حرارة النقاش الانتخابي في المغرب وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، وكما توقعنا سابقا فهي انتخابات برهانات سياسية واضحة..الخطاب السياسي لبعض الأحزاب انزلق إلى الاتهام بتوقيع صفقات بين بعض الأحزاب وبين جهات مجهولة.. في حفل انطلاق الحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية تحدى عبد الإله بن كيران الأمين العام لحزب «العدالة والتنمية»، إلياس العماري نائب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، بالكشف عن تفاصيل ما سماه «صفقة 25 نوفمبر 2011».وقال عبد الإله بنكيران : "قلت إنك ستكشف عن صفقة عقدت في الاستحقاقات الانتخابية 2011 ولحدود الساعة لم تقل أي شيء، متى ستكشف عنها هل في 2070»؟. ورفع بنكيران من درجة التحدي، حين طالب العماري بالإفصاح لعموم المغاربة، عن الجهات والأسماء المتورطة في هذه الصفقة، وقال «إذا كنت شهما قل بين من ومن تمت هذه الصفقة، ومقابل ماذا؟ أنا أتحداك أن تمثل أمام المغاربة وتقولها». تحدي الأستاذ عبد الإله بنكيران يجد تفسيره حسب المطلعين على هذه التجربة في منهج حزب العدالة والتنمية الذي اختار منذ اليوم الأول سياسة الوضوح والشفافية، إذ لم يسبق له في طيلة مساره السياسي أن اشتغل بمنطق التآمر والصفقات، وهو منهج ترسخ في مسار الحزب منذ عقود من تأسيسه، بل ومنذ البدايات الأولى للعمل الدعوى حينما تم التأسيس النظري والعملي لنهج الوضوح ورفض السرية ونبذ العنف والعمل في إطار المؤسسات. السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح هو: لماذا هذا الاتهام وما هي خلفياته وأبعاده؟ ومن الذي يشتغل بمنطق الصفقات وأسلوب المؤامرات عن «جدارة واستحقاق»؟ لقد كان الرجل المتسلل إلى قيادة حزب نشأ في ظروف مشبوهة قد «هدد» في وقت سابق بالكشف عما سماه صفقة 25 نوفمبر 2011، ويقصد بذلك الانتخابات التشريعية التي بوأت حزب العدالة والتنمية الرتبة الأولى بأكثر من 100 مقعد، في انتخابات تاريخية أسهمت في توقيف المسار التحكمي الذي انطلق في المغرب منذ تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة واستيلائه على الرتبة الأولى في الانتخابات الجماعية لسنة 2009، وما جرى بعد ذلك من استخدام لأساليب الترهيب والترغيب لتفكيك التحالفات والسطو على مجالس المدن والجماعات بالأساليب المعروفة، والتي كانت عاملا من العوامل التي أسهمت في إشعال الشارع المغربي وخروج العديد من الشباب يوم 20 فبراير للمطالبة بحل الحزب السلطوي المعلوم ورفعهم لشعار واضح: البام Dégage.. لقد بعثت الانتخابات رسائل واضحة إلى معسكر الفساد والاستبداد الذي مني بهزيمة نكراء، ومنحت بالمقابل جرعات قوية لمعسكر الإصلاح والديموقراطية الذي حقق فوزا تاريخيا.. ولذلك فإن الجهات التي كانت تمني نفسها ب «إغلاق قوس الإصلاح»، مستغلة الارتدادات القوية التي وقعت في بلدان الثورات العربية وخاصة «نجاح» الانقلاب العسكري في مصر وتعثر المسار الديموقراطي في تونس، وكانت تستعد للتوقيع على مؤامرة جديدة ضد الوطن، وعملت بعد ذلك كل ما في وسعها لإسقاط الحكومة المنبثقة عن اقتراع 25 نوفمبر، لم تجد بعد أن سقط مشروعها التحكمي المبني على الخداع والتخويف من قوة خفية وهمية، ونفوذ مزعوم، سوى التشكيك في مصداقية تلك الانتخابات، والتي أعطت للمسار الإصلاحي شرعية شعبية قوية، والتشويش عليها بكل الوسائل بما في ذلك الإيحاء بوجود صفقات، ومناورات ومساومات لأن ذلك هو مبلغ علمها وغاية فهمها للعمل السياسي، أي إتقان الدسائس وحبك المؤامرات بما في ذلك في حق من استدرجوا إلى تحالفات مزعومة ضد خطر سياسي موهوم. الحقيقة التاريخية التي من حق المغاربة أن يعرفونها هي أن هذا الرجل الذي يتحدث عن حكاية الصفقة، تاريخه السياسي مليء برصيد من الصفقات المشبوهة والمبادرات المشؤومة. فبغض النظر عن المرور المشبوه في صفوف تيارات يسارية راديكالية كانت معادية لدين الأمة ومناهضة للنظام الملكي ومتآمرة على الوحدة الترابية، هناك الانقلاب السريع في المواقف والقناعات من المعارضة المتطرفة إلى عراب من وراء ستار لحزب يرمز إلى الفساد والاستبداد، هناك أيضا تسلل الرجل وادعاؤه المستمر القرب من مراكز النفوذ والقرار، مما دفعه إلى نسج تحالفات هجينة وصفقات مشبوهة هشة سرعان ما أدت إلى التنكيل السياسي ببعض مكوناتها ونفض البعض الآخر ليده منها باعتبارها تسويقا لوهم النفوذ وادعاء القوة وسراب المستقبل السياسي الموعود، وفقدان البعض الأخر لمكانته داخل الحكومة وخروجه إلى المعارضة دون مبررات مقنعة، وسقوط البعض الأخر إلى نهاية مأساوية تبعث على الأسف والحسرة على تاريخ من النضال « التقدمي» الضائع في متاهات الصفقات المشبوهة... واللبيب اليوم من يفهم الدرس ويفك ارتباطه بمن لا يتقن سوى أسلوب الصفقات الفاشلة..