استضافت القناة الفضائية الجزيرة أول أمس الأحد 7غشت الجاري الدكتورأحمد الريسوني، عضو حركة الإصلاح والتوحيد وأستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة في جامعة محمد الخامس في برنامج الشريعة والحياة، للحديث حول موضوع عالمية الإسلام في ظل العولمة: فأجاب عن سؤال حول مسألة الثنائية والتناقضات في الإسلام بأن كثيرا من القضايا التي تعالَج على أساس أنها ثنائيات وتناقضات يتعامل معها الإسلام بالدمج والتأليف، مثلا :العالمية والخصوصية أو الروحانية والمادية، فالإسلام يدمج ويوفق بين هذه الثنائيات التي تعالج بالمنطق الغربي على أنها تناقضات. إن الإسلام، يقول الريسوني، يأخذ كل شيء فيه خير وفائدة فهو عالمي، ولكنه يتقبل المحلية ويحتضنها ويراعيها، فالفقه الإسلامي مثلا بُني جزء كبير منه على الأعراف والأوضاع حتى أن الفقهاء في القديم كانوا يحذرون بعضهم البعض من الفتوى في بلد بفتوى صدرت في بلد آخر، مع العلم أن هناك بعض الأمور هي نفسها في هذا البلد أو ذاك، إذاً وجود مسلمين يتكيفون مع أوضاع بلدانهم في فرنسا أو بريطانيا وغيرها لا يعني أن هناك إسلاما فرنسيا أو إسلاما بريطانيا، فكثير ممن يؤلفون في مجال فقه الأقليات أو ما يسمى بفقه الهجرة أو المهاجرين يلحون على ضرورة الاندماج الايجابي في مجتمعاتهم، فلا بد على المسلمين من احترام قوانين البلد الغربي الذي يوجد فيه حتى لو لم يكن هذا القانون منصفا . وردا على سؤال لمقدم البرنامج، هل يستجيب المسلم لقانون يجبر المرأة المسلمة مثلا على خلع الحجاب، أجاب الدكتور الريسوني قائلا: إن كان هذا القانون يجبرني على فعل محرم لا أستجيب له. وإذا أُكرهت على ذلك أعود إلى بلدي، أما إذا تعذر علي فحينئذ كل حالة يُنظر إليها على حدة . وفي ما يتعلق بمحورانشغال معظم الحركات الإسلامية ببرامجها الوطنية وهمومها الداخلية مما يتعارض مع عالمية الإسلام، أدرج البرنامج تدخلات للمفكر الفرنسي والباحث في الحركات الإسلامية أوليفيي روان وبعض المنشغلين بقضايا الحركات الإسلامية، حيث صرح الباحث الفرنسي أن معظم الحركات الإسلامية السياسية أصبحت في الوقت الحالي قومية أكثر منها إسلامية، فغاية حركة حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين مثلا هو إقامة دولة فلسطينية، في أذهانهم يجب أن تكون هذه الدولة إسلامية، ولكن الأولوية هي للقومية وليست للإسلام.. في حين أن أحد الناشطين في الحركة الإسلامية يرى أنه طبيعي أن تنشغل الحركة الإسلامية بهمومها القطرية على أساس مبدإ المقربون أولى بالمعروف، لكن لا يجوز أن تلهيهم هذه الهموم والقضايا المحلية عن التفاعل مع هموم الأمة الإسلامية والعربية وتطلعات البشرية أيضا.. وتعقيبا على ما ورد في هذا المحور من تدخلات أجاب الدكتور أحمد الريسوني أن ما جاء في كلام المفكر الفرنسي لا يخلو من بعض السطحية، إذ تعد من إشكالية الثنائيات المتناقضة التي تميز الفكر والفلسفة الغربية. يقول: كيف يمكن لأي شخص أو حركة أن تكون عالمية دون أن تنطلق من الأرض، التي عليها قدماها. طبعا التفكير العالمي موجود والإيمان بعالمية الإسلام شيء، ولكن الإشتغال بما هو أولى وأقرب إلي الإنسان أمر طبيعي جدا . ويضيف الأستاذ الضيف في البرنامج جوابا عن فكرة تحقيق الدولة الوطنية الواحدة بأن الإسلام يقبل بهذا على أساس أنه لا يفرض على المسلمين مالا يطيقون، فالله لا يكلف نفسا إلا وسعها. فالأصل في الإسلام أن يكون المسلمون دولة واحدة وأمة واحدة، فوحدة الأمة قائمة على الأقل في نفوس الكثير من المسلمين، ولكن الواقع يقول بأن ما بيننا وبين الدولة الواحدة ما بين السماء والأرض. وعن سؤال حول اعتبار الاستجابة للقطرية أو الوطنية جزءا من مشروع عولمة الإسلام، أجاب الدكتور أحمد الريسوني أن الاستجابة للقطرية شيء طبيعي وحتى لو افترضنا أننا صرنا نحن المسلمين دولة واحدة، ففي هذه الحالة نفسها يجب أن يشتغل أهل المغرب في المغرب وأهل أندونيسيا في بلادهم وهكذا دواليك.. وأوضح أيضا في معرض جوابه عن الحركات العالمية كالقاعدة مثلا التي تتحرك في كل مكان، وهل هي تجسد سلبية عالمية الإسلام، بأن عمل تنظيم القاعدة أو غيرها التي لها ارتباط بالعمل المسلح أو ما يسمى بالإرهاب وليست ترجمة لعالمية الإسلام ، إنما هو عولمة الصراع وعولمة العداوة، فالقاعدة تعتبر الغرب وأمريكا وكثيرا من الأنظمة العربية أعداء لها . أما عن قضية الخطاب، الذي يدعو إلى إقامة دولة إسلامية أو إقامة الخلافة الإسلامية وعلاقته بعالمية الإسلام، فقد أوضح الدكتور الريسوني بأن هذا الخطاب يسعى إلى التوفيق بين ما هو منشود وبين ما هو ممكن، فمثلا الإمام حسن البنا رحمه الله، وهو من رواد الحركة الإسلامية المعاصرة، كان يتحدث هوأيضا عن الخلافة الإسلامية، لكنه كان يعتبرأن الطريق إلى الخلافة يمرعبرالدولة القُطرية والوحدات الإقليمية، مثلما يفعله الكثيرمن الحكام اليوم، ولكن هذا لا يلغي، في نظر الريسوني، فكرة أن المسلمين أمة واحدة ولو استطاعوا أن يكونوا دولة واحدة بعد مائة عام لفعلوا، وإذا لم يستطيعوا لايكلف الله نفسا إلا وسعها. وفي سؤال لأحد المشاهدين من المغربعلي أمجد حول استهداف عولمة الغرب لكل كيان يحاول تأسيس دولة بمرجعية إسلامي وتدمير هذه العولمة الغربية للديار الإسلامية عند بداية كل صحوة، رد الدكتور الريسوني أن الغرب يقبل بالديمقراطية ما لم تتعارض مع مبادئ العلمانية التي يؤمن بها، فالغرب مع الديمقراطية إذا كانت أداة لإقامة نظام وحياة علمانية. وتحدث أيضا عن قضية الخطاب الديني والتحديات التي تواجهه في ظل العولمة، موضحا أن الأفكارالإسلامية تنتقل بسرعة كبيرة عبرالعالم بفضل الفضائيات والانترنت وغيرهما، لكن القوي ينشرأضعاف ما ينشره الضعيف ويمارس نوعا من التضييق ما أمكنه على أفكاروخطاب الطرف الضعيف، وهذه من أكبر عيوب العولمة. واستطرد الاستاذ المحاوَرقائلا: قد يكون الخطاب الإسلامي ضعيفا وقد يكون جيدا..فهناك الخطاب الإسلامي الذي تعتمده الهيئات العلمية وكبار العلماء قديما وحديثا، وهو خطاب يراعي الخصوصية والعالمية إلى حد كبير. والخطاب الإسلامي في السنوات الأخيرة شهد مراجعات عديدة ، مبرزا أنه نفسه من الدعاة إلى المراجعة المستمرة لتراثنا القديم والحديث معا. وجوابا عن سؤال حول إمكانية أن تفضي مثل هذه المراجعات إلى إحداث نوع من القطيعة، أفاد أستاذ أصول الفقه أنه في الإسلام هناك عناصر ثابتة وهناك اجتهادات ظرفية، ونحن يقول الريسوني ندعو دائما إلى مراجعات الاجتهادات الظرفية، فما كان اجتهادا في العصر العباسي أو الدولة العثمانية أو غيرهما أو حتى ما أفتى به، قبل قرن من الزمن، محمد عبده أو فقهاء زمانه يمكن أن يُراجع الآن، فالمراجعة لا تعني القطيعة مع الثوابت، ولكنها تعني ملاءمة الاجتهادات الآنية والظرفية لتكون آنية في زمانها ومكانها الحاليين..