اقتضت سنة الله في الكون أن تتميز كل مرحلة في حياة الإنسان: الطفولة والمراهقة والشباب والكهولة والشيخوخة ببعض المشاق والمعوقات، غير أن مرحلة الشباب تميزت عن المراحل كلها بالقوة في كل شيء، قوة الجسم وقوة العاطفة، وقوة العقل، وقوة الإحساس بالجنس.. وكلها من الطاقات المتوازنة التي أودعها الله في الإنسان، وحدد لها ما يحفظ لها أمنها وتوازنها وتناسبها بما يحقق أهداف الإنسان في الحياة، وما يحقق به سر وجوده على الأرض وتعميره لها. وإذا كان الهدف العام لحركات الفعل الاجتماعي هو التوسع والانتشار في المجتمع بأفراد فاعلين، والهدف الخاص هو إيجاد رؤية موحدة وتقوية الفاعلين والتكوين، فإن الاهتمام بشريحة الشباب مسألة ضرورية، يفرضها الواقع المعيش المثقل بمخططات التغريب والانحلال والتقليد والتشويه. ومن ثم فلا شك أن حركات التغيير في العالم اتجهت ومازالت إلى الشباب لتجعل منه وسيلتها ومادتها، ومحل أفكارها، وإطار حركتها، ومن طبيعة الشباب أن يستهويه كل جديد، ويراوده كل أمل في التغيير، في هذه الحال، إذا فقد الشباب الهدف وإن أخطأ الوسيلة، تحول إلى طاقات مبعثرة تبدد في فراغ وتستهلك في غير محلها، وتنتهي إلى العبثية والعدمية، في غياب محاضن ومواقع تحول دون انحراف الشباب الذي يولده الفراغ من الأهداف، والطاقات الكبيرة الهائلة التي يمتلكها الشباب، إذا لم نحسن توظيفها فسوف تكون عبئا على صاحبها، قد يؤدي به إلى ما لا يحمد عقباه. وانطلاقا مما تقدم، فإن الشباب لابد أن يعيش الحقيقة، بأن يحس الهزيمة ويتعرف على أسبابها ويستشرف النصر ويتعرف على أسبابه، وهذا هو معنى التاريخ، لأن التاريخ ليس هو الهزيمة أو النصر في حد ذاتهما، وإنما التاريخ هو التعرف على أسباب الهزيمة أو النصر. لكن لماذا الشباب بالذات؟ لأنه فئة مازالت على فطرة نقية، ولديها قابلية للالتزام، وتتوفر على قدرة الإبداع، وصدق من قال إذا كان بمقدورك أن تفكر، فليكن تفكيرك إبداعيا. وتشكل مرحلة الشباب أخصب مرحلة لتبليغ الفكرة الإسلامية، وأهم وأوسع قطاع داخل المؤسسات الاجتماعية، يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله مبرزا خطورة هذه المرحلة: >فترة الشباب لها خطورتها، وينبغي أن نعد لها إعدادا خاصا.. والأمم في الإجمال تعول على الشباب في تجنيدهم للمعارك، وتعول على الشباب في تجنيدهم للتعلم والمعرفة وتعول على قواهم في أشياء كثيرة... الشباب عنصر مهم، وبذلك نريد أن نوفر له الجو النقي الذي يحسن فيه الاتصال بدينه وأداء ما عليه لربه" محاضرات الشيخ الغزالي ص 118 122 بتصرف. أضف إلى ذلك أن مرحلة الشباب مرحلة يقظة وصحوة وقوة بين مرحلتي ضعف، تسبق إحداهما وتعقب الأخرى، فالشباب مرحلة بين ضعف الطفولة وقصورها وعجزها الذهني والبدني، وضعف الشيخوخة وعجزها، وإلى هذا يشير الخالق جل شأنه في قوله: (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة، ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة، يخلق ما يشاء وهو العليم القدير) الروم 3 5. كما أن الشباب يقول الشيخ أبو الأعلى المودودي رحمه الله >ليس خيرا محضا أو شرا محضا، الشباب عبارة عن الدم الفائر، عن قابلية اكتساب كل ما هو حديث، عن كائن إذا اقتنع بشيء ورآه جديرا بالاكتساب لا يتأخر عن التضحية بالنفس في سبيله، بغض النظر عما إذا كان ذلك الشيء سيئا أو حسنا، وقوة الشباب هذه مثلها كمثل حد السيف سواء، يستخدمه المجاهد في سبيل الله أو قاطع الطريق.. إن الشباب هم الذين كانوا دعاة المساوئ والمنكرات في أقدم العصور، كما كانوا هم الجيش العرمرم لرفع ألوية الخير والصلاح، وهم أسرع اندفاعا من الشيوخ، وهذه الظاهرة لا تختص بعصر دون عصر، بل عمت العصور وشملت كل الدهور، إن القبائح الخلقية التي تنتشر اليوم في أرجاء العالم: الشباب هم أول المقبلين عليها، وهم الذين يزيدونها انتشارا ورواجا أكثر من غيرهم، بل هم الذين يتفننون في ابتكار المساوئ الجديدة في الحياة الاجتماعية. أما عن حاجة الأمة إلى سلامة الشباب من الانحراف بأشكاله المختلفة، فهي كبيرة لأن الشباب بدون تربية لا فائدة منه فهي حاجة سياسية لأن العلاقة بين السياسة والتربية علاقة تبادلية، وحاجة اجتماعية لأن التربية الاجتماعية السليمة هي التي تؤدي إلى تماسك المجتمع، وهي حاجة اقتصادية، لأن الشباب هو الثروة البشرية والطاقة الإنتاجية التي تحتاج إلى توجيه رشيد. فالله الله في شباب أخذ بيده من لا يحسن تربيته وتوجيهه، وكل ما يحسنه هو الزج به في ظلمات الدعارة والفساد والتخدير الفكري، سخروا الإعلام في العبث بشبابنا: عدة الحاضر وذخيرة المستقبل، وكانت النتيجة الحتمية والمنطقية صعود جيل خالي الوفاض، لا يملك قضية، وكل ما يملكه ويشغل به باله، الهجرة وركوب قوارب الموت، هذا لمن فكر شيئا، أما صنف آخر من الشباب، فإن كل ما يفكر فيه هو ارتياد أندية الدعارة وأوكار الفساد والعلب الليلية ليلبي رغباته وطاقاته الجياشة وحماسه المفرط ليس إلا. مصطفى خافو