مع مرور الوقت، بدأت فئة واسعة من أساتذة الغد تشعر بانحراف مسار"معركتها" النضالية الأصلية أي المطالبة ب "التراجع عنالمرسومين" المعلومين، و ها هي التنسيقية الوطنية تتيه في متاهات السياسة المُظلمة ومسالكها الوعرة… و ها هي تلوح في الأُفق خيارات مشؤومة في ما تبقى من البرنامج النضالي،و من ذلك الإضراب عن الطعام و تكرار سيناريوهات بئيسة لفئات مماثلة تبنت من قبل منطق الصدام و مفردات الطوفان. بعض التعليقات المحتشمة بدأت تتحدث عن "المُغرر" بهم الذين رهنوا مستقبلهم بمجموعة متحمسة لا تسعى إلى حوار مع أحد، ولا تثق في مؤسسات الدولة، بل تريد تصفية حسابات قديمة مع حزب العدالة والتنمية ومع شخص أمينه العام. فانتقل النقاش من منطق المؤسسات إلى منطق المغالبة، وتحولت التنسيقية إلى حكومة الأستاذ نبيل اليوسفي، الذي ذاع صيته و خطفته الأضواء و أصبح يلعب دور البطولة في مسلسل افتراضي، أمام آلاف المعجبين في مملكة الفايسبوك. الحكومة الحقيقة من جهتها شعرت أنها تعاملت بالإحسان مع هذا الملف بما فيه الكفاية، فحان وقت التعامل بالعدل. فكان الاصطدام الأول مع الحاجز الأمني، وكان الاصطدام الثاني مع صناديد القانون وخبراء التفاصيل و سياسة الآلة الحاسبة. إن نداءات الرجاء المتكررة يجب أن تنبه إليها إخواننا وأبناؤنا في التنسيقية قبل فوات الأوان. فحالة الزهو و الاغتراربالمعجبين الافتراضيين لن تصمد أمام الأصوات الحقيقية الثابتة التي يعول عليها رئيس الحكومة في ساحة النزال الانتخابي حيث يخرج منه منتصرا في كرة مرة. إن قوة بنكيران تكمن في قدرته على التراجع كلما شعر بالخطأ، و في كل محطة يقوم بتقييم قراراته بصوت مرتفع. فهل يستفيد الأستاذ المبتدئ نبيل اليوسفي من الأستاذ المتمرس عبد الإله بنكيران؟ هل يتحلى بالجرأة ليقول لزملائه: كفى من الوهم ! كفى من العناد !جاء دور المحاسبة وتقييم القرارات السابقة؟ لقد راهنا على إرباك الحكومة في الأسبوع الأول واعتمدنا في خطتنا على عنصر المفاجأة، واستمعنا لأطراف معينة أوهمتنا بضعف الحكومة وعدم تماسكها وارتجالية قراراتها وخضوعها للوبيات التعليم الخصوصي وإملاءات البنك الدولي ، ووعدونا بالتحاق كل الأساتذة الرسميين وحملهم الشارات معنا، وراهنا على تضامن الشارع والتحاق الأسر وخروج التلاميذ ومؤازرة التيارات الراديكالية التي تُعيد البلاد إلى أجواء 20 فبراير…لكن مع الأسف، اتضح لنا قوة هذه الحكومة والتزامها بمنطق القانون و المؤسسات… ولا بأس من الدخول في الحوار الآن ورؤوسنا مرفوعة، لأننا حققنا أهدافا مهمة ونبهنا بنكيران إلى ضرورة اتخاذ تدابير عاجلة لتأهيل القطاع الخاص، وسنرجع إلى التكوين ونستأنف التداريب لانتزاع شهادة التأهيل قبل أن تفاجئنا هذه الحكومة بقرارات قاسية في حقنا وساعتها سيصفق الشعب الحقيقي لبنكيران وينمي رصيده الانتخابي على ظهورنا. يُحدد خبراء التنمية البشرية عدة خطوات لاتخاذ القرار الصائب، وينصحونبتقييم نتيجة قرارتنا و خطوات العمل التي سلكنا. هل كانت هذه القرارات صائبة؟ هل كنا قادرين على تقليل الآثار الجانبية؟ لا شك أن ظروف اتخاذ قرار المقاطعة الشاملة مع انطلاق الموسم لم يكن موفقا، لأنه كان تحت الضغط واعتمد على تشخيص سطحي ومتسرع للوضعية ولم يراعي الآثار الجانبية. وقبل ذلك وبعده، لا بد أنه بُني على تقييم خاطئ لقوة شخصية (الخصم) الذي لم يركع ولم يخضع، بل ازداد صلابة و ظهر للجميع أنه الرجل القوي المناسب للمرحلة والمدافع فعلا عن دولة الحق والقانون وعن جودة التعليم بالمدرسة العمومية.