أشار السيد عبد الرحيم الحجوجي (الأمين العام لحزب قوات المواطنة) في كلمته التقديمية لندوة "الدين والسياسة" التي نظمها حزبه الثلاثاء 3/12/2002إلى ضرورة تكسير ما سماه "بالطابو" الذي يحيط بمثل هذه المواضيع، ودعا إلى فتح هذا الحقل أمام البحث والنقاش في جو من "المسؤولية" و"الاطمئنان" معتبرا الندوة مساهمة في التأطير و"مباراة" لها ما بعدها. وأكد د. سعد الدين العثماني الذي شارك في الندوة إلى جانب د. المختار بن عبد اللاوي تخوف البعض من هذا الموضوع ولكنه أشار إلى أنه موضوع بسيط إذا تم التعمق فيه، واستعمل في حل إشكالاته التي تبدو معقدة المنطق والعقل والحفاظ على "الدم البارد"! وأوضح د. العثماني أن الإشكال يبدأ من تعريف (الدين) مبرزا الاختلاف بين الدين في المنظور المسيحي الغربي والدين في الشعور الإسلامي، ففي الوقت الذي يركز فيه الدين المسيحي على البعد الأخروي الخالص وعلاقة الإنسان الفرد بالرب يدعو فيه الدين الإسلامي إلى العبادة الشاملة عبر الشعائر والمعاملات، وأضاف أن الأنبياء عليهم السلام لم يكونوا (مصلحين روحيين) فقط بل كانوا (مصلحين اجتماعيين) مؤثرين في واقع الناس، ويواجهون الإنحرافات على كل المستويات. وانطلق ذ. سعد الدين العثماني من القرآن الكريم ليدعم حججه مستعرضا دعوة بعض الأنبياء، كموسى عليه السلام، الذي لم يعرضه القرآن على أنه يدعو إلى التوحيد فقط كعقيدة ونشاط فردي ولكن عرض على أنه مصلح عارض "الظلم السياسي"، واستعباد فرعون لبني إسرائيل مضيفا أن "القوى السياسية" قد ثارت ضده لا لأنه يدعو إلى التوحيد بل لأنه حرض على "الثورة" ضد الظلم الذي مارسه فرعون، أما شعيب عليه السلام فقد ركز إضافة إلى العقيدة على "الظلم الاقتصادي" والنقص في المكيال والميزان وأردف العثماني أن قوم شعيب احتجوا عليه بقولهم: >يا شعيب أصلواتك تامرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد< مشيرا إلى أنه منذ ذلك النبي والدعوات الرامية إلى "تحييد الدين" عن الحياة اليومية موجودة، إلى ذلك واجه نبي الله لوطا نوعا آخر من الانحرافات الجنسية المثلية مما يؤكد أن الأنبياء جاؤوا لإصلاح الشأن العام وليس للإصلاح الفردي فقط مستشهدا بحديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: >كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء فيكثرون< الحديث. وخلص إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان نبيا وقائدا سياسيا وقائدا عسكريا أيضا كما كان قاضيا وأن (الدين) يشمل الدنيا والآخرة بمفهومه العام والشامل وأضاف أن (الدين) له مفهوم خاص، معتبرا العمل السياسي إذا كان مستقيما ونظيفا في الإطار العام الذي وضعته الشريعة دينا وصدقة وعبادة.. وشدد العثماني على أن المرجعية العامة يجب أن تكون إسلامية، وكذا احترام بعض "الخطوط الحمراء" الضرورية بحيث لا يتجاوز العمل السياسي "إطار الحلال" إلى "إطار الحرام" الذي قال عنه إنه "محدود جدا" لأن الأصل أن كل شيء مباح، والمحرمات محدودة وإذا كان السيد الحجوجي قد أشار في كلمته التقديمية إلى أن البعض يعتقد بضرورة "حماية" السياسة من الدين فإن الدكتور سعد الدين العثماني أكد على ضرورة حماية الدين من السياسة!! وبين أن السلطة إذا تدخلت في الدين لا يتحدث أحد عن إدخال الدين في السياسة! وإذا كان العكس يدق ناقوس الخطر!! "وإذا تدخلت الدولة في الدين فلا بد لأهله أن يتدخلوا في السياسة للتأثير على الرأي العام". وقدم ذ. حسن الصميلي الذي سير الندوة الدكتور المختار بن عبد اللاوي الذي رفض منذ البداية "منطق التقابل" بين الدين والسياسة الموجود في الأذهان والغائب عن الواقع، ومضى قائلا إذ بنية الدين ليست هي بنية السياسة، مشيرا إلى خصائص المنطق الديني التي حددها في التعالي والقدسية والإطلاق الذي يعني أن الدين صالح لكل زمان ومكان، وأردف أن السياسة لا تقدم إجابات لأسئلة غير مطروحة بخلاف الدين، وقال: "إن السياسة هي إجابة عن إشكاليات كونية مرتبطة بالحالة القائمة وأن من خصائص السياسة "النسبية" التي تؤدي إلى التوافقات، لأنها "من التوافق". وتابع الدكتور بن عبد اللاوي أن للدين وظائف وآليات مخالفة لوظائف السياسة وآلياتها. وكشف المتحدث عن مصادر "التشويش" الحاصل بين الدين والسياسة قائلا: >إن أسباب التشويش هي أسباب تاريخية، مستعرضا بعض المشاهد التاريخية، حيث كانت الدولة في البداية دولة دينية أسطورية، وكان صاحب السلطة هو الملك (الإله واهب الحياة!! وأكد أن العلاقة بين الدين والسياسة سوف تختفي في المسيحية، وميز عبد اللاوي بين الإسلام المشخص والمعيش الذي وصفه "بالتاريخي" و"الواقعي" والإسلام كما نريده أن يكون في متخيلنا، وقارن ذلك بما هو موجود عند المسيحيين الذين يتحدثون عن (المدينة الفاضلة) وكذا اليهود الذين يتحدثون عن (الدولة الإسرائيلية الخالصة)، فهناك إسلام، حسب تعبيره، مشخص على الأرض وإسلام كما نتمنى. لهذا يجب تحديد عن أي إسلام نتحدث؟ للقيام بتحليل أكثر عقلية وموضوعية وخلص الدكتور المختار بن عبد اللاوي إلى أن الخطأ الأكبر يكمن في أخذ خصائص الدين وتطبيقها في السياسة، التي من خصائصها (الكونية والوضعية والنسبية) وضرب مثلا بالمقدس الذي هو مبدأ في الدين، انتقل إلى السياسة حتى قدس وكيل الملك في المغرب حجرا (لمؤسسة رسمية) قبل عامين! وختم عبد اللاوي كلمته بأن التداخلات قائمة ودعا إلى تسخير السياسة للدفاع عن قيمنا الدينية والحضارية، مع الانتباه إلى أن السياسة هي مجموعة من الآليات، مؤكدا على حق الأحزاب ذات المرجعية الدينية أن تمارس حقوقها وصلاحياتها كأحزاب سياسية بالدرجة الأولى، وأشاد بالأحزاب ذات المرجعية الدينية في المغرب (إشارة إلى حزب العدالة والتنمية) وفي غيره، التي يرى أنها مؤهلة عبر الممارسة لتأخذ دورا شبيها بالأحزاب الديمقراطية المسيحية في الغرب. وضرب مثلا بالإخوان المسلمين في مصر وحزب الله بلبنان وقدرتهم على التطور. مؤكدا أن العلمانية واللائكية هي تصور خاص بفرنسا. اسماعيل العلوي