انتقد الباحث في علم الاجتماع رشيد الجرموني مقولة التنافر بين التقنية والدين، مؤكدا أنه رغم كون عالم الأنترنت والإعلام الجديد، يحيل ظاهرا على القيم المادية والتفوق والذكاء الإنسانيين، إلا أن حضور الدين، يشكل اليوم أحد الجوانب الجديدة في علاقته بالعالم الإفتراضي. وتحدث أستاذ علم الاجتماع خلال محاضرة بمركز مغارب بالرباط عن تحديات الإعلام الديني؛ منطلقا من كون الانفتاح على التكنولوجيا ومنتجاتها شكل ثورة حقيقية في الحقل الديني، فبعدما كان الخطاب والممارسة محصوران في الفضاءات الضيقة والمحدودة ،انتقل ذلك للفضاء العام الذي يمكن توصيفه -تجاوزا- بالفضاء العمومي الإسلامي وهو ما أنتج خطابا جديدا ودعاة جددا ونموذجا جديدا للتدين. واعتبر الجرموني خلال اللقاء الذي تابعه عدد من الباحثين والمهتمين؛ أن الإعلام الديني اليوم والذي لم يكن وليد نضج المجتمعات الإسلامية وإنما تماهيا مع صدمة الحداثة؛ أفرز أنماطا جديدة من العلاقة مع قضايا المرجعية والهوية فيما يعرف بالتدين الجديد عبر عدد من الظواهر كحجاب الموضة، والفن الديني المعاصر، والمشروبات الدينية، لباس البحر الديني، وهو ما يمكن توصيفه حسب المتدخل بمحاولة لأسلمة منتجات الحداثة. وحاول المتدخل تقديم عدد من القراءات لتزايد هذا النوع من الإعلام، مشيرا إلى أن هناك عواملا اجتماعية وسياسية من بينها أساسا تهاوي سلطة المؤسسات التقليدية وعدم قدرتها على مواكبة التحولات التي يعرفها الحقل الديني المجتمعي عامة، ومن جانب آخر عامل الصراع مع الحركات الإسلامية "المعتدلة" في عدد من الدول العربية. كما نبه إلى ضرورة عدم إغفال الجانب الاستثماري ومنطق السوق وثقافة "الماركوتينغ"،والتسليع التي انتشرت في سياق الموجة النيوليبرالية الجديدة، والتي اتخذت من منطق الربح والثروة، المبدأ الأول والأخير، حيث يمكن الحديث عن استثمار الرأسمال الخليجي مثلا للرأسمال الرمزي الديني، وتوجه مجموعة من القنوات الفضائية، لكي تتخذ من الدين ومن الدعاة الجدد، مداخل للتأثير ولكسب ثقة المشاهدين وبالتالي، لزيادة إعلاناتهم ومختلف البرامج التسويقية التي تستهدف سوقا ضخمة من المستهلكين، يقدرون بحوالي 300 مليون مواطن عربي. وعلاقة بمخرجات هذه الظاهرة؛ يذهب أستاذ علم الاجتماع إلى كون حركات الاسلام السياسي، استطاعت أن تساهم في تقوية الشعور الوحدوي في العالم الاسلامي، وذلك عبر تعميم الأفكار ونشر البرامج وأصول التأثير والتعبئة والتجنيد، بطرق مبسطة، سهلة، تستعمل النص والصوت والصورة من جهة، والنقاش والحوار والتفاعل من جهة أخرى. ويخلص المحاضر إلى أن خطورة الفضاء الدعوي الطارئ تكمن في أن نمط تسويق الدين وحجم الطلب الجماهيري ونوعية الإستجابة هي عوامل بارزة في تشكيل هوية جديدة قيد الإنشاء. كما ناقش المحاضر عددا من التحديات التي تطرحها الظاهرة ومنها تحدي الغلو في الدين، والتحدي الفقهي في انتشار الفتاوى، إضافة إلى التحدي العقدي والمذهبي وخاصة بالنظر إلى ما تقوم به المواقع التبشيرية من استقطاب العديد من الشباب والاطفال ومحاولة خلق أقليات دينية.