لماذا يتصدر بعض الجهلة للدعوة عن جهالة؟ الجواب: إنه عقاب الله عز وجل! نتيجة العصيان والمعاصي، والسيئات. قد يقول كل مسلم عامة، وهؤلاء الذين يعتقدون أنهم يخرجون للدعوة خاصة، كيف يقال هذا الكلام؟ وكيف يقال إننا عصاة ومرتكبون للمعاصي؟ وإننا معاقبون؟! بين الاعتقاد أن الإنسان على حق وأنه ضال خيوط تكتسي دقة بالغة قد لا يدركها كل مومن، وفي السنة هناك ما يعرف بالشرك الخفي، كما أن فيها أن الإنسان يمكن بكلمة واحدة أو يرفع مقامه في الجنة، كما أنه بكلمة واحدة يمكن أن ينزل دركات في جهنم. ولو فكر كل مسلم قليلا لأدرك أن عدم اهتمامه بطلب العلم، بل عدم إعطائه أهمية في حياته اليومية بشكل معصية، وعصيانا لله عز وجل، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولو قيم مكانة العلم في القرآن الكريم وفي السنة المشرفة لأدرك أن تخليه عن طلب العلم يعتبر منه تخليه عن نقطة الانطلاق. ومن أوائل جزاء المعصية سحب الرغبة في طلب العلم من العبد، لأن العلم جعله الله عز وجل إمام العمل في كل شيء، وقد تفطن لهذا كل من الشيخ أبي طالب بن علي المكي صاحب كتاب قوت القلوب، والإمام أبي حامد الغزالي رحمهما الله، فالشيخ أبو طالب المكي قال: صاحب المعاصي: يحرم مجالسة العلماء، ويمقته أهل العلم...وقيل يحرم العلم الذي لا صلاح للعمل إلا به لأجل إقامته على الجهل، ولا تتكشف له الشبهات بإقامته على الشهوات بل تلتبس عليه الأمور فيتحير فيها. وقد يقول أهل الدعوة من غير العلماء إننا لا ننجر مع الشهوات، ولا ننحاز لجانب الباطل، وإننا نهدف خدمة الإسلام والمسلمين. لكن ألا يعلمون أن الجاهل تلتبس عليه الأمور كما قال الشيخ أبو طالب؟ وهناك سؤال نطرحه على هؤلاء وهو: أليس العبد يحرم الرزق بذنب يرتكبه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وأليس من الذنب أن تنبري للدعوة أيها المسلم وأنت غير عالم؟ وغير مؤهل علميا؟ ولذلك نرى هؤلاء متلفين بين الأقوال، ولا ارتباط بين أفكارهم، ولا علاقة بين عباراتهم، بل قليلا ما يدركون الموضوع الذي يريدون التحدث فيه مما يجعلهم غير متناسقين مع تلك المواضيع التي يطرحونها، أو مطروحة للنقاش بين المجتمعين. وهذا ما أشار إليه الشيخ نفسه بقوله: >فأهل الدنيا يعاقبون بحرمان رزق الدنيا من تعذر الاكتساب وإتلاف الأموال.. وأهل الآخرة يعاقبون بحرمان رزق الآخرة من قلة التوفيق للأعمال الصالحات والأعمال الصالحة لا تكون كذلك إلا إذا صلح علم الفرد، وفي ذلك الوضع من عدم التوفيق للأعمال الصالحات تعذر فتوح العلم الصادقة، ذلك تقدير العزيز العليم نفس المرجع. أما أبو حامد الغزالي فقد جعل عقبة التوبة هي العقبة الثانية بعد عقبة العلم الذي اعتبره أول ما يجب عبوره واجتيازه لمن يبتغي الوصول إلى الله تعالى، أي إلى رضوانه وحسن مثوبته (ص.7 د. يوسف القرضاوي، التوبة إلى الله ). وأكد الإمام الغزالي في إحياء علم الدين (في المجلد الرابع صفحة 4) أن التوبة عبارة عن معنى ينتظم ويلتئم من ثلاثة أمور مرتبة: علم، وحال، وفعل. ولذلك نجد أن العلم في الإسلام مقدم على أحوال النفس، وعلى أعمال الجسم، ولا غرو إن كانت أول آية نزلت في القرآن (اقرأ باسم ربك) (ص 49 التوبة إلى الله). والشاهد على هذا قوله الله تعالى: فاعلم أنه لا إله إلا الله، واستغفر لذنبك فقدم الأمر بالعلم على الأمر بالاستغفار (نفس الصفحة والمرجع). وأكد صاحب قوت القلوب أن المعاصي تسلب الفرد طلب العلم ومحبته، فالمرء إذا عصى أظلم قلبه ظلمة يثور على القلب... فهو مكان حزن العبد الذي تسوءه سيئته.. ويكون ذلك الدخان حجابا له عن العلم والبيان وليتذكر الإنسان قول الله عز وجل: الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان ، فلينظر المتمعن إن أراد أن يتمعن في هذه الآية الكريمة التي ضمت العلم كما ضمت البيان، أليس لهذا الارتباط بعد رباني؟ فمن يدرك هذا البعد غير العلماء؟. فالبيان لا يكون إلا بالعلم، ومن فقد العلم فقد البيان بالتبعية والارتباط. فهل يكون لجاهل بيان؟ وإذا انعدم العلم بالقرآن انعدم البيان! أليس القرآن علم؟ وكيف يعرف العلم؟ إذا لم يكن بالعلم! ألم يقل الله عز وجل: لئن اتبعت أهواءهم بعدما جاءك من العلم (37 الرعد)، وقال سبحانه في سورة البقرة كذلك: ولئن اتبعت أهواءهم بعدما جاءك من العلم (البقرة 145). وإذا ما تاب العبد توبة نصوحا فإن الله ينبت حب العلم في قلبه كما ينبت الإيمان، ففي ذلك الوقت انكشف الحجاب فيظهر الإيمان فيأمر بالعلم (قوت القلوب ص 185)، قال قتادة: أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن كل ما عصى الله به فهو جهالة وعدم طلب العلم عصيان وجهالة، فهو عصيان في موضوعه، وعصيان لأنه يشكل الجهالة في أظهر معانيها، والمسلم المومن لا ينبغي له أن يكون جاهلا، لا جهالة العلم ولا جهالة التصرفات. وحيث أن الشيطان يحول بين الإنسان المسلم المؤمن وبين طاعة ربه وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم في مختلف المجالات وخاصة مجال طلب العلم، فإنه إذا قويت عزيمته وكمل علمه وقوي إيمانه لم يطمع فيه عدوه (التوبة إلى الله ص 111). محمد الشركي اخناشر