اشتدت في الآونة الأخيرة انقادات العديد من نواب ومستشاري الأمة للسياسة التي تنهجها الحكومة في مجال الإعلام والاتصال خاصة بعد الترخيص لإذاعة سوا دون غيرها من الإذاعات، والقنوات الأخرى قبل الإعلان رسميا عن تحرير القطاع، كما اشتدت انتقاداتهم لما تعرضه القاعات السينمائية من أفلام الخلاعة والمجون، وماتبثه القناتان التلفزيتان الوطنيتان من وصلات إشهارية مخلة بالآداب والأخلاق العامة ومهينة لكرامة المرأة والأطفال، وأفلام مكسيكية تطرح قضايا بعيدة كل البعد عن هموم المغاربة واهتماماتهم اليومية، وتنقل بالمقابل مشاكل الطبقة البرجوازية في ذلك البلد في اتجاه التطبيع مع عادات وسلوكات غريبة عن ثقافتنا ومجتمعنا، وفي مقدمتها الخيانة الزوجية، وظاهرة الخليلات، والزنا والأبناء غير الشرعيين، كل ذلك باسم الانفتاح ونبذ الانغلاق، وماذلك بانفتاح ولا تلاقح بين الأفكار، اللهم ما طلعت به علينا أجوبة وزير الإعلام والاتصال على أسئلة هؤلاء النواب خلال جلسات الأسئلة الشفوية بالبرلمان. ومن المثير للانتباه أن توجه هذه الانتقادات باسم بعض فرق المعارضة وفرق الأغلبية المشكلة للحكومة-خاصة الاشتراكية منها- على حد سواء. انتقادات كان يرد عليها وزير الإعلام والاتصال بأجوبة تارة تكون مبهمة لاتعكس إلا أفهامه الشخصية أو أفهام تياره، كأن يتحث عن الاختلاف حول تقييم مايعرض، وتبرير الوضع الحالي بنبذ الانغلاق وتبني توجه الانفتاح في اتجاه تمنيع الرأي العام الوطني وتحصينه ضد كل تعاط سلبي مع الثقافات الأخرى، وتارة تكون فضفاضة كأن يشير الوزير إلى ضرورة الحرص على الانضباط إلى المبادئ الأساسية المرتبطة بالمرجعية المشتركة والإرث الجمعي، وأخلاقيات المهنة والقوانين الجاري بها العمل، وعدم التساهل مع كل مايتصدى لمقومات الشخصية المغربية. وتارة تكون متناقضة كأجوبته حول الوصلات الإشهارية التي تبثها القناتان، إذ يؤكد في محطة انها تخضع للمراقبة والتغيير، فيما يؤكد في محطات أخرى على ضرورة تقنينها لحصر الإشكالات التي تطرحها سواء من حيث المضمون أو من نوعية الخطاب. لكن كم سرنا، بالمقابل، أن يعلن الوزير خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب الأربعاء الماضي عن سعي الوزارة إلى إحداث قناة تربوية بتنسيق مع قطاع التربية الوطنية والشباب، سيكون من بين وظائفها الأساسية المساهمة في القضاء على آفة الأمية، فضلا عن انخراط الإذاعة المركزية والإذاعات الجهوية والقناة الأولى للتلفزة المغربية والقناة الثانية في التدبير الإعلامي لمشروع خطة تهدف إلى مواكبة حملة مسيرة النور عبر تغطية إعلامية للحملة الوطنية الأولى لمحاربة الأمية، وإنتاج برامج إذاعية وتلفزية متنوعة تستهدف مختلف الفئات وعدم الاكتفاء بتعليم الكتابة والقراءة من خلال بعض البرامج مثلألف لام و أشهى الموائد في مدينة القواعد. وكم سرنا أيضا أن تبث القناة الأولى برنامجا تعليميا وتثقيفيا يستحق كل التقدير والتشجيع، ويتعلق الأمر بالسباق الرقمي الذي هو عبارة عن سباق بين تلاميذ الثانويات والإعداديات، توجه فيه أسئلة شديدة الارتباط بالمقررات الدراسية، خلافا للعديد من البرامج الأخرى التي تعرضها القناتان معا، والتي تستبلد حس المشاهد وتختبر قدراته العقلية في حفظ أكبر عدد ممكن من أسماء المغنيين والمغنيات، وتخزين أكبر عدد ممكن من المقاطع الموسيقية. نتمنى من القيمين على مجال الإعلام والاتصال ببلادنا أن يسارعوا إلى إخراج هذه القناة التربوية إلى حيز الوجود، وأن يحرصوا على تضمينها مواد إعلامية تساير ثقافتنا الإسلامية، وتشبع حاجات ناشئتنا في انضباط تام لمقوماتنا التربوية الأصيلة. كما ندعو هؤلاء إلى تشحيع الأعمال المتميزة من قبيل برناج السباق الرقمي وغيره من البرامج والإنتاجات الإعلامية الأخرى، وإيقاف بث المسلسلات المكسيكية التي باتت تنكرها أغلب التيارات السياسية في البلاد، وكذا إيقاف عرض البرامج والأفلام التي تسيئ إلى مشاعر كل المغاربة. محمد أفزاز