2/2 تناول الدكتور أحمد الريسوني في الجزء الأول من موضوعخصائص الخطاب الرسالي للحركة الإسلامية خاصية الرسالية والتجديدية التي من المفروض ان تتحلى بها كل حركة إسلامية حتى تساير العصر، وتكون حركة راشدة ومجددة، مبرزا ميادين التجديد في الثوابت ببعث فاعليتها وآثارها(الصلاة والصيام والشورى...) وفي الوسائل باختيار أفضلها لبلوغ المقصد والغاية من الفعل أو التكليف، وفي هذا الجزء الثاني والأخير يعتبرالأستاذ الريسوني تدبير المجتمع تحديا أكبر، كما يقدم الخصائص المتبقية للخطاب الرسالي وهي النهضوية والاستيعابية بشقيها البشري والفكري. التحدي الأكبر هناك متغيرات هي موضوع التحدي بالنسبة إلينا، والتحدي الأكبر فيها حينما يتعلق الأمر بتدبير شؤون المجتمع، وشؤون الدولة، لكن قصارى ما نقوم بتدبيره اليوم هو تدبير جماعتنا، وتوسيعها وتنشيطها شيئا ما، لكن مشروعنا للمجتمع وللدولة ما زلنا في حاجة إليه، وهولم يكد يبدأ بعد. وهناك أيضا جانب آخر من هذا المشروع وهو المتعلق بالتجديد فيما لا نص فيه البتة، لا ثابتا ولا متغيرا، أو ما يسميه البعض بمنطقة الفراغ التشريعي، لكن العبارة الموجودة عند العلماء قديما وحتى حديثا هي ما لا نص فيه. فنحن نقدم المشروع الإسلامي بحسب النص المباشر، ويمكن إذا وقفنا عند النص المباشر دون هذا النظر والاجتهاد يمكن أن نبقى معزولين في الحياة وفي متطلبات المجتمع، وهناك مجالات واسعة يجب الاجتهاد لها وتجديدها وفق مبادئ الدين بقيمه ومقاصده وتوجيهاته الكبرى وبفلسفته.. إلخ، فإذن هذه مجالات تحتاج إلى اجتهاد وتجديد بالإضافة إلى هذه الصفة التجديدية التي يجب أن تلازم عملنا وبدونها أي الصفة التجديدية في العمل الدعوي خاصة الجماعي- وجدنا عددا من الجماعات الدعوية الإسلامية أدخلت العالم الإسلامي والمسلمين في كوارث. المشروع الرسالي هو مشروع نهضوي يمكن أن نفكر في الإصلاحات الخلقية والفردية على أهميتها مثل تهذيب الناس، وإعادتهم إلى المساجد والعبادة، ولكن هناك رسالة أخرى هي النهضة العامة، أو النهضة الحضارية. المشروع النهضوي هو الذي ينبغي أن نعمل من أجله وفي إطاره وتصب أعمالنا فيه. وقد كان المشروع النهضوي قبل 05 و06 سنة شعار جميع المثقفين وجميع الحركات، القوميون والسلفيون كما كانوا يسمون آنئذ- ومشروع الحركة الإسلامية وعلمائها ودعاتها الوطنيين، جميع هذه التيارات الوطنية والقومية والإسلامية وحتى اليسارية أو الاشتراكية كان الكل مشغولا بمشروع نهضوي، وكثير من هؤلاء أصبح شغلهم هو المناصب والمكاسب وإقصاء المخالفين أو سد الأبواب في وجوههم. فأصبح الحاكم النموذجي عندهم هو الذي يخفف شيئا من المشاكل، ويخفف من الاضطرابات، ويحافظ على الاستقراربأي ثمن وبأي حال، أما الأمور والقضايا الكبرى للأمة ولنهضتها فلا نجد له وجودا. إلى حد ما بقيت عند الحركات الإسلامية، والآخرون لا نجد عندهم أي مشروع نهضوي. وحتى القوميون الذين بقوا يتحدثون عن المشروع النهضوي، فإن حديثهم عنه أصبح أقرب إلى التاريخ، فأصبحوا يتحدثون عنالمشروع النهضوي خلال مرحلة كذا، والمشروع النهضوي في مصر خلال كذا، وتجربة المشروع النهضوي بين النجاح والفشل، أي ما يعني أعمالا تأويلية وبكائية ورثائية على المشروع النهضوي، وصار عدد من حكامنا وسياسيينا كما قلت (شغلهم الشاغل هو الخوف من وقوع انقلاب أو اضطراب). إن الأمة الإسلامية والعربية هي أكبر من هذا، أكبر من أن يصبح حكامها وسياسيوها، ومفكروها مشغولين بهذه الاهتمامات والانشغالات الصغيرة، فالمشروع النهضوي يجب أن يبقى حاضرا، ولذلك فإني أقول وأكرر دائما:( لسنا مشروعا سياسيا، ولسنا مشروعا حزبيا، ولسنا مشروعا حكوميا، ولسنا مشروعا انتخابيا). الاشتغال بالعمل السياسي والحكومي هذا كله جيد، نساهم فيه، ندخل فيه أو لا ندخل، نؤيده أو نعارضه، هذا لا مشكل فيه، فالسياسة جزء من عملنا واهتمامنا، لكننا مشروع نهضوي، يجب ألا يغيب عن أذهاننا هذا، فأنا شخصيا حينما أجد الإخوان في الحزب يقدمون ما يسميه بعض الناس بالتنازلات، فهذا ليس فيه مشكل عندي، لأن تقديم تنازلات سياسية لفائدة المشروع النهضوي لكي يجد طريقه ومكانه فهذا جيد بغض النظر عن موقغنا وحقوقنا. ولو كان الهم السياسي والكسب الانتخابي فعلا هو همنا وهدفنا وغايتنا، فلا يمكن التنازل عنه، لأنها مسألة موت أو حياة، فالانتخابات أو البرلمان أوالحكومة ليست عندنا كما عندهم مسألة حياة أو موت، فمسألة الموت والحياة أكبر من هذا. المشروع النهضوي هو الدين والأمة والكيان. رسالة ذات مشروع استيعابي والتوجه الاستيعابي يجب أن يشتغل في اتجاهين، في الاتجاه البشري وفي الاتجاه المذهبي الفكري، بمعنى أنه يحاول ما أمكن أن يستوعب أكثر ما يمكن من الناس، و أكثر ما يمكن من الأفكار والمذاهب، حتى ولو بدت متناقضة أو متباعدة، وأن نتحلى بالقدرة على الاستيعاب. الاستيعاب البشري فالمشروع الاستيعابي البشري يقتضي أن نخاطب جميع الناس ونتعامل معهم على أمل أن يصبحوا مع المشروع بشكل من الأشكال، وعلى الأقل ألا يكونوا ضده. طبعا هذا يقتضي أن تكون سياستنا :تقليل الصراعات وتخفيض حدتها إلى أدنى حد ممكن، ويجب أن يكون هذا السلوك نهجا ثابتا، ومن لوازم هذا التوجه الاستيعابي أيضا تقليل ما يمكن من الخصوم، وتخفيف ما يمكن من الخصومات، طبعا علينا نبدأ في هذا التوجه وفي هذا المسار بحملة المشروع الإسلامي من أمثالنا، ثم ننتهي إلى عموم أهل القبلة بدرجة ثانية، وفي الدرجة الثالثة كل من جمعهم هذا الوطن، إذا تكلمنا عن المغرب أو الأمة كلها. في هذه الأيام قرأت لعدد من الناس من لبنان وفلسطين ومصر، فوجدت أن هناك مسيحيين يقولون أن النهضة العربية لن تكون إلا إسلامية، وآخر قرأت له كاتب لبناني مسيحي يدعى إيليا حريق وله كتاب عن: الديمقراطية وتحديات الحداثة ينتقد على الحداثة العربية وعلى الديمقراطيين العرب أنهم لم يريدوا التسليم بالمضمون الإسلامي للمجتمعات العربية، وبقوة الثقافة الإسلامية وبتأثيرها الكبير، وبأنه لا ديمقراطية مع محاولات إقصاء الإسلام والتراث الإسلامي. المسيحيون العرب العقلاء يؤمنون بأنهم ينتمون إلى منطقة عربية، لكنها قبل ذلك وفوق ذلك إسلامية، وينتمون إلى فضاء ثقافي وحضاري إسلامي، وأنه لا يمكن أن تفعل شيئا إلا في ظل هذا الإطار. ليس المطلوب أن يأتي الناس إلى حركتنا أو لحزب العدالة أو لأي تنظيم إسلامي آخر، لكن المشروع ينبغي أن يكون للجميع ويشتغل به ومعه الجميع ما أمكن. هذا في الخط الاستيعابي للأشخاص في اتجاه الأحزاب والأفراد والهيئات والتنظيمات والجمعيات إلى آخره. الاستيعاب الفكري والمذهبي وهو تقريبا وجه آخر من نفس القضية هو توجه استعابي للأفكار والنظريات والمذاهب. في السابق فتح المسلمون الأبواب للثقافة اليونانية والمصرية والفارسية والهندية، وترجموا ودمجوا وتعاملوا وناقشوا، وحاوروا اليهود والنصارى والزرادشتية إلى آخره. واليوم البلاد تعج بالأفكار التي تجد لها مكانا وتجد لها سوقا، وتجد لها من يقتني ومن يستهلك إلى آخره. توجهنا الاستيعابي هو أن لا نبقى دائما في صراعات لا تنتهي مع هذه الأشكال من الغزو، التي يمكن احتضانها وضمها، مثلما ضم المسلمون والفرس والترك التتار والمغول، إذ وجدوا الأمة لديها قدرة استيعابية حضارية بعقيدتها وبثقافتها وأخلاقها، ونحن الآن عندنا كثير من الأفكارالتي يجب التعامل معها بطريقة استيعابية، بمعنى أننا ننظر كيف نعطيها أولا، ونأخذ ما فيها من مفيد وجيد، وحتى الأمر المفيد نأخذه بتحفظ، نحذف منه ما أمكن ونطوعه ونقوم بملاءمته، وحتى لا أكثر من التنظير، مثلا قضية حقوق الإنسان، لا ينبغي أن نفتح معركة مع قضية حقوق الإنسان، فنحن مع حقوق الإنسان بحماس وبصدق، وعندما نأخذ حقوق الإنسان ونطرحها أمامنا، في تلك اللحظة ندمجها، ونكيفها. وكذلك الديمقراطية نأخذها بلا تحفظ، فهي ليست عقارا يملكه أحد، إذ عندك أنت الحق في أن تفسر الديمقراطية كما تريد، كما أنه لي نفس الحق في تفسيرها فالديمراطية حين تعني العدل والمساواة وحرية التعبير والمبادرة والكلمة للأمة...فكلنا ديمقراطيون. وكذلك مسألة الحداثة، لا ينبغي أن نخلق معركة مع الحداثة الجوهرية الحقيقية، بل مع الحداثيين المزيفين، إذ هي مجموعة من القيم الإيجابية، وهي قابلة للتكييف والملاءمة. هذه الثقافات والمبادئ يقف وراءها أناس بثقل كبير جدا، فبدلا من مصارعتها ينبغي إدماجها، وبعد إدماجها يصبح بمقدورالمجتمع أن يعطيها المفهوم الملائم البناء ونحن على يقين -وليس من باب المناورة- أنا على يقين أن الحركة الإسلامية الآن، وحركتنا على وجه التحديد، هي الأكثر حداثة، والأكثر ديمقراطية، والأكثر احتراما لحقوق الإنسان. فلماذا نخلق نحن معارك لن تنتهي علما أن الطاقات والإمكانات التي تقف وراء هذه الأفكار لا حد لها. وعموما فنحن لسنا ضد أي فكرة جيدة وصحيحة ومفيدة، سواء جاءت من الشرق أو من الغرب، والله تعالى أنزل لنا الكتاب والميزان فبهما نميز ما يصلح وما لا يصلح، وما يصح وما لا يصح. وبهذا نستطيع أن نستقبل كل الأفكار والمنتوجات الفكرية ونستوعبها وندها ونستفيد منها. أعدها للنشر:ع.الخلافة