اختار البريطانيون الخروج من الاتحاد الاوروبي في قفزة إلى المجهول توجه ضربة قوية للمشروع الأوروبي ولرئيس وزرائهم، ديفيد كاميرون، مما أحدث اضطرابا قويا فوريا في أسواق المال العالمية. وبموجب النتيجة الرسمية لنتائج الاستفتاء التاريخي الذي جرى، يوم الخميس 23 يونيو 2016، وأعلنت نتائجه صباح يوم الجمعة 24 يونيو، فإن 52% من الناخبين صوتوا لصالح الخروج من الاتحاد، فيما لا يزال يتعين فرز عدد ضئيل جدا من الاصوات. وشهد الاستفتاء نسبة مشاركة كبرى بلغت 72,2%. والضحية الاولى للاستفتاء هو "ديفيد كاميرون" الذي أعلن عزمه الاستقالة، مشيرا إلى أن عملية الخروج من الاتحاد سيقودها رئيس وزراء آخر. وقال كاميرون، في تصريحات صحفية حول نتيجة الاستفتاء، من أمام مقر رئاسة الوزراء بلندن: "ليس من الضروري أن أعلن اليوم تواريخ محددة، ولكن علينا أن نسعى لاختيار رئيس وزراء جديد، في مؤتمر حزب المحافظين الذي سيعقد في أكتوبر المقبل". وأفاد كاميرون "اتخذ الشعب البريطاني قرارا بالخروج من الاتحاد الأوروبي، فلنحترم هذا القرار". وأشار كاميرون إلى أنه قاد الحملة التي تدعو الناخبين للتصويت لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي، مستطردا أن "الشعب البريطاني اتخذ قرارا واضحا في اتجاه آخر، وتحتاج البلاد إلى زعيم آخر يقودها في هذا الطريق". وأكد كاميرون أنه سيفعل ما بوسعه خلال الأسابيع والشهور المقبلة، من أجل الحفاظ على الاستقرار في بريطانيا، مضيفا "أعتقد أنه لن يكون من الصواب أن أتولى دفة قيادة البلاد إلى هدفها المقبل". مشيرا إلى أن اتخاذ قرار التخلي عن الحكم ليس بالأمر السهل. وفيما أكد الاتحاد الاوروبي تصميمه على الحفاظ على وحدة اعضائه ال27، اعتبرت ألمانيا أن هذا القرار يشكل "يوما حزينا" لأوروبا. وأظهرت النتائج دولة منقسمة، حيث صوتت لندن واسكتلندا وايرلندا الشمالية لصالح البقاء، فيما صوتت شمال انكلترا او ويلز للخروج. ومنذ بدء ظهور تقديرات تؤشر الى النتيجة، بدأ هبوط الجنيه الاسترليني بشكل كبير وصولا إلى أدنى مستوى له منذ العام 1985. وتراجعت بورصة طوكيو بنسبة 8%، فيما سجلت ابرز بورصات اوروبا تراجعا كبيرا عند الافتتاح، مما ينذر ب"جمعة اسود" في اسواق المال العالمية مع قرار خامس قوة اقتصادية في العالم الخروج من الاتحاد الاوروبي، في خطوة غير مسبوقة خلال ستين سنة من تاريخ انشاء التكتل الاوروبي. ورغم التهديدات بكارثة اقتصادية كان تحدث عنها المعسكر المؤيد للبقاء في الاتحاد والمؤسسات الدولية، فضل البريطانيون تصديق الوعود باستعادة استقلاليتهم ازاء بروكسل ووقف الهجرة من دول الاتحاد الاوروبي والتي كانت المواضيع الرئيسية في الحملة المضادة. وقرروا الانحساب من مشروع انضموا اليه في العام 1973 بعد ان رأوا فيه بشكل اساسي سوقا موحدة كبرى، لكن بدون الخوض في المشروع السياسي. وقال زعيم حزب "يوكيب" المناهض لاوروبا نايجل فاراج انه بدأ "يحلم ببريطانيا مستقلة"، مؤكدا ان النتيجة تشكل "انتصارا للاشخاص الحقيقيين والناس العاديين".
"انتصار الشق العاطفي"
واعتبر الاستاذ في معهد لندن للاقتصاد، إيان بيغ، في حديث لوكالة "فرانس برس" أن "الشق العاطفي قد انتصر". واعلن كاميرون الذي كان وراء قرار تنظيم الاستفتاء، عزمه الاستقالة. وكان يامل من الاستفتاء ان ينهي الخلافات حول الاتحاد الاوروبي التي كانت تسود حزب المحافظين منذ الثمانينات ووقف صعود حزب "يوكيب" الذي فاز في الانتخابات الاوروبية في 2014. ويجري التداول باسم "بوريس جونسون" زعيم التيار المحافظ في معسكر مؤيدي الخروج من الاتحاد لخلافة كاميرون، الا في حال فضلت قيادات الحزب شخصية اكثر اعتدالا من رئيس بلدية لندن السابق الذي يتهمه البعض بالانتهازية. وسيهدد قرار الخروج من الاتحاد الاوروبي من جانب آخر وحدة المملكة المتحدة، إذ أعلنت رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا سترجون الجمعة ان اسكتلندا "ترى مستقبلها ضمن الاتحاد الاوروبي"، ممهدة بذلك الطريق أمام استفتاء جديد حول الاستقلال. وفي ايرلندا الشمالية، دعا "الشين فين" المؤيد للبقاء في الاتحاد الاوروبي الى تنظيم استفتاء حول ايرلندا موحدة. ويشكل القرار نكسة كبرى للاتحاد الاوروبي الذي يعاني من ازمة المهاجرين واستمرار الازمة الاقتصادية. وفيما تشهد الحركات الشعبوية تقدما في انحاء اوروبا ويجمعها انتقادها لبروكسل، يمكن ان يؤدي قرار البريطانيين الى خطوات مماثلة لاحقة في دول اخرى. ودعت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبن على الفور الى استفتاء في فرنسا، كما طالب النائب الهولندي عن اليمين المتطرف غيرت ويلدرز بالامر نفسه لهولندا.
الخطوات المقبلة للاتحاد الاوروبي
واعتبر وزير الخارجية الالماني، فرانك فالتر شتاينماير، "أنه يوم حزين لأوروبا وبريطانيا". ثم أعلنت وزارة الخارجية الالمانية أن وزراء خارجية الدول الست المؤسسة للاتحاد الاوروبي سيعقدون اجتماعا، يوم السبت 25 يونيو 2016، في برلين للتباحث في تبعات الاستفتاء البريطاني. وقالت الوزارة في بيان إن "وزير الخارجية الالماني فرانك فالتر شتاينامير سيستقبل السبت 25 حزيران وزراء خارجية فرنسا (جان مارك ايرولت) وهولندا (بيرت كوندرز) وايطاليا (باولو جنتيلوني) وبلجيكا (ديدييه رينديرز) ولوكسمبورغ (جان اسلبورن) لاجراء مشاورات" ومن اجل "التباحث حول قضايا الساعة في السياسة الاوروبية". وصرح وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت في تغريدة على موقع "تويتر"، يوم الجمعة 24 يونيو، أن فرنسا تشعر بالاسف لتصويت البريطانيين مع خروج بلدهم من الاتحاد الاوروبي، ودعا اوروبا الى "التحرك" من اجل "استعادة ثقة الشعوب".
تدهور أسواق المال
واحدث تصويت البريطانيين هزة كبيرة في أسواق المال، إذ تراجعت البورصات الآسيوية كثيرا، وانخفض سعر الجنيه الاسترليني الى ادنى مستوى له منذ 1985 وارتفع سعر الين الياباني. وأعلن البنك المركزي البريطاني، يوم الجمعة 24 يونيو، أنه مستعد للتحرك لضمان الاستقرار النقدي والمالي للمملكة المتحدة ويراقب عن كثب تطور الوضع بعد قرار البريطانيين الخروج من الاتحاد الاوروبي. وسجلت بورصات باريسولندن وفرانكفورت تراجعا كبيرا عند افتتاحها الجمعة. وسجلت بورصة باريس تراجعا نسبته 7,87% عند الافتتاح، ولندن اكثر من 7%، بينما خسرت بورصة فرانكفورت اكثر من 10%. كما انخفضت اسهم كبرى المصارف البريطانية بنسبة 30% عند افتتاح بورصة لندن. وأكد المصرف المركزي الياباني "استعداده لضخ سيولة" بالتشاور مع المصارف المركزية الاخرى، بينما قال وزير المالية، تارو اسو، إنه لن يقف مكتوف اليدين من اجل تهدئة الاسواق بعد قرار البريطانيين مغادرة الاتحاد الاوروبي. وكان كل القادة الاوروبيين تدخلوا خلال الفترة التي سبقت الاستفتاء لمحاولة ابقاء البريطانيين داخل الاتحاد، نتيجة الإدراك ان خروج بريطانيا سيشكل تهديدا لنادي الدول الاعضاء. وحذرت كل المؤسسات الدولية، من صندوق النقد الدولي الى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، من ان خروج بريطانيا سيؤدي الى عواقب سلبية على الامد البعيد ناهيك عن التبعات الاقتصادية الفورية.