إن مما شرعه الإسلام أداء الصلوات الخمس جماعة في المساجد، لما لذلك من منافع وفوائد عظيمة وحكم وأسرار عالية، فالقيام بها فيه تأليف بين المسلمين. وجمع لقلوبهم في أكبر عبادة مطهرة للقلوب مهذبة للنفوس والشعور، منمية للمحبة بين المصلين، موصلة إلى رجاء الثواب والعطايا الربانية العظيمة من إله كريم ورب حليم رحيم. وفي صلاة الجماعة يقف الحاكم والمحكوم والأمير والمأمور والغني والفقير والكبير بجانب الصغير والفقير، فتتساوى الرؤوس كما تساوت الأقدام في الصفوف، كل يناجي ربه ويطلب منه الهداية والتوفيق والإعانة. فإذا شاهد الغني ذلك احتقر نفسه وتواضع لله، وعظم ابتهاله وتذلله بين يدي ربه. وعلم الغني أن ذلك الفقير الذي هو بجانبه هو عبد لله إن شاء رحمهم بفضله، وإن شاء عذبهم بعدله. وفي صلاة الجماعة يتعلم المصلون من الإمام الدين بطريقة عملية بما يتحفهم به من النصائح عقب الصلوات، فتعلو مداركهم وتتوسع معارفهم ويتفقهوا في دينهم. وقد وردت في فضل صلاة الجماعة أحاديث كثيرة توضح ثواب السبق إلى الصفوف الأولى في المساجد ومع الجماعة. فعن ابن عمر رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة (متفق عليه)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمسا وعشرين درجة، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه، وتصلي الملائكة عليه مادام في مجلسه الذي يصلي فيه يقولون: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم تب عليه ما لم يؤذ فيه أو يحدث فيه». وعن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: >من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حين ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق أو مريض، ولقد كان الرجل يؤتى به إلى المسجد يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف». (رواه مسلم)