كل زائر عربي إلى مالطا لا بد وأن تنتابه الرغبة في معرفة السر وراء ملامح بعض سكانها القريبة من ملامح العرب ولغتهم، التي يمكن اعتبارها لهجة من لهجات العربية، فالتواجد الإسلامي في مالطا استمر أكثر من 3 قرون، لكنه اختفى كليا وبشكل غامض، هذا ما دفعنا إلى أن نبحث عن المسلمين والإسلام في مالطا، فكان هذا اللقاء مع ذ. محمد السعدي أحد أهم الفاعلين المسلمين بمالطا، إمام مسجد الجزيرة بباولا". أول انطباع يترسخ في الذهن من أجوبة الأستاذ، محمد السعدي، إمام مسجد باولا بمالطا، أنه يبدو كأنه واحد من الأئمة التقليديين الذين يقبعون في المساجد لإلقاء المواعظ وحسب، لكن بعد برهة يتغير هذا الانطباع ليكشف عن ذكاء متقد وتواضع غريب وروح مرحة، فهو ملم بالواقع المالطي ومن أهم الفاعلين فيه لنشر الفكرة الإسلامية، وقد ميزت أفكاره المتفتحة طبيعة عمل المركز الإسلامي التابع لجمعية الدعوة الإسلامية العالمية، إذ اختار المركز أن يكون جسرا للتواصل مع المجتمع والثقافة المالطيتين، بدل الانغلاق والاقتصار على قضايا الجالية المسلمة فقط، وقد كان لجمعية الدعوة الإسلامية العالمية فضل في إعادة صوت الآذان إلى مالطا بعد انقطاع دام ثمانية قرون. التاريخ المختفي وراء صخور مالطا القديمة تختلف مباني مالطا عن المباني الشاهقة المتواجدة في أوروبا، فهي مبان محدودة الارتفاع، والعديد منها يفوح من أشكالها المختلفة عبق التاريخ، فقد توالى على حكمها منذ مئات السنين العديد من القوى كاليونانيين والفرنسيين والإسبان والبريطانيين، بحكم موقعها الاستراتيجي في قلب المتوسط، من بين هذه القوى كانت الحضارة الإسلامية التي استمرت بالجزيرة أكثر من 380 سنة، لكن المثير للانتباه هو الاختفاء التام لكل معالم الحضارة الإسلامية بمالطا، فالتواجد الإسلامي بهايرجع، كما أكد لنا ذلك الأستاذ السعدي، إلى عام 870م حيث دخل الإسلام على يد الأغالبة وأسلم 75% من سكان الجزيرة، لكن الوجود الإسلامي انقطع عام 1250 بعد سيطرة النورمانديين عليها، ومن بعدهم فرسان القديس يوحنا. وبالرغم من طول مدة الوجود الإسلامي لم يتبق منه سوى بعض أسماء المدن مثلالرباط وسليمة والمدينة وبعض أسماء الأسر، أما الآثار العمرانية والدينية فلا يعرف لحد الآن كيف اختفت، في حين تجد مدن مالطا مليئة بالمآثر التاريخية لمختلف الحضارات، وبحكم دينها الكاثوليكي تجد الرموز والتماثيل الدينية حيثما حللت، فالتماثيل التي تصور مريم وعيسى عليهما السلام وصورهما توجد في كل مكان، الحافلات، الطرقات، الجامعات، المكتبات العامة، المراكز الثقافية، المستشفيات... وغيرها، كما تنتشر الكنائس بشكل ملفت للنظر أيضا. شيء واحد فقط هو الذي سلم من التدمير، إنه اللغة العربية، لدرجة أن الأستاذ السعدي اعتبر اللغة المالطية لهجة من لهجات العربية، فالجنة في مالطا جنة والذنوب ذنوب والسماء سيما والأرض أرت وكيف حالك: كيفية أنت والجميلة: صبيحة... فاللغة العربية تشكل 80% من اللغة المالطية، ولا ندري كيف صمدت اللغة العربية ولم يصمد الدين الإسلامي الذي أصبح يشكل الآن 1% من السكان بسبب تزايد الجالية المسلمة العربية بمالطا. عودة الآذان بعد ثمانية قرون من الغياب استمر غياب الوجود الإسلامي بجزيرة مالطا قرابة ثمانية قرون، وقد كان لجمعية الدعوة الإسلامية الفضل في نشر الدعوة الإسلامية بمالطا منذ سنة ,1973 كما أن الجماهيرية العربية الليبية بادرت بمد جسور التواصل مع مالطا منذ السبعينات، إذ استدعى التعاون بين البلدين تواجد جالية إسلامية بمالطا من مختلف البلدان الإسلامية. في البداية كان المسلمون يؤدون صلاتهم في غرفة بالمتبرة التركية، لكن المكان ضاق بهم لتبادر جمعية الدعوة الإسلامية ببناء المركز الإسلامي عام 1982 وافتتح رسميا عام ,1984 حيث أنهت الجمعية بناء مسجد بمنطقة باولا وأصبح الآن معلمة حضارية في مالطا، وارتفع بذلك صوت الآذان من جديد بعد ثمانية قرون من الغياب. وجمعية الدعوة الإسلامية، كما عرفها إمام المسجد، هي منظمة أهلية ذات نفع عام تأسست سنة 1972 بليبيا، وتمول من عائدات صندوق الجهاد الليبي، وهي عضو مراقب في الأممالمتحدة واليونسكو، وتهدف إلى نشر الدعوة الإسلامية في العالم، كما أن للجمعية كلية جامعة لتخريج الدعاة بالإضافة إلى عشرات المكاتب في مختلف القارات. أوقفوا الخطر الأخضر "إذا لم نوقف المد الإسلامي، فستتحول مالطا إلى دولة مسلمة"، هذا ما كتبه أحد المالطيين محذرا من تصاعد الدين الإسلامي في مالطا، كما أن جولة في مواقع الأنترنيت والصحف توحي بأن نسبة المسلمين في مالطا كبيرة جدا، إذ ذكر موقع أنترنيت أنها تصل إلى 14%، لكن واقع الحال غير ذلك، فالأرقام التي أمدنا بها إمام مسجد باولا توضح أن هناك تهويلا وتضخيما للأرقام والنسب من قبيل وسائل الإعلام، فمجموع المسلمين في مالطا لا يتجاوز ثلاثة آلاف، وهم ينحدرون من جنسيات متعددة، منهم الباكستانيون والهنود والإيرانيون، ومن دول شمال إفريقيا، وقد استطاع حوالي خمسمائة من هذا العدد الحصول على الجنسية المالطية عن طريق الزواج أو التملك أو الإقامة، وهذا يعني أن نسبة المسلمين لا تتجاوز 1% من مجموع السكان، الذي سيبلغ 380 ألف نسمة، فجهود جمعية الدعوة الإسلامية في مالطا خلال 20 عاما لم تسفر سوى عن إسلام 200 مالطي، وقد تحول البعض منهم إلى دعاة. حليمة آيت باحو-التجديد-مالطا