الإنسان معرض في حياته اليومية وتدبيره لعلاقاته الاجتماعية مع الآخرين للخطأ والصواب، رغم أن لا أحد يتعمد الخطأ لكن يقع الكثير منا فيه، ولذلك كانت النصيحة والتناصح بين المسلمين ضرورة وواجبا دينيا واجتماعيا، يتحمل الجميع مسؤولية القيام بها للحفاظ على المجتمع وصلاحه، وكذا مواجهة الظواهر والسلوكات السلبية التي تظهر بين أفراده وتهدد قيمه وسلمه وتماسكه. التناصح بين أفراد المجتمع واجب شرعي واعتبر الداعية حسن الموس، النصيحة من الركائز الأساسية في حفظ المجتمع المسلم وصلاحه، مؤكدا أن قول الله عز وجل في سورة العصر: "والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"، فهذا التواصي بالحق والتواصي بالصبر ما هو في حقيقته إلا "التناصح المتبادل بين أفراد المجتمع فيما بينهم". وأضاف الموس في تصريح ل"جديد بريس"، أن الأفراد في المجتمع الإسلامي يجب أن يسعوا إلى التناصح فيما بينهم، كي لا تنتشر كثير من المفاسد وتتفشى في المجتمع، مبرزا أن النبي صلى الله عليه وسلم أكد على هذا الأصل، حيث قال "الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله، قال لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم"، كما أوضح أن الدين جُمع كله في أمر جامع هو النصيحة، وأن الدين بدون نصيحة سيضيع والعكس صحيح. ونبه الموس إلى أن هؤلاء إذا لم يجدوا من ينصح لهم، قد تجرفهم السلطة والمسؤولية إلى الخطأ والتقصير ولهذا هم "بحاجة إلى من يسددهم وينصح لهم"، مستدلا على ذلك بحرص عمر رضي الله عنه على أن يسمع إلى نصح أصحابه وتوجيههم له وكان يقول "لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير في إن لم أسمعها". وأكد الموس أن النصيحة لأولى الأمر تقتضي أن "نخلص لهم ونصدقهم القول"، لأن في كثير من الأحيان يضيف المتحدث "نجد في المؤسسات العمومية من يتملقون للرئيس ويجدونه على خطئ ومع ذلك يزينون ويبررون له ذلك الخطأ"، مبرزا أن المطلوب في المجتمع المسلم حقيقة أن يكون هذا الصدق، "إذا وجدنا انحرافا وزيغا لا ينبغي أن نزكيه بل ننصح له ونُقوم ما يمكن تقييمه". مدخل للإصلاح من جهته، يرى حسن حما، الباحث في المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، أن النصيحة تمثل مدخلا مهما وأساسيا لإصلاح المجتمع ومعالجة الأمراض الاجتماعية التي يعاني منها، موضحا أن لهذا السبب أمر بها الإسلام في "الدين والدنيا". وأضاف حما في تصريح ل"جديد بريس"، أن أهمية النصيحة تتجلى في إسهامها في تشكيل "الوعي الديني من خلال تبادل المعرفة بين أفراد المجتمع"، مؤكدا أن هذه القيمة يتميز بها المجتمع الإسلامي عن غيره من المجتمعات التي تسود فيها النزعة الفردية. كما سجل الباحث المغربي بأسف، انتشار بعض الأعراض في مجتمعاتنا الإسلامية بفعل مظاهر العولمة، تزكي التوجه والنزوع نحو الفردانية، لافتا إلى أن النصيحة تجعل الفرد "يهتم بهموم الناس وإشكالاتهم قصد معالجتها، على الأقل في دائرة الانتماء الاجتماعي لكل فرد (الأسرة، العمل، العلاقات الشخصية، المسجد، الجامعة…) بطبيعة الحال وفق المقتضيات الشرعية، وبخلاف التشهير والغيبة". وشدد الباحث المغربي على أهمية النصيحة، ودورها في معالجة بعض الاختلالات والأمراض الاجتماعية، وأن من خلالها يتم تحقيق معنى الأخوة في الإسلام عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا استنصحك فانصح له". كما أكد حما أن بالنصيحة يتم تحقيق التكامل بين المقاربات الأخرى التي يتواضع عليها المجتمع لمعالجة إشكالاته الاجتماعية والثقافية، حيث يضيف أن "المقاربة القانونية لوحدها غير قادرة على إصلاح المشاكل والأمراض التي يعاني منها المجتمع"، مبرزا أن النصيحة أحد المداخل التي تحتاج إلى "مزيد من الاهتمام، حتى تستعيد مكانتها في المجتمع".