أثر عن الإمام الحسن البصري رضي الله عنه، في معرض رده على استفسار بشأن الأيام التي تعتبر عنده عيدا، قوله: كل يوم لا أعصي الله فيه فهو عيد. نستحضر هذا الجواب الكافي الشافي والأمة الإسلامية تستقبل عيد الفطر السعيد في أجواء تمتزج فيها مشاعر الفرح والسرور، التي تستدعيها مناسبة كهذه، بمشاعر الحزن والأسى التي ترخي بظلالها القاتمة على العديد من شعوب الأمة المستضعفة سواء منها تلك المبتلاة بالاحتلال الأجنبي الغاشم كما هو حال أهلنا في فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان وكشمير...، أو تلك المفتونة بالصراعات الداخلية المسعرة من قبل قوى خارجية معادية كما هو واقع في السودان وبدرجة أشد في الصومال...، أو تلك الممتحنة بالكوارث الطبيعية من زلازل وفياضانات كما كانت فاجعة إخواننا في الباكستان مؤخرا، أو ما اهتزت له ضمائر العالمين بشأن ما حل بأندونيسيا وما جاورها في وقت سابق من هذا العام فيما عرف بزلزال تسونامي، هذا إضافة إلى آفة المجاعة التي ضربت بعض المناطق الإسلامية بالساحل الإفريقي وخاصة بلاد النيجر... في ضوء ما تقدم يراودنا سؤال مشابه لذلك الذي استحضرناه بداية وفحواه: أي الأيام يمكن أن تعتبر عند الأمة؟ وهنا لا نتردد في الإجابة اقتباسا من كلام الحسن البصري، حيث لا يخالجنا شك في أن عيد أمتنا الحق هو ذاك الذي تؤوب فيه إلى ربها وتتصالح بالتالي مع دينها وترتضي الاحتكام في شتى أمورها إلى شريعة بارئها، حينها فقط يمكن لفرحة العيد أن تقتحم علينا قلوبنا قبل بيوتنا وتستلذ سعادة الاستيطان في ديارنا وبين ظهرانينا. بيد أن الوصول إلى هذا المبتغى لازال بعيد المنال، ويحتاج من مكونات الأمة على اختلاف أطيافها الفكرية والمذهبية والسياسية تكثيف الجهود وتوحيدها حتى يتسنى لها احتمال مشقة وطول الطريق المحفوف بشتى أنواع المكاره والعديد من الصعاب التي تعوق مساعي تحقيق الهدف المنشود المتمثل في استعادة عافية الأمة وإصلاح أحوالها. ولعل استعراض ما آلت إليه هذه الأحوال من تردي وتدهور كفيل وحده بحملنا على استشعار جسامة التضحيات المطلوبة منا اعتبارا لهول الصعاب التي تنتظرنا ومشقة الإصرار على السير في طريق التغيير نحو الأصلح الذي نحن بأمس الحاجة إلى تمثله في ظروفنا العصيبة هذه. مأساة الشعب الفلسطينيالمتجددة أي عيد يمكن أن نتحدث عنه وأولى القبلتين ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ما يزال تحت وطأة الاحتلال الصهيوني، وأي عيد سيهنأ به الفلسطينيون والتكالب الصهيوني لا ينفك عنهم وخذلان ذوي القربى يدمي قلوبهم، أي عيد سيفرحون لمقدمه والمقاومة التي أرغمت جيش الغدر الصهيوني على التولي فرارا من غزة، باتت اليوم هدفا للتآمر الداخلي المستقوي بالخارج وعملياتها البطولية أضحت محط استخفاف وانتقاص من لدن رئيس السلطة أبي مازن نفسه، فكيف بوزير داخليته نصر يوسف الذي لم يخجل من مهاجمة المقاومة بمختلف فصائلها من على مائدة الإفطار التي استضافه فيها رئيس الكيان الصهيوني الغاصب.. العراق الجريح في مواجهة فتنتي الاحتلال والتآمرالطائفي: أما العيد في العراق فقد عاد في ظل استمرار الاحتلال الأمريكي- البريطاني الذي فطن إلى أهمية أن يتوارى ولو ظاهري إلى الخلف، مفضلا أن يحكم وينهب خيراتها خلال حكومة عميلة لم تتورع في استقبال شهر الصيام بحبك عملية تزوير واسعة لنتائج الاستفتاء على دستور الفرقة والشقاق، أكثر من ذلك فقد بادرت إلى استباق مناسبة عيد الفطر بمطالبة مجلس الأمن بضرورة التمديد لقوات الاحتلال، بل إن وزير خاجيتها اعتنبر مجرد تحديد جدولة زمنية للانسحابيصب في مصلحة ما درج على تسميتهم بالإرهاببين. وفي محاولة لتجميل صورتها أمام الشعب العراقي عمدت إدارة الاحتلال إلى إطلاق سراح 005 معتقل في سجن أبي غريب السيء الذكر، هذا في وقت أطلقت العنان لالثور الهائج كي يدك بلا هوادة ولا رحمة العديد من المدن العراقية الصامدة في وجه الجبروت الأمريكي. دون أن ننسى ميليشيات الأحزاب الحاكمة التي عاتت في الأرض فسادا وعدوانا وتفننت في إدخال صنوف الرعب المختلفة إلى الآمنين في ديارهم من دون جريرة تذكر إلا ما كان انتمائهم المذهبي الذي يغيض الروافض. سوريا: أكلت يوم أكل العراق هكذا يقول لسان حال المسؤولين السوريين بعد صدور قرار مجلس الأمن الأخير1636 والذي هدد بفرض عقوبات على دمشق إن هي تلكأت في التعاون مع المحقق الألماني ميليس. والواقع أن مسلسل الضغوطات على سوريا قد بدأ منذ قررت واشنطن فرض عقوبات اقتصادية عليها قبل حوالي عام، أعقبها بعد ذلك استصدار قرار مجلس الأمن 1559 الذي توج بسحب القوات السورية من لبنان، قبل أن يمهد تقرير ميليس لتشديد الخناق على دمشق، ناهيك عن الاتهامات السخيفة بعدم تعاونها في مجال حماية حدودها مع العراق ودعمها المزعوم للمقاومة في هذا الأخير. والذي يجب أن يفهم في هذا الموقف هو أن استهداف سوريا ليس لذاتها وإنما لدورها الممانع في مواجهة مخططات التسوية الاستسلامية ودعمها السياسي لخيار المقاومة في فلسطين ولبنان. زلزال باكستان وأكذوبة التضامن الإسلامي مقولة التضامن الأسلامي أصبحت غير ذات مضمون منذ زلزال باكستان الأخير الذي أودى بحياة زهاء 54000 مواطن، من ضمنهم حوالي 17000 تلميذ قضوا تحت الأنقاض، في وقت افتقدنا ذلك السخاء العربي الذي حركه دمار إعصاري كاترينا وريتا، كما بدا هول الفراغ الذي تركته المؤسسات الخيرية الإسلامية التي حوربت بطريقة شعواء من قبل نظام برويز مشرف...في مقابل إفساح المجال أمام المنظمات التنصيرية التي ما فتئت تتدثر بلبوس العمل الخيري... المتاجرة بمأساة المهاجرين الأفارقة شهر رمضان الذي نودعه حفل بالعديد من الأحداث والتطورات كان من أبرزها قضية قوافل المهاجرين غير الشرعيين القادمين في معظمهم من مناطق الساحل الإفريقي والراغبين، والراغبين في النزوح إلى الحلم الأوروبي عبر الثغرين المغربيين المحتلين سبتة ومليلية. والمصيبة أن معظم هؤلاء المغرر بهم مسلمون ومع ذلك وجدنا ممن يحسب على أمة الإسلام أطرافا يستغلونهم أبشع استغلال بعد أن ينهبوا أموالهم ويتركوهم لمواجهة المصير المجهول في مناطق صحراوية قاحلة. بينما ارتضت جهات أخرى لنفسها الاضطلاع بمهمة حماية وحراسة الحدود الوهمية في سابقة خطيرة لم نعهدها من قبل. تهمة الإرهاب تضيق هامش الدعوة ببلاد المهجر الجاليات الإسلامية في الغرب نالها هي الأخرى حظها من المعاناة في السنوات الأخيرة ، خاصة في ظل مابتنا نشهده من ربط ميكانيكي بين كل فعل إجرامي إرهابي والمسلمين . الشيء الذي انعكس سلبا على على النشاط الدعوي في تلك البلاد، حيث بدأ يواجه صعوبات جمة وضايقات شتى بذريعة محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه. بل إن التدعيات السلبية لهذه السياسات الحمائية قد طالت حتى نطاق التدين الشخصي الذي بدأ يجابه بدوره غير قليل من المحن . تفاؤل مشوب بالحذر ورغم كل هذه المحبطات، تبقى هنالك نقطا مشرقة تبعث على الأمل وتدعو للتفاؤل دونما إفراط.ونعني بذلك ما بدأنا نتلمسه من اتجاه القطر الجزائري نحو الالتئام مجددا على قاعدة مصالحة وطنية شاملة برغم ما يعتريها من علل ونقائص؛ وكذا جنوح حركة التمرد في جنوب السودان إلى السلم برغم حادث الوفاة المفاجئ الذي أودى بحياة زعيمها جون قرنق؛ واتجاه الشعب المصري نحو خوض أول انتخابات تشريعية يرجح أن تعكس بنتائجها صورة تقريبية لطبيعة الخريطة السياسية في أرض الكنانة؛ وكذا إسهام فاجعة تسونامي في رأب الصدع بين حكومة جاكرتا وثوار آتشيه وبالتالي اتفاق الطرفين على طي صفحة سني الاقتتال وتوقيع معاهدة سلام تحفظ وحدة أندونيسيا وتمنح سكان الإقليم حقوقا واسعة... غير أن ما يلفت الانتباه أكثر هو استعادة الأمة لبعض معاني العزة والكرامة المفقودة، والناجمة بالأساس عن نجاح خيار المقاومة في غير ما منطقة تماس في إثبات أحقيته بالتعبير عن ضمير الأمة التواق إلى الانعتاق من أغلال ثقافة الخنوع والاستسلام.وخير شاهد على ما نقول هو ما تؤكده ساحة التدافع الميداني، في فلسطين والعراق وأفغانستان...، من جدوائية المقاومة المستبصرة والمتكأة على رصيد شعبي واسع يفهم العيد وفرحة العيد على الوجه الذي أوضحه إمام التابعين رضي الله عنه.