في محاولة لخلط الأوراق والتحريض على المغرب حكومة وجمعيات وحركات، سرب إلى الصحافة الإسبانية تقرير منسوب إلى المخابرات الإسبانية. ويبدو الطابع المغرض للتقرير في محاولة الإيحاء بوجود صلات غير مباشرة للمغرب الرسمي والمغرب الشعبي بالمساجد التي تقيمها الجالية الإسلامية في إسبانيا أو في المدينتين المحتلتين: سبتة ومليلية. لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل إن التقرير يشير إلى مرور عدد من منفذي تفجيرات مدريد ببعض تلك المساجد، المقرب بعضها، حسب التقرير، إما من جماعة العدل والإحسان أو جماعة التبليغ المغربيتين أو بالارتباط بحركة المقاومة الإسلامية في فلسطين، وفي ذلك ما فيه من إيحاءات غير بريئة. وإذا كانت يد الموساد تبدو واضحة في اتهام المساجد بعلاقتها بحركة حماس، كما نقل ذلك رئيس اتحاد مسلمي إسبانيا، فإن الإشارة إلى حركات إسلامية مغربية وإلى وزارة الأوقاف لا تخلو من دلالة، إذ لم يفت التقرير أن يشير إلى أن وزارة الأوقاف لا يقف توجيهها لأئمة المساجد عند حدود توجيه خطب الأئمة في مساجد سبتة ومليلية، بل حثهم على التأكيد على أحقية المغرب في السيادة على صحرائه الجنوبية، معتبرة أن ذلك تدخلا في الشؤون الداخلية لدولة أخرى. وهكذا اتهمت المخابرات الإسبانية عشرات المساجد التابعة للمسلمين في العاصمة الإسبانية مدريد بتشجيع الأعمال الإرهابية، وتقديم الدعم لمنفذي تفجيرات محطة القطارات يوم 11 مارس، والارتباط بحركة المقاومة الإسلامية حماس في فلسطين. ووضعت المخابرات الإسبانية، التابعة رسميا لوزارة الداخلية، تقريرا سريا هو الأول من نوعه في إطار مراقبة تحركات المسلمين وأماكن العبادة في العاصمة بعد تفجيرات مدريد، اتهمت فيه أئمة عشرات المساجد بتوفير الدعم لصالح الأشخاص الملاحقين بتهمة تدبير تفجيرات مارس المنصرم. وقال التقرير، الذي حصلت عليه يومية لاراثون المقربة من الجيش ونشرت فقرات منه أول أمس (الأربعاء)، إن مساجد العاصمة لها ارتباطات بتنظيمات إسلامية خارج إسبانيا، على رأسها حركة حماس الفلسطينية وجماعة العدل والإحسان المغربية وجماعة التبليغ، وأن منفذي تفجيرات مدريد مروا منها في الماضي. وجاء في التقرير أن مساجد المسلمين في مدريد تكاثرت خلال العقد الأخير بعدة أضعاف، منتقلة من 40 مسجدا عام 1992 إلى 230 مسجدا حاليا، مشيرة إلى أن جل هذه المساجد هي عبارة عن دور سكنية أو مرائب يتم استخدامها للصلاة وتعليم القرآن واللغة العربية للمسلمين القاطنين في مدريد. وقال التقرير إن جماعة العدل والإحسان المغربية، التي يتزعمها الشيخ عبد السلام ياسين، تسيطر على بعض المساجد في العاصمة مدريد، منها مسجد الاستقامة ومسجد الفلاح الواقعان في حي خيطافي بمدريد، كما ذكر تقرير المخابرات الإسبانية أن بعض الأئمة في ليغانيس مشكوك في انتمائهم للجماعة، مشيرا إلى أن عددا من منفذي تفجيرات مدريد مروا بتلك المساجد أسبوعا على الأقل قبل التفجيرات. ووجه التقرير اتهامات إلى إمام مسجد أبي بكر في أحد أحياء العاصمة، وهو إسباني من أصل سوري يدعى رياي تاتاري، رئيس اتحاد مسلمي إسبانيا، بدعم الجماعات المتشددة التي نفذت عمليات التفجير في محطة القطارات قبل أشهر، لكن الإمام أنكر تلك الاتهامات خلال التحقيق معه من طرف دوائر الأمن الإسباني حسب ما أورد التقرير، قائلا إن كل تلك الاتهامات المنسوبة إليه >هي على الأرجح معلومات قدمها الموساد< الصهيوني، وقال تاتاري إنه بالفعل يجمع الدعم لفائدة الفلسطينيين، >لكن هذه الأموال ليست موجهة إلى حماس<، كما نفى ما وجه إليه من تهم تتعلق بتلقيه أموالا من المملكة العربية السعودية وقطر وألمانيا. وزعمت، من جهة ثانية، صحيفة لاراثون، نقلا عن التقرير السري المذكور، أن المغرب يستدعي أئمة مساجد سبتة ومليلية بشكل دوري لمراجعة خطبهم، وقالت إن السلطات المغربية تستدعي أئمة المدينتين السليبتين أسبوعيا منذ أحداث 16 ماي الإرهابية، لترشدهم إلى النقط التي يجب أن يستندوا عليها في خطبهم، بنية وقف انتشار ما أسمته الصحيفة بالتطرف الإسلامي، مثلما تدعوهم إلى التأكيد من خلال خطبهم على أحقية المغرب في السيادة على صحرائه الجنوبية، وفق قول الصحيفة. وأثار نشاط السلطات المغربية المزعوم حنق المخابرات الإسبانية، حيث وصفت الأمر كتابيا في تقريرها بأنه >تدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى". ونفى مصدر مطلع أن يكون ما تناقلته صحيفة لاراثون الإسبانية صحيحا، وقال إن الإعلام الإسباني حرف كلام وزير الأوقاف حين أعلن بالديار الإسبانية استعداد السلطات المغربية لإقامة قنوات للتعاون مع نظيرتها الإسبانية في المجال الديني، وأنه "لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يصدق أمر مراقبة المغرب لمساجد بلد آخر، لأن ذلك يكون تدخلا في شؤون الآخرين". إدريس الكنبوري / يونس البضيوي