شارك الدكتور أحمد الريسوني أستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية (جامعة محمد الخامس بالرباط) في أشغال لجنة اختيار الفائزين بجائزة الملك فيصل العالمية في دورتها السابعة والعشرين لهذه السنة، والتي انعقدت لجانها بين 2 و5 ذي الحجة 1424ه الموافق 24 و27 يناير 2004م. ويعتبر الدكتور أحمد الريسوني أول مغربي يشارك في لجان الاختيار، في حين كان أول مغربي يفوز بالجائزة هو المؤرخ الدكتور إبراهيم حركات حيث فاز بها مناصفة مع المؤرخ السوداني الدكتور عزالدين موسى عن موضوع السنة الماضية 1423/2003 وهو الدراسات التي تناولت التاريخ الاقتصادي عند المسلمين. وفي مؤتمر صحفي عقده الأمير خالد الفيصل بالرياض يوم الثلاثاء الأخير أعلن عن نتائج هذا العام، حيث فاز في مجال الدراسات الإسلامية (الدراسات التي عنيت بالقواعد الفقهية) الدكتور علي أحمد غلام محمد ندوي من الهند بالاشتراك مع الدكتور يعقوب عبد الوهاب الباحسين من السعودية، وفي مجال اللغة العربية والأدب (الدراسات التي تناولت التدوين اللغوي إلى نهاية القرن الخامس الهجري) فاز الأستاذ الدكتور حسين محمد نصار من مصر، وفي مجال الطب (طب القلب التدخلي) منحت الجائزة للأستاذ الدكتور أولرش سيجوارت من سويسرا، أما مجال العلوم (علم الحياة، البيولوجيا) فقد ذهبت جائزته للأستاذ الدكتور سمير زكي من المملكة المتحدة. وتعلن جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام في وقت لاحق. اللجنة التي كان الدكتور أحمد الريسوني عضوا فيها وافقت بالإجماع على منح جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية في موضوع (الدراسات التي عُنيت بالقواعد الفقهية) مناصفة بين كل من: الدكتور علي أحمد غلام محمد ندوي (من الهند)، والدكتور يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين (من المملكة العربية السعودية). وقد مُنحت لهما الجائزة تقديراً لجهودهما في مجال القواعد الفقهية حيث ألف الدكتور علي أحمد محمد غلام ندوي عدة مؤلفات قيمة في القواعد الفقهية في طليعتها : جمهرة القواعد الفقهية في المعاملات المالية، التي استخرجها من المصادر الأصيلة، وربطها بالحاضر المعاصر بصورة تفصيلية تطبيقية مبتكرة. وألف الدكتور يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين مجموعة كتب في القواعد الفقهية تميزت بالشمولية والتأصيل والتحليل والتجديد. وفي مجال اللغة العربية والأدب قررت اللجنة المختصة بالإجماع منح الجائزة وموضوعها (الدراسات التي تناولت التدوين اللغوي إلى نهاية القرن الخامس الهجري) للأستاذ الدكتور حسين محمد نصار (من مصر). وذلك تقديراً لإسهامه العلمي البارز في مجال الدراسات المعجمية على نحوٍ خاص. إذ كانت جهوده في هذا المجال رائدة، وكان منهجه في العرض والتتبع وإصدار الأحكام دقيقاً. كما يتميز بنظرة شاملة لتطور التدوين اللغوي بعامة والمعجم العربي على نحوٍ أخص. كل ذلك كتب بأسلوب عربي رصين بعيد عن التكلف والاستطراد. كما يتصف الباحث بغزارة العلم وسعة الاطلاع. وللدكتور حسين نصار مشاركات كبيرة في نشر النصوص وتحقيق دواوين الشعراء في الجاهلية والإسلام، وله أيضاً إسهامات محمودة في الأوساط العلمية، فقد تخرج به وأفاد من علمه المئات من العلماء والفضلاء وطلبة العلم. وفي مجال الطب قررت اللجنة بالإجماع منح الجائزة وموضوعها (طب القلب التدخلي) هذا العام للأستاذ الدكتور أولرش سيجوارت (من سويسرا) لتميزه ببعد النظر وسعة الأفق وهو رائد ومبدع في مجال اختراع الدعامة المعدنية في علاج أمراض الشرايين مما أدى إلى استبدال العلاج الجراحي بهذه الطريقة التدخلية، كما أنه ابتكر علاجا طبيا لتضخم عضلة القلب، وقام بنشر أكثر من 500 بحث في مجلات علمية عالمية وله عدة كتب. أما جائزة العلوم في موضوع (البيولوجيا) فقد قررت اللجنة بالإجماع منحها للأستاذ الدكتور سمير زكي (من المملكة المتحدة). وذلك لعمله الرائد في كشف النظام الوظيفي في جزء الرؤية من دماغ الإنسان. ولكي يكشف الأستاذ الدكتور سمير زكي هذا النظام الوظيفي استعمل سمتين من سمات الرؤية هما الحركة المرئية واللون. وقد برهن على أن جزء الرؤية من دماغ الإنسان مؤلف من عدة مناطق للرؤية، وأن مناطق مختلفة منها تختص بمعالجة سمات مختلفة في المنظر المرئي. ويذكر أنه كان أول من اكتشف هذا الاختصاص في قشرة الدماغ المخصصة للرؤية . وقد خلص أيضاً إلى أن قسم الرؤية في الدماغ لا يعالج المعلومات الواردة إليه، بشأن كل سمة من سمات المنظر المرئي، معالجة متعاقبة يعلو بعضها على بعض، بل يعالجها في آن واحد وبطريقة متوازية في مناطق مختلفة من قسم الرؤية. وبالمقابل فإن السمات المختلفة للمنظر المرئي، كاللون والحركة، يراها الإنسان في أزمان مختلفة، يفصل بعضها عن بعض ما يقرب من عُشْر الثانية. وتفسر نظرته هذه، بشأن نظام جزء الرؤية في الدماغ، مقدار اختلاف حدة الإصابات التي تحدث عمى الألوان الدماغي، ومدى الشفاء من هذه الإصابات. وقد خلص الدكتور سمير زكي من عمله إلى نتيجة هامة وهي أن الوعي بالرؤية مؤلف من أجزاء صغيرة عديدة، وقاده هذا إلى نظريته بشأن تعدد الوعي. وهو يدرس الآن كيف تضم هذه الأجزاء بعضها إلى بعض ليتألف منها ما نعيه من صورة وحيدة للعالم الذي نراه. وقد درس الدكتور زكي أيضا العلاقة بين عمل الدماغ وبين الإبداع وتذوق الفن، فأنشأ بذلك علماً جديداً هو علم الجمال العصبي. وكتب العديد من المقالات في هذا الموضوع، وألّف كتبا فيه تعد من المراجع الهامة. وجائزة الملك فيصل العالمية من أهم الجوائز على الصعيد العالمي، غير أنها تحتاج -كما قال الدكتور أحمد الريسوني لصحيفة الوطن السعودية يوم الاثنين الماضي- إلى دعاية إعلامية كبيرة، إذ أن جائزة نوبل مثلا تستقبل قبل الإعلان عن الفائزين بشهور من الإعلانات والتكهنات والمزايدات والضغوط، بينما مازالت جائزة الملك فيصل تمر في صمت كبير وهدوء، وحتى الترشيح لها ليس بالكثرة والاتساع الجغرافي المطلوب. وهو ما وافقه فيه عدد من المشاركين في أشغال الاختيار مثل رئيس مجمع اللغة العربية في الجزائر الدكتور عبد الرحمن الحاج. يذكر أن موضوع السنة المقبلة في مجال الدراسات الإسلامية هو الدراسات التي تناولت دفاع المسلمين عن ديارهم في القرنين الخامس والسادس الهجريين. حسن صابر