقبلة للبرلمان ومعرفتها قبل فرز الأصوات وظهور نتائج الانتخابات، بما يعني أن العلمية الانتخابية لم تخضع للضبط القبلي، وهذه نتيجة إيجابية لمسار تراكمي لم يبدأ حتما مع الانتخابات المذكورة ولا التي قبلها، بحيث عرفت العملية الانتخابية تطورا وتحسنا مضطردا. - أن الأساليب القديمة من قبيل استعمال بعض المرشحين للمال لاستمالة الناخبين، أوتدخل بعض أعوان ورجال السلطة – كما أشارت لذلك بلاغات عدد من الأحزاب السياسية- لتوجيه الناس هنا وهناك للتصويت لصالح حزب معين ضد آخر، أو تفضيل مرشح دون آخرين باتت تؤتي نتيجة عكسية وتُقَابل برفض واستهجان عند شريحة واسعة من المغاربة. - أن الملك محمد السادس حامي الاختيار الديمقراطي -الذي بات من الثوابت المنصوص عليها في الدستور- وظهر ذلك في أكثر من محطة انتخابية سواء في تعليماته بالحرص على نزاهة الانتخابات وعدم المساس بمخرجات الصناديق، أو تعيينه أمين عام الحزب المتصدر لنتائج الانتخابات رئيسا للحكومة مكلفا بتشكيلها في وقت كانت فيه طائفة من الطبقة السياسية المغربية -التي صدعت رؤسنا بالديمقراطية والحداثة- تٌنَظِّر في الأسابيع التي سبقت الانتخابات الأخيرة لعكس ذلك وتبرره. بل هناك من حن للماضي، وتمنى لو لم يكن في الدستور الفصل 47 الذي ينص على أن "الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها". لكن الملك أكد لمن بقي لديه لبس ، أن المسار الديمقراطي خيار استراتيجي للمملكة المغربية لارجعة عنه. - أن أحزاب تاريخية كحزبي الاتحاد الاشتراكي والاستقلال أديا ثمنا باهضا من رصيدهما الشعبي لسيرهما في ركاب حزب حديث النشأة يفتقد لمشروع سياسي نكاية في حزب العدالة والتنمية، فبديا كأنهما فاقدين لقرارهما وكمن تخلى عن تاريخ عريق وتمسك بوهم وسراب. - أن "مسيرة" العار بالدار البيضاء يوم 18 سبتمبر الماضي ضد حزب العدالة والتنمية وأمينها العام رئيس الحكومة تحت شعار" ضد أخونة الدولة" جعلت كثيرا من الناس يصوتون لصالح الحزب المذكور تعاطفا معه وليس بالضرورة قناعة به بعدما اكتشفوا أنهم كانوا ضحية أساليب خداع وكشفوا حجم الأكاذيب والحقد ضده بدون مبرر ولا دليل، كما دفعت تلك المسيرة فئة من الناس للعزوف عن التصويت احتجاجا على أسلوب غير حضاري أساء لسمعة البلد والمدينة التي اختضنت مسيرات مليونية مشرفة لصالح قضايا وطنية وعربية وإنسانية. - أن حزب الأصالة والمعاصرة (علماني حديث النشأة) حصل على الرتبة الثانية ب 102 مقاعد حصد أغلبها في البوادي، ممايعني – حسب مراقبين ومحللين سياسيين- أنه لم يعتمد على أسلوب ديمقراطي حداثي -صدع رؤس المغاربة به- بل اعتمد أساليب قديمة من قبيل ترشيح الأعيان -جزء كبير منهم كانوا ينتمون من قَبل لأحزاب أخرى- واستثمر نفوذهم وشبكة علاقاتهم للحصول على الأصوات، وهو الأسلوب الذي لم يٌجدِه نفعا في المدن المتوسطة والكبرى، ولذلك قال أحد قيادييه " خذلتنا المدن الكبرى وخيبت آمالنا". - أن حزب العدالة والتنمية ليس طرفا طارئا في المشهد السياسي المغربي يمكن عزله وإقصاؤه، بل مكون أصيل من مكوناته يحظى برصيد شعبي محترم لايمكن منافسته إلا بنفس المنهج أو قريب منه (إبقاء مقرات الحزب مفتوحة طوال الولاية التشريعية وليس فتحها فقط في المواسم الانتخاببية، فتح مكاتب للنواب للتواصل مع المواطنين، نظافة اليد وعدم الاغتناء بالعمل السياسي، القرب من المجتمع و…) والعمل بنفس الوتيرة أو زيادة. أما أساليب المكر والخداع والحملات الإعلامية وفق تعبير عبدالإله بنكيران زعيم الحزب فلن تزيد الأخير إلا شعبية، لأن الوعي السياسي للمواطنين وبالأحرى الناخبين المغاربة تطور وارتقى بشكل تخلص معه من أساليب التأثير القديمة. - قد يكون لحزب سياسي نفوذ إعلامي كبير أو إمبراطورية إعلامية رهيبة لا تتوقف ضرباتها صباح مساء، لكنها لا تؤدي للنتيجة المرجوة، إذا افتقد لحاضنة شعبية ومشروع سياسي ومجتمعي واضح المعالم، وخطاب له مصداقية. - أن تطور عمل الحزب السياسي يتقدم ويكتسب مصداقية بتقديم بدائل حقيقية ملموسة، وتقديم نخبة سياسية نظيفة اليد لها مصداقية، وعندها جدية ونفس نضالي تعطي للعمل السياسي والحزبي قيمة مضافة ترقيه وترقى به. أما أسلوب الافتراء والحرب الأيديولوجية البائدة فلا تأثير له ولا نفع، بل يضيع الوقت في معارك وهمية ويحرم الوطن والمواطنين من عمل حزبي قوي وتعددية حزبية حقيقية. - أن المغرب كرس نموذجه واستثنائيته في المنطقة العربية والإسلامية، وكذب تحليلات مهزوزة وأفشل محاولات موتورة لاستيراد نماذج فاشلة بئيسة، وأثبت أن تربته ترفض الزرع الخبيث ولا تقبل إلا أطيبه وأنفعه.