تعاني الأحزاب المغربية من سوء تدبير الثروة الفكرية والأمر راجع إلى غياب مؤسسات ومكاتب دراسات حزبية متخصصة في عدة مجالات.ولحد الآن لم تنجح هذه الهيئات السياسية في وضع أسس لممارسة سياسية سليمة وناجعة تطغى عليها المصلحة الوطنية عوض المصلحة الذاتية الضيقة المتمثلة في الاستفادة من حزمة الوظائف التي توفرها العملية السياسية أو زرع عناصرها في مواقع حساسة تمهيدا لخدمة الإيديولوجية الحزبية على نطاق واسع وأعمق. هذا الوضع يضر بالمصالح الحيوية للبلد على اعتبار أن الفراغ الفكري والعجز عن توليد الاقتراحات وتفعيلها ينعكس بالسلب على العديد من القضايا الحساسة.فعلى سبيل الذكر لا الحصر، قد تساعد الدبلوماسية الحزبية في حل الكثير من القضايا على الساحة الدولية وعلى رأسها قضية الوحدة الوطنية،بيد أنه في غياب مؤسسات حزبية تعنى بالدبلوماسية الشعبية و العمومية و الثقافية تبقى الساحة فارغة للقيل و القال. إن الوظيفة التقليدية للحزب السياسي أصبحت متجاوزة ووجب مراجعة أدوات العمل الحزبي و جعلها أكثر استجابة لواقع الحال. و ما يأسف له أن بعض المناصب الوزارية تعطى لأشخاص لا علاقة بينهم وتلك المناصب من حيث التخصص أو الكفاءة العلمية و التقنية. فعلى الأقل ينبغي لطالب المنصب أن ينشر كتبا في المجال و أن يتوفر على رؤية دقيقة و موضوعية قابلة للتطبيق عوض الاستعانة بأطر الوزارة لوضع المخططات. فالأحزاب مطالبة بتقديم برامج سياسية محينة ودقيقة تتماشى مع المشروع التنموي الذي انخرط فيه المغرب تحث القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.فالحزب الذي لا يتوفر على برنامج سياسي لا فائدة من ترشحه لانتخابات البرلمانية لأن الانتخابات ليست غاية في حد ذاتها و إنما وسيلة كما جاء على لسان جلالة الملك بمناسبة افتتاح البرلمان هذه السنة. ومن تم تبرز الحاجة إلى إنشاء مؤسسة وطنية جديدة تعنى بتقييم البرامج الحزبية التي ستتقدم بها الأحزاب المغربية لانتخابات البرلمانية لدفع الأحزاب إلى وضع برامج قطاعية دقيقة وقابلة للتطبيق في حدود الفترة الانتخابية حتى تصبح الحياة السياسية ذات فاعلية. وهذا الشرط قد يدفع بالعديد من الأحزاب إلى الاندماج لتقديم برنامج انتخابي متكامل مما سيحد من عدد الأحزاب و قد تنشأ تكتلات حزبية متنافسة مما سيمهد إلى تناوب حقيقي مبني على البرمجة الحزبية القبلية و الانخراط الفعلي في خدمة الوطن عوض خدمة الذات أو المقربين.و يتوقع أن تنهار الأحزاب التي تعتمد على المناهج الذاتية أو النفعية. فعندما يتم إنشاء مديرية وطنية للبرامج الحزبية تكون وظيفتها تقييم البرامج و تنقيحها و إصدار الموافقة عليها، فإن ذلك سيدفع الأحزاب إلى استيعاب المد الفكري للمجتمع و توظيفه للتفوق على باقي المنافسين في وضع برامج قوية تغني الساحة السياسية بالأفكار و المقترحات التي ستعود بالنفع على بلادنا. مما سينعكس بالإيجاب على سلوك المواطن و تعاطيه مع الشأن السياسي و خصوصا أن الدستور المغربي دستور متقدم و يفتح المجال أمام الجميع لخدمة البلد. إن المشكلة الخطيرة التي تلازم الديمقراطية بمفهومها الغربي في بعض البلدان هي الشعبوية وهذه آفة خطيرة.فعندما يصبح الأمي أو الجاهل أو الحاقد أو الناقم أو الخائن هو من يقرر في مصير الأمة المغربية فتلك معضلة مهما كان الفائز. ولتجنب هذا المأزق وجب التفكير في إنشاء آلية سياسية تفرض على الأحزاب تقديم برامج قطاعية متكاملة و ذلك باتباع منهجية صارمة تفرضها المديرية الوطنية للبرامج الحزبية حتى يسلم المجتمع المغربي من الشعبوية السياسية و الارتجالية في التعاطي مع الشأن العام .و قد تستعين المديرية بخبراء مستقلين وممثلين سياسيين و موظفين للنظر في البرامج الحزبية وكيفية التعاطي معها لتغيير الثقافة السياسية لأحزاب المغربية وإيفاء المسؤولية السياسية حقها والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.