تزامنت قمة فيينا التي عقدت الخميس 27 غشت 2015 حول أزمة اللجوء التي تعصف بالقارة الأوروبية منذ بداية هذا العام مع نشر مكتب الإحصاء الوطني في لندن تقريره السنوي عن أعداد المهاجرين في بريطانيا. تزامن أدى، بقوة الأرقام ذات الارتفاع القياسي، إلى ترسيخ حالة القلق، بل الجزع، التي شاعت في أوروبا عامة، وبريطانيا خاصة، طيلة هذا الصيف. والحق أن المجتمع الدولي لم يشهد منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية أزمة نزوح أكبر من الأزمة التي اجتاحت أوروبا هذا العام والتي لا تزال تتوالى فصولا مروّعة وأنباء يومية محزنة. فقد سجل من بداية العام حتى منتصفه أكثر من 400 ألف طلب لجوء في دول الاتحاد الأوروبي. ويرجح معهد الإحصاء الأوروبي أن هذا الرقم سوف يرتفع ارتفاعا بالغا في الأشهر القادمة. وقد كان هذا من أسباب إعلان الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية أثناء اجتماعهما في برلين أن أزمة اللجوء والهجرة سوف «تدوم» )لم يقولا «تستمر»(. وكانت أنغيلا مركيل عرّفت أزمة اللجوء والهجرة غير القانونية بأنها هي القضية التي سوف تهيمن على العقد الثاني من هذا القرن. كما أن نائبها سيغمار غابرييل أعلن أن موجة النزوح غير المسبوقة هي «أكبر تحدّ يواجه ألمانيا منذ إعادة توحيد» شطريها مطلع التسعينيات. ذلك أن ألمانيا تتوقع أن يبلغ عدد طلبات اللجوء التي ستقدم إلى سلطاتها طيلة هذا العام 800 ألف طلب، أي أربعة أمثال عدد طلبات العام الماضي (200 ألف). وقد بلغت الزيادة أعلى مستوياتها منذ بداية الصيف، حيث ذكر وزير الداخلية الألماني توماس دوميزيير أن 38 ألف طلب لجوء قدمت في تموز/يوليو، وأن 50 ألف طلب قدمت أثناء الأيام السبعة عشر الأولى من آب/أغسطس. هذا بينما لم يتجاوز عدد طلبات اللجوء التي قدمت إلى السلطات الفرنسية طيلة العام الماضي 64 ألف طلب. وكان من طرائف هذه القضية المليئة بالبلاء والمحن – ناهيك عن الموت الذي يتخطّف الآلاف من المزدحمين في القوارب المتهالكة – أن لاجئة من غانا لم تجد ما تشكر به ألمانيا التي منحتها حق اللجوء مطلع هذا العام سوى أن تطلق على الوليدة التي وضعتها في شباط/فبراير اسم «أنغيلامركيل» (هكذا عطفا للاسم على اللقب). وقد وافقت إدارة الخدمات الاجتماعية في مدينة هانوفر، التي آوت العائلة، على هذه التسمية. إلا أن من شبه المؤكد أن هذه التحية الإفريقية لم تثر سرور المستشارة الألمانية. إذ إنها تعلم مقدار تخوف شعبها من موجة النزوح العظيم هذه، مثلما يدل على ذلك الرد الغليظ الفظ الذي وجهته إلى الصبية الفسطينية ريم التي قابلتها في مدينة روستوك مع مجموعة من تلاميذ المدارس منتصف يوليوز وقالت لها بلغة ألمانية طليقة إن عائلتها مهددة بالترحيل من ألمانيا إلى مخيم اللاجئين الذي كانت غادرته قبل أربعة أعوام في لبنان. وأضافت أنها تريد البقاء والدراسة في ألمانيا لأنه «ليس من العدل أن يكتفي المرء بالنظر بينما ينعم الآخرون بالحياة وهو لا يستطيع مشاركتهم هذه النعمة». كانت الدموع المنهمرة من عيني الصبية أبلغ إدانة لقسوة هذه المرأة التي تعرضت بعدئذ لسيل من الانتقادات، كان من بينها أنها «أخفقت إنسانيا على كل الجبهات». ولكن أعمال العنف والاحتجاجات المعادية للاجئين التي اندلعت في مدينة هايدناو، في شرق ألمانيا، جعلت ميركيل تأخذ قبل يومين بزمام المبادرة وتعلن عدم تسامح ألمانيا مع كراهية الأجانب ومع من «يشككون في كرامة الآخرين». صحيح أن هنالك «انفجارا» في أعداد النازحين إلى أوروبا، وصحيح أن الأعداد الحقيقية أكبر بكثير من المعلن (وهو كبير فعلا) لأن المهاجرين غير القانونيين غير مسجلين ولا محتسبين. ولكن الصحيح أيضا أن الأزمة التي تواجهها أوروبا «ليست»، حسب قول الباحث البلجيكي فرانسوا غيمين، «سوى قطرة في محيط» مقارنة مع عدد اللاجئين والمهجّرين في مختلف أنحاء العالم: إذ إن هنالك اليوم ما لا يقل عن 60 مليون مشرد معظمهم (86 بالمائة بالضبط) مستجيرون ببلدان فقيرة لا تكاد تقوى على تحمّل أبنائها، ناهيك عن الغرباء. أما حرب طبيب العيون على شعبه، التي شردت 4 ملايين و200 ألف سوري (حسب إحصائيات الأممالمتحدة)، فإنه لا يكاد يكون لها أي أثر إنساني في أوروبا. ذلك أن طلبات اللجوء السورية إلى البلدان الأوروبية قد بلغت 270 ألف طلب فقط، أي أنها لا تتجاوز 6,5 بالمائة من مجموع المهجّرين السوريين. فأين أوروبا – بتعالمها وتعاظمها وتحايلها على قيمها – مما يبذله الجوار، الذي لم يدّع شيئا، في تركياولبنان والأردن؟