ألقى الباحث السياسي فرانسيس فوكوياما مداخلة في ندوة مؤسسة الملك عبد العزيز بالدار البيضاء بتاريخ 2005/04/09 تناول فيها الانتقادات الموجهة له بخصوص نظريته حول نهاية التاريخ وأطروحته لنشر الديمقراطية اللبيرالية في العالم وعلاقة ذلك بالثقافة والاقتصاد. وفي ما يلي نص المداخلة مع الإشارة إلى أنها ترجمة صوتية آنية إلى اللغة العربية. الذي لم يكن بديهيا في نهاية القرون الوسطى في أوربا وهكذا ظهرت حروب دامية، وثلث سكان ألمانيا قتلوا بسبب الحروب الدينية خلال ثلاثين سنة. ولهذا فإن فكرة الدولة العلمانية الحدثية التي أخذت واستلهمت عناصر الأنوار جاءت نتيجة لتجربة مريرة واقعية بسبب السياسات الدينية هناك طرح يقول: ستكون هناك نهاية للتاريخ ولكنها ستكون على شاكلة الطوباوية الاشتراكية أو الشيوعية. والملاحظة الأولى التي يمكن تدوينها: هو أن هذا الطرح ضعيف. فعندما نقارن بين بلدان العالم لا نرى أن هذا التطور سيحدث، وأنه كانت هناك عملية واسعة للتحديث، لكن هذا التحديث، فيما يبدو، لم يكن يؤدي إلى الطوباويات، ولكن إلى الديمقراطية البرجوازية، كما كان يسميها الماركسيون، وهكذا رأينا بأن البديل لهذه الديمقراطية البرجوازية، التي كانت شكلا من أشكال الحداثة الممكنة. كانت تجعل الناس أكثر سعادة، خاصة فيما كان يحدث في أمريكا الشمالية واليابان وأوربا وفي ديمقراطيات أخرى، ولكن هذا لا يعني بأن الحياة في هذه البلدان مثالية، وليس فيها مشاكل اجتماعية وعدم مساواة وتناقضات، ولكن لم تكن هناك مؤسسات بديلة، كانت تبدو متاحة كشكل من أشكال التجاوز التاريخي، كذلك خطاب ما بعد الحداثة، الذي ينفي حقيقة التحديث، لم يقيم على الوجه الصحيح. وأعتقد أن هذه مجرد هموم مثقفين، لأن الواقع والطموحات السياسية للشعوب عبر العالم هي أن تعيش كالشعوب في المجتمعات الحديثة وليس ما قبل الحديثة. وهكذا فإننا نرى أشخاصا كثيرين ينتقلون إلى بلدان حديثة، لأنهم يريدون التعليم والصحة ومستويات عيش مرتبطة بالتحديث وبالتالي ليس هناك عملية للعودة في الاتجاه الآخر. والبروفسور ماريا قد أشار إلى ثورة هايتي ونوع من أنواع الثورة الفرنسية، التي بينت أن هناك أشكالا مختلفة هايتية أو قريورية، فبعد 100 سنة في هايتي، بعد تلك الثورات النتيجة كانت كارثية، أصبحت هايتي من أضعف الدول وفيها أسوأ الحكومات، وأغلب سكانها انتقلوا إلى فلوريدا. فلو فتحت لهم فرصة لهاجر الكل، وأعتقد أن هناك أزمة حقيقية في تلك الدول التي لم تتمكن من ركوب ذلك المصعد، الذي يتمثل في عملية التحديث. أعتقد أن الشخص الذي دافع على هذا الأمر بشكل قوي هو صمويل هنغنتون، أستاذي السابق. والذي قدم طرحا منتظما بشكل أكبر: ذلك أن المؤسسات والقيم المرتبطة بالتحديث ليست كونية، بل هي ثقافية ومنتجا مشتقا من الحضارة المسيحية، التي هي قوية ومنتصرة ومتحكمة في زمام التاريخ. وأنا متفق مع أستاذي حول بعض عناصر تحليله مثلا: أعتقد أن الثقافة تبقى تكتسي أهمية، وأن الليبرالية والديمقراطية حتى تنجح تتطلب بعض التقاليد، والدعم غير العقلاني، وأن النظرة اللينينية للعالم تهيمن عليها العلوم والحكمة الكونية، هذا الطرح لن يتحقق أبدا. بل سيكون هناك طرح غير عقلاني لإنجاح المؤسسات الاقتصادية والسياسية. كما أنني متفق مع القول الذي يرى بأن هناك فعلا تاريخيا، وأن الديمقراطيات خرجت من المسيحية. بحيث هناك توسع علماني لمفهوم المسيح لكرامة الإنسان، وأنه ليس هناك بالضرورة ربط بين الديمقراطية الحديثة وبين المسيحية. وما يجعل نظرتي تختلف عن نظرة أستاذي أن هذه الأفكار التي خرجت من جزء من العالم، ومن ملابسات بعينها، ملابسات تاريخية قد تم اجتثاثها من جذورها تاريخيا، وأخذت دلالة كونية أكبر. من الناحية العلمية، فقد ظهرت في أوربا المسيحية في فترة ما، وبعد إبداعها أصبح بنوع ما ملكية للإنسان، وهي لا تختلف بين طوكيو ودكار وموسكو وأي قطر آخر في هذه الأرض. وهكذا فإن الأفكار التي تحيط بكرامة الانسان وحقوق الإنسان هي أساس النظم التي تؤكد على المساواة والحرية وإن كانت نصرا تاريخيا مختلفا. لكن ليس من الحق أن نقول بأن هناك تطبيقا عقلانيا لهذه الأفكار. هذا التطبيق يأتي كنتيجة لعملية تهدف إلى الربط بالتحديث. وأن هناك منطقا يربط العلوم الطبيعية الحديثة مع التنمية الاقتصادية وبشكل أضعف مع التنمية السياسية ومع نوع ما من التغيير الثقافي. إنها آلة بنوع ما، لها محرك يحركها من طرف، وهو مرتبط بها بمجموعة من الموصلات مما يأتي إلى المرحلة السياسية والثقافية، وحين يصل إلى المسألة السياسية، فإن الموصلات بين المحرك وما يحدث على المستوى الثقافي يضعف ذلك الوصل. سأحاول أن أبين هذه الروابط: إن المحرك الأساسي الذي يدفع بهذه الآلة، والذي يمكننا من القول بأن هناك تاريخا كونيا، وفي الوقت ذاته ليس بالضرورة لا رجعة فيه، يتعلق بالعلوم الطبيعية والتكنولوجيا المنبثقة من ذلك. وهكذا علينا ألا ننسى الاكتشافات العلمية، والعالم قد أحدث معارفه من خلال الشراع والباخرة التي تمشي بالبخار. وأعتقد أن هناك لدينا البعد الأكثر كونية، فأسامة بن لادن لابد أن يستعمل الانترنت ليتواصل، لأن الأنترنت هو أحدث وسائل الاتصال حاليا، هذا المحرك الأساسي يدفع بمكون التنمية الاقتصادية، وأعتقد بأن هذه التنمية الكونية ليست كونية، لكن عملية التضييع لا تختلف كثيرا من مستوى لآخر، فالصين تعرف تصنيعا سريعا جدا، وتنتج نفس الثقافة ونفس الاجتماعات ونفس المشاكل تقريبا (تفكك الأسرة البروليتاريا) ونفس المشاكل التي عرفتها انجلترا في القرن 19 بخلاف الوتيرة التي تسرع بها الصين. وهكذا فهذه العملية لها آثار متعلقة بالتمدن، ومستويات أعلى من التعليم وظهور مجتمع مدني معقد وأكثر تطورا. أما المجموعة الثانية من الروابط في هذه الآلة ينتقل إلى الجانب السياسي إلى المسائل الاقتصادية، وأعتقد أن هذه الروابط أضعف من بين الروابط المقبولة بشكل عام في تخصصي وهو العلوم السياسية. والعلوم السياسية ليست لها ذات الطابع كالعلوم الطبيعية، لأن القوانين السياسية ليست مقبولة كونيا، لكني أعتقد أن من بين الروابط المقبولة نسبيا: الرابط بين مستوى معين من التنمية واحتمال بروز ليبرالية ديمقراطية مستقرة، وهذه الفكرة صمدت لمدة من الزمن، وهناك القليل من الدول الغنية التي ليس بها ديمقراطية ليبرالية. وإن كانت بعض الدول الفقيرة كالهند وكوسطاريكا التي تقدم نموذجا ناجحا للديمقراطية، لكن أغلب الدول التي لا تصنف ضمن الدول الغنية هي دول غير ديمقراطية. إذن هناك رابط، وأعتقد أن 5000 دولار كدخل لكل فرد هو الرقم السحري. إذن حينما يكون الدخل أكبر، فإن الدولة تكون قد انتقلت من مجتمع إلى مجتمع صناعي مع ما لهذا التحول من طلب أكثر على المشاركة وأيضا نسبة أعلى من المشاركين مما يؤدي إلى بروز طلب على نظام سياسي مختلف عما هو قائم في الدول الفقيرة جدا. أما الفئة الأخيرة من الروابط فتتعلق بالاقتصاد والسياسة من جهة والثقافة من جهة أخرى. فهناك آليات تؤطر هذه الروابط التي تبدو في هذا السياق أضعف، حيث إن أشكال العلاقات التي تأتي كنتيجة لعملية التحديث هي أضعف وأكثر تنوعا، ويمكن أن نقول بأن هناك رأيا انتقده هنتغتون يقول برؤية التدرج، في إطار متعدد الثقافات ومتعدد اللغات ومتسامح، وينتقد ذلك. إنه نموذج التلاقي الثقافي الذي يأتي نتيجة التحديث المعولم. وأنا أعتقد أنه على حق في ذلك، فاليابان كمثال، إذ إنها نجحت وتمكنت من التحكم بالتكنولوجيا في المجتمع الحديث، فهي صاحبة الاقتصاد الثاني في العالم، لكن المجتمع الياباني، يبقى مختلفا تماما، والسياسة هي أيضا مختلفة عن السياسة الأوروبية والأمريكية. وفي هذه المسألة أننا لا نريد عالما يكون فيه تنميط ثقافي، عالم منمط ثقافيا، وفي هذا الإطار تأتي الهوية الدينية، وأنا أتفق مع هنتغتون في هذا المجال، فالمجتمع الحداثي يتطلب نوعا من الفصل بين الديني والسياسي لدرجة معينة من الفصل، ليس ذلك الفصل العلماني في فرنسا أو على غرار ما يحدث في فرنسا. إن تعاقد المجتمعات الحداثية تعاقد يجعل من غير الآمن أن نخلط بين الديني والسياسي، والأمر الذي لم يكن بديهيا في نهاية القرون الوسطى في أوربا، وهكذا ظهرت حروب دامية، وثلث سكان ألمانيا قتلوا بسبب الحروب الدينية خلال ثلاثين سنة. ولهذا فإن فكرة الدولة العلمانية الحدثية، التي أخذت واستلهمت عناصر الأنوار جاءت نتيجة لتجربة مريرة واقعية بسبب السياسات الدينية. وأعتقد بأن الاستماتة تعلمناها، والتي ينبغي أن ترافق المجتمعات التي تنتقل إلى الحداثة، أعتقد أن هذا هو التحدي المطروح على العالم الإسلامي، وهل سيصل هو بدوره إلى نفس الاستنتاجات؟ هناك مثلا أفكار أخرى: هناك دور النساء في المجتمعات الحديثة، هل النموذج الغربي لتمكين النساء وعمل النساء مع كل ما لذلك من آثار (تفكك الأسرة، مشاكل متعلقة بالتعليم والعلاقات الجديدة داخل المجموعات حتى في أكثر المجالات حميمية)؟ هل هذا النموذج الغربي هو النموذج الحداثي الوحيد؟ هل هذا الأمر نتيجة فقط لتطبيق القيم الغربية للفردانية؟ أم أن الأمر يتعلق بتحديث أوسع واقتصاد أوسع؟ إذا أخذنا بعين الاعتبار التطورات، التي حدثت في آسيا في اليابان وكوريا والصين وهذه المجتمعات تمر بنفس التغييرات التي عرفتها المجتمعات الغربية فيما يتعلق بأوضاع المرأة والأسرة والنسب، فالأمر مهم جدا بالنسبة للصين وبالنسبة لليابان. إن هذا التحدي يطرح مشكلا لوجود عامل ثقافي بالطبع، لكن أالأمر يعود أساسا إلى مجموع القيم الأوروبية المحورية. وأرى أن الأمر متصل أكثر بعملية التحديث، واسمحوا لي أن أصل إلى الانتقادات، التي وجهت إلي أبدأ بالشرق الأوسط والإسلام والديمقراطية. كان هناك حالة استثنائية إسلامية مقارنة مع ما حدث في أمريكا اللاتينية وفي شرق وجنوب آسيا، السؤال هو: هل هذه الظاهرة ظاهرة تعكس دائما استماتة ثقافية لهذه المنطقة من العالم باتصالها مع الإسلام؟ أم أن الأمر يتعلق باستثناء حالة تاريخية؟ ظهرت الجهادية والإسلام الراديكالي كثقافة غير أرضية، بل هو إيديولوجية معادية يصعب الجمع بينها وبين مشروع الحداثة الأوسع في نظري، إنني أشكك كثيرا. أيا كانت المشكلة فهي متعلقة بالتحديث، في أن يكون الأمر متعلقا بالإسلام في حد ذاته، هناك العديد من الدول الإسلامية كتركيا وأندونيسيا وماليزيا وغيرها، هذه الدول عرفت عملية تحديث اقتصادية جيدة، وأنشأت مؤسسات ديمقراطية ناجحة نسبيا، والعديد من التأويلات والتفسيرات للإسلام موجودة في العالم الإسلامي. وأعتقد أن السؤال المهم في الثقافة نفسها وهو: كيف تعمل النظم الثقافية المعقدة؟ وكيف نفهم تأويل بعض التقاليد الثقافية؟ إن الطريقة المناسبة لفهم ظاهرة، مثل ظاهرة أسامة بن لادن، هو أن الأمر لا يتعلق بظاهرة السيادة بقدر ما يتعلق بإيديولوجية سياسية يستعمل الدين لأغراض سياسية. وإذا ما محصنا أفكار هذه الحركات والشخصيات سنجدهم يأخذون أفكارا عديدة من الأوروبيين الراديكاليين خلال العشرينيات، والثلاثينيات في أوربا الفاشية والراديكالية، وتدويل هذه الأمور لا تبرز بشكل خاص من الإسلاميين، بل هي أمور غربية أفكار غريبة، وبالتالي لدينا فكر يجمع أفكارا مختلفة من العالم، ويقدم تأويلا معينا لها. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا توجد هذه الظاهرة بقوة في الشرق الأوسط؟ لسنا في حاجة إلى تفسيرات عميقة للموضوع. هناك أسباب مباشرة تتعلق بدور العربية السعودية وتوفرها على المال لنصرة هذا النوع من الإسلام، هناك أيضا أسباب سياسية واقتصادية. إنني أتفق مع أوليفيه روا ومع الذين يقولون بأن هذا النوع من الإسلام يمثل حركة سياسية ضعيفة، والأماكن التي وصل فيها إلى السلطة في إيران وآفغانستان وبطريقة مختلفة في السعودية، لكن الأداء السياسي لم يكن أداء جيدا. وبالتالي فإن الخطر على المدى البعيد من رجوع الإسلام الراديكالي يعتبر خطرا أقل أهمية مقارنة مع الحركات الراديكالية الأخرى كالشيوعية والفاشية في بداية القرن. الآن أصل إلى الانتقاد الثاني: فأعتقد أنه من بين المفاجآت بالنسبة إلي هو ذلك الشرخ الذي حدث بين الأوربيين والأمريكيين خاصة بعد حرب العراق، حينما كتبت كتابي نهاية التاريخ، كنت أعتقد أنه كانت هناك مجموعة من القيم والمؤسسات المشتركة بين مناطق ما يسمى الحلف الأطلسي، وقد كان من المذهل أن نرى مدى تباعد الطرح الأوربي والأمريكي خلال السنوات الأخيرة. ولا أتوقع أن ذلك سيؤدي إلى صدمة حضارية. ولا أعتقد أن الفرنسيين والألمان سيقررون في المستقبل محاربة أمريكا، ولكن أعتقد أن ضعف التوافق السياسي يتجاوز فقط الاختلاف حول سياسة بعينها أو حربا بعينها، وقد ظهر ذلك جليا من خلال العديد من القضايا ذكرها جاك دريدا في وثيقة في (الخلافات المتعلقة بالدولة الراعية، والسيادة، وشرعية استعمال القوة، والموقف إزاء الدين...). وهذا الأمر يلخص بالفعل الخلافات الموجودة بين منطق المجتمعين، فأمريكا دولة ليست بها اشتراكية تقريبا، وأوربا دولة ليس فيها جمهوريون، وبالتالي فإن الأرضية المشتركة يكون فيها الحزب الديمقراطي في أمريكا والحزب الوسط في أوروبا. فهناك قضايا نظرية تطرح على أساس الصراع بين أوربا وأمريكا ويتعلق الأمر بالنسبة إلى الديمقراطية على المستوى الدولي، أي أن نتيجة لمائة سنة من التنمية والمؤسسات منذ الثورة الفرنسية والأمريكية بدأنا نفهم بشكل جيد كيف نبني آليات للمحاسبة السياسية وللمساءلة السياسية، وكذلك المشاركة في هياكل عمودية بين الدول الأمم. وما لا نتوفر عليه هو آليات للمساءلة السياسية داخل الدولة الأمة. وهذا في حد ذاته مشكلة العولمة، فنظرا للتداخل الاقتصادي بين المجتمعات، وكذلك الهيمنة للولايات المتحدةالأمريكية. و نتيجة لكل هذا كان للموقع المهيمن أثارا اقتصادية وآثارا أخرى مما أثار الانطباع لدى غير الأمريكيين بأنه ليس هناك علاقة تبادلية حقيقية، وليس هناك تأثير متبادل، إني أقبل إلى حد ما بهذا الطرح، لكني أشكك بأننا نتوفر على المستوى الدولي على مؤسسات مناسبة لتقديم هذه المساءلة الضرورية. إن الأممالمتحدة ليست مناسبة لهذه المهمة هناك مشروع تاريخي أمامنا. لا يمكن أن نعول فقط على الديمقراطية على مستوى الدولة والأمة، بل ينبغي أن نوسع الأمر إلى المستوى الدولي. كذلك المسألة الأخرى المتعلقة بالتنمية الاقتصادية في الدول الضعيفة. فقد حكيت لكم الآليات التي تربط التكنولوجيا والعلوم بالاقتصاد والسياسة وأخيرا ترابطها بالثقافة. وتعمل بشكل جيد تلك الدول، التي بدأت التنمية الاقتصادية ووصلت إلى وضع بدخل متوسط أو هي بسبب ركوبها لقطار التحديث مثل تايوان وكوريا الجنوبية والصين، هذه الدول دخلت في هذه الآلية وستقوم بتحديث معالمها. المشكلة تطرح بالنسبة للدول الفقيرة، فقد أصبح واضحا أننا بحاجة إلى نوع من السياسات لتحقيق التنمية السياسية والاقتصادية. والأحداث التي عرفتها جنوب شرق آسيا، إذ كانت هناك دول تعمل بشكل قبل فترة الحداثة، وأعطاها ذلك مزية مهمة بالمقارنة مع دول جنوب الصحراء، المشكلة القائمة حاليا أن هناك مجموعة من الدول لا يمكن أن تصعد السلم الحداثي، ولا حتى الدرج الأول منه نظرا لمشاكل مؤسساتية قوية، وجزء من هذه المشاكل التي يطرحها النموذج الغربي، هو أننا لا يمكن أن نفهم كيف يمكن أن ننقل هذه المؤسسات، ولا أعتقد أن الأمر، يتعلق فقط بالنقل، بل الأمر يتعلق بمؤسسة ينبغي أن تنمي محليا، وإلا فلن تعمل بشكل جيد. إذن المشكلة كبيرة تتعلق بالأرض برمتها بحيث إذا لم نتمكن من إطلاق عملية التحديث الاقتصادي. فإن العديد من الفرص الأخرى سواء كانت سياسية أو ثقافية في إطار الديمقراطية الليبرالية لن تتاح، وسيكون من الأصعب أن نضمن استدامتها. هذه أطروحتي وهذا رأيي وأنا سعيد بينكم. فرانسيس فوكوياما أستاذ العلوم السياسية بجامعة جون هوبكينز، واشنطن