التجديد: قضيتم أستاذ بن زكري حوالي نصف سنة من الاشتغال داخل هيئة الإنصاف والمصالحة، ما تقييمكم لعمل الهيئة والإنجازات التي قامت بها خلال هذه المدة؟ بن زكري: في إطار اختصاصات الهيئة، المرحلة الأولى من العمل شهدت بطبيعة الحال إنجاز عدد من البرامج، تعلق أولها بتأسيس الهيئة ووضع بنيتها التنظيمية والإدارية، ثم أيضا وضع الأساس القانوني لها، لذلك فالثلاثة أشهر الأولى انكببنا فيها أساسا على تحديد المعايير المتعلقة بالهيئة واختصاصاتها، ووضعنا بأنفسنا كهيئة مشروع النظام الأساسي الذي صادق عليه جلالة الملك وصدر بشأنه ظهير في أبريل الماضي، كما حددنا في الوقت نفسه المحاور الكبرى لاستراتيجية عمل الهيئة انطلاقا من هذا الظهير، وتهم مثالا موضوع الحقيقة وموضوع جبر الضرر والتعويض وموضوع المصالحة، قبل أن ننطلق في إعداد التقرير النهائي وصياغة التوصيات لإصلاح أوضاع المعانين من مخلفات الماضي. هذه البرامج كلها أملتها الفترة المحددة زمنيا للهيئة، وقناعتنا تنبني في هذا الإطار على أساس أن هذه الهيئة من حيث طبيعتها يجب أن تمر فعلا في مدة محددة، إذ هناك لجان خاصة تقوم بدور تاريخي مهم لكن لا يجب أن تطول لكي لا تؤثر على السريان العادي للمؤسسات الدستورية المنتخبة، لذلك وضعنا برامج بطريقة تدبيرية صارمة لكي تنطلق جميعها بشكل متواز ومتفاعل. هكذا في البداية توصلنا بآلاف الملفات، بين ما توصلت به الهيئة بصفتها الخاصة حوالي عشرة آلاف، والباقي ما كان قد خلفته هيئة التعويض السابقة، والتي اعتبرنا أنه من الضروري أن تنظر الهيئة فيها ما دامت قد بقيت معلقة.. هذه العملية تطلبت بحثا ميدانيا بطرق علمية حديثة ونزيهة، لذلك صيغت حوالي عشرين ألف ملف في قاعدة بيانات حديثة وتمت دراستها، حيث تم الخروج بعدد من الاستنتاجات: إذ هناك طلبات لأجيال مختلفة من الفاعلين السياسيين أو الحقوقيين أو المواطنين الذين ظلموا منذ بداية الاستقلال إلى نهاية التسعينيات، في هذا السياق نعود لدراسة هذه الفترة التاريخية بشكل متواز مع هذه الأبحاث فأنجزنا من ثم دراسات تاريخية لهذه الفترة، ثم في الوقت نفسه نقوم باستكمال الأبحاث في كل ملف ملف أو في مجموعة من الملفات، ثم نسجل القواسم المشتركة أو الظواهر.. ومن هذه الظواهر التي استنتجنا من هذه الملفات هناك مثلا صراعات حزبية -حزبية. هذه العملية يمكن أن أقول إننا قد أنجزنا فيها الأساسي كمادة خام، من دراسات وأبحاث وتوصيف دقيق لكل الانتهاكات والضحايا، إذ أنه في الجانب البحثي والدراسي نحن الآن في مرحلة التشخيص والتحليل العام للأسباب وخلفيات هذه الأبحاث، وبطبيعة الحال في القريب سنصل إلى مرحلة طرح المقترحات الخاصة بالمستقبل، لذلك سنبدأ في المستقبل بلقاءات مع الأحزاب السياسية والفرق البرلمانية، حيث سننظم خلال الأيام القليلة المقبلة وبدعوة من الفريق الاشتراكي جلسة أولى بمقر البرلمان، سيكون الهدف منها بالخصوص مناقشة الأعمال التي تقوم بها الهيئة من الزاوية التي تهم البرلمانيين أي الجانب التشريعي وجانب إصدار التوصيات، ومناقشة كيف يرى هؤلاء الفاعلون السياسيون تصورات حول الضمانات المستقبلية الواجبة حتى لا يتكرر ما حصل في السابق.. التجديد: الأكيد في هذه الرحلة إن صح التعبير نحو البحث عن الحقيقة، صادفتكم في الهيئة صعوبات لا مناص منها في قضايا حساسة مثل التي تشتغلون عليها، هل يمكن أن تقربونا من بعض هذه الصعوبات؟ بن زكري: بصفة عامة أي عمل مثل العمل الذي نقوم به ونبحث فيه هو صعب، ولكن الصعوبة هنا ليست بمعنى الاستحالة لكن تعني أنه في بعض المجالات لا بد من اكتشاف الطرق الملائمة من أجل معالجة موضوع معين. مثلا: في موضوع المصالحة نعرف أنه إشكال مهم والكل يريده، لكنه في الآن ذاته ليس وصفة أو أمرا يقرر فيه من فوق، لذلك كل البرامج التي نقوم بها، وإن كنا نعرف أن دورنا محدود، فإننا نقول إنه بقدر ما تقدمنا في الإفصاح عن الحقيقة وإثباتها وإقرارها، بل الأكثر من هذا أن تصبح هناك قدرة لكي يتحدث المواطن والجمهور والفاعلون عن هذه الحقيقة بكل حرية.. صحيح أنه واحدة من مؤشرات الحرية الواسعة في المغرب هو هذا الحديث عن هذه الحقائق الذي كسر المحرمات، طبعا هذا ليس كافيا ولكن إذا قمنا بدراسة مقارنة نقول إنه يمثل مؤشرا قويا.. هناك خلل ما أو أمر ما ناقص متعلق بانعدام الثقة الكافية لدى الناس ولكن هو مؤشر أساسي.. إذن ما هي الوسائل التي يجب أن نعتمدها لكي يصبح هذا الأمر شيئا راسخا في المستقبل، وهذا تساؤل مهم نشتغل عليه.. في سياق الصعوبات التي لا توجد دائما بارتباط مع الدولة، بمعنى البيروقراطية، هناك منها ما يرتبط بالجمهور والمجتمع، فهذا الأخير مطروح لديه على سبيل المثال مشكل التهميش والتأثر المباشر أو غير المباشر بالانتهاكات والقمع، فنحن في هذا الإطار لدينا برنامج خاص ننجزه على صعيد مختلف المناطق ونسميه جبر الضرر الجماعي، فالقضية هنا لا ترتبط بأفراد ولكن ببعض المناطق التي كانت بها معتقلات أو التي جعلت كنوع من أنواع المنفى، حيث نزور هذه المناطق ونقترب من سكانها ومن الجمعيات من مختلف المشارب التي تشتغل في هذه المناطق، فتخرج عن هذه اللقاءات تعبيرات مجتمعية متعددة يكتنفها شعور عام بأن الصورة التي ارتسمت على هذه المنطقة أو القرية أو المدينة لطخت بهذا المعتقل أو المنفى.. لذلك كان النقاش مهما ومهما جدا حول تأثيرات هذه الصورة على السياحة وعلى ذاتية المواطنين والأطفال خصوصا وكيف يمكن تجاوز هذه التأثيرات، خاصة في مناطق أكدز وزاكورة، ومن المنتظر أن نقوم بالأمر نفسه قريبا في الراشيدية والحسيمة والسمارة والعيون لكي يكون المجتمع برمته مساهما معنا في هذا النقاش ومنه نستمد تصورات وأفكار.. لذلك أقول إن مثل هذه الصعوبات هي صعوبات طبيعية ولكن هي صعوبات مرتبطة بالتفكير الجماعي المتعدد والمتناقض أحيانا والذي يوجب استخلاص توجه ما.. من ثم نقوم بوضع اقتراحات ولأننا لا نملك القرار بيدنا فإننا نقدم توصيات للدولة والمقررين السياسيين ونقول لهم هذا هو التوجه العام وهذه الرغبات الجماعية للجمهور وهذا هو الشكل الملائم للتصالح ولخلق مجتمع ديموقراطي متعدد متسامح.. سيختلف نعم لكن لن يفكر أبدا في اللجوء إلى العنف وإقصاء وتصفية الآخر.. ثم هناك صعوبات مرتبطة بكل ما يتعلق بالثقافة والفكر ذلك أن تغيير العادات والسلوكات ليست بالأمور التي يمكن أن تقع بين عشية وضحاها، ففي بعض الحالات يجب أن ننتظر أجيالا لكي ترسخ قيم جديدة بتفاعل أدوار كل من المدرسة والإعلام والذاكرة الجماعية، ولكن مع ذلك نقول إن على هذه الأفكار الجديدة أن تجد الفرصة لتعبر عن نفسها.. التجديد: في سياق الصعوبات هل حدث وأغلقت بعض المؤسسات الإدارية في وجهكم أبوابها رغم أنها كانت ضرورية في إطار مرحلة بحثكم وجمعكم للمعلومات؟ بن زكري: لحد الساعة ليست هناك مؤسسات أغلقت أبوابها في وجهنا، فالمؤسسات المركزية بصفة عامة تتفهم جيدا اختصاصات الهيئة، لذلك فالتعاون معها جيد وتعبر من جهتها على إرادة قوية.. التجديد: بخصوص علاقات الهيئة بالمؤسسات الأخرى دائما، كيف يمكن أن تصفوا العلاقة مع الجمعيات الحقوقية، خاصة وأننا نعرف أن بعضها ما زال متشبثا بموقف المتحفظ من الهيئة؟ - بن زكري: بالنسبة لعلاقتنا مع الجمعيات بصفة عامة هي علاقات إيجابية يحكمها التعاون وتبادل الآراء والاجتهادات، وفي كل برامجنا نتوصل عمليا بمذكرات من هذه الجمعيات.. طبعا هناك جمعيات (واحدة أو اثنتان) لها مواقف متحفظة من الهيئة لأسباب سياسية أو أيديولوجية أو لقراءات أخرى نحترمها.. التجديد: هل ما زال هذا التحفظ قائم لحد الآن؟ بن زكري: ما زال موجودا عند البعض.. ونحن نعتبر أن الأمر طبيعي.. التجديد: بيد أنه يمكن لمثل هذه الجمعيات أن تكون لها معلومات وأرشيفات مفيدة جدا لكم وربما في عدم التوصل إليها ستحدث هناك فراغات في نتائج أبحاثكم؟ بن زكري: لا أبدا، فإذا كانت مقتنعة بأن لديها أمورا مهمة - وأنا لا أظن ذلك - فالحال يقتضي أن تنشر هذه الأمور فتفيد بها الجهات الأخرى ولا تتركها مخفية.. التجديد: طيب اعتمدتم أيضا على أسلوب استيقاء الشهادات، هل اعتمدتم فقط شهادات الضحايا أم طال الأمر حتى ما يعرف بالجلادين أو المسؤولين عن انتهاكات الماضي؟ بن زكري: بالنسبة للشهادات هناك فرق بالنسبة إلينا بين شهادات الضحايا المباشرين أو غير المباشرين من الأسر والأقارب الذين يقدمون شهادات إما أنها من مستوى تقديم معطيات ووقائع أو إما لديها هدف آخر متمثل في التدوين لتاريخ المعاناة والتأثيرات التي وقعت لهم. هناك أيضا شهادات الذين لا علاقة لهم نهائيا مباشرة بالانتهاكات ولكن شاركوا في صنع الحدث، هؤلاء يمكن أن نسميهم شهود العصر أو شخصيات لها معطيات وتحاليل تساعدنا على استنباط قراءات معينة، فهذا صنف آخر من الشهادات نقوم بتسجيلها. أما الجهات المسؤولة فهناك درجات، ففي تصورنا هناك جلادون ولكن هناك مسؤولين ليسوا بجلادين، من أمثال الذين كانوا قد تحملوا مسؤولية قيادة أو عمالة في مرحلة تاريخية معينة ثم تقاعدوا.. وهناك أناس من هؤلاء المسؤولين قدموا لنا معلومات عن هذه المرحلة التي ندرسها. أما بالنسبة للمسؤولين المباشرين في ارتكاب العنف، فليست لدينا حالات كثيرة جدا، لأن الإشكال المطروح على هذا المستوى بطبيعة الحال هو أن هناك شرطا متمثلا في أن تتوفر لدى هذا الشخص الجلاد عنصر التوبة أو نوع من التجاوز لذاته فيعبر عن كافة الأمور بصدق.. فلحد الساعة الحالات قليلة وعلى كل حال لم تعبر على نفسها في الساحة.. التجديد: قلتم حالات قليلة، بمعنى هناك حالات.. بن زكري: طبعا فمنذ سنوات هناك بعض هؤلاء المسؤولين عبروا بشكل صريح عن نوع من الندم.. التجديد: هل تنتظرون مستقبلا أن تفد عليكم شهادات أخرى من هذا القبيل؟ بن زكري: من المحتمل.. وقد توصلنا بمراسلات من أشخاص طلبوا الاستماع إليهم ونحن ننظر فيهم وفي الوقت المناسب سنرى كيف يمكن أن نستفيد من شهاداتهم.. هناك من كتب في الموضوع وقد درسنا كتاباتهم ورواياتهم، ولا استعبد أن هناك أشخاصا آخرين عبروا عن ندمهم.. التجديد: هل ننتظر أن يتم الكشف عن أسماء هؤلاء المسؤولين في تقريركم الذي سوف تنجزونه عند نهاية عملكم؟ بن زكري: لا لن نثير الأسماء.. لكن تجب الإشارة هنا أنه في هذه الحالات يجب أن نعرف أن حتى الأشخاص الذين يعبرون عن نوع من الندم مما قاموا به يقدمون شهاداتهم بخطابات تبرير أو تفسير من منطلق شخص آخر كان مسؤولا حينها.. فليس هناك من شخص يأتي ويقر أنه كان جلادا وعذب فلان.. فهذا غير موجود.. لذلك فالباحث يجب أن تكون له القدرة على التجاوز وتقبل قراءة ما يستمع إليه من شهادات من طرف آخر.. وهذه التفسيرات على كل حال هي مهمة ولا يمكن أن نقدم قراءة لما وقع دون أن نعرف تفسيرات الطرف الآخر المشارك وجوابه عن سؤال لماذا لجأت الدولة إلى استعمال العنف غير المشروع في مدة معينة. التجديد: قمتم بزيارات لعدد من المعتقلات السرية السابقة، ما البرنامج الذي وضعتموه في هذا الصدد؟ بن زكري: بصفة عامة أين ما وجدنا أثرا من آثار العنف الذي مورس في الفترات السابقة ندرسه ونرى الوسيلة للحل الملائم.. وبالنسبة للمعتقلات فإننا ندرس كيفية الوصول إلى طريقة توظيف مناسبة لها في سياق يحافظ على الذاكرة وفي الوقت نفسه يساهم في تنمية أوضاع سكان المنطقة حيث يوجد أي من هذه المعتقلات. التجديد: على حد علمي معتقل تازمامارت هو المعتقل الذي ستتم زيارته مستقبلا، هل ننتظر أن تكون هناك زيارة خاصة لا كباقي الزيارات السابقة لمعتقلات أخرى بالنظر إلى أهمية هذا المعتقل؟ بن زكري: بالنسبة لهذا المعتقل نحن نزور المنطقة الموجود بها باستمرار، لأن هناك عملا مع سكان المنطقة وضحاياها، فليس لدينا سلم أولويات نحدد فيه تازمامارت هو الأول أو الثاني، إذ نشتغل في جميع الجهات، فأي من المناطق التي تم ترتيب كل الأوضاع فيها بشكل ملائم باتفاق مع العائلات والضحايا والجهات المعنية نبدأ منها الزيارة للمعتقل الموجود بها، فحين ستنتهي كل التحضيرات سنبدأ بالمعتقل الذي نكون جاهزين لزيارته. التجديد: إذن ما تنوون القيام به بشأن هذه المعتقلات، ذلك أن هناك الحديث عن تحويلها إلى متاحف لحفظ الذاكرة؟ بن زكري: على كل حال استشرنا في هذا الإطار مع جميع الجهات ولدينا اقتراحات عديدة من منظمات وجمعيات ومن سكان ومنتخبين ومن السلطات المحلية أحيانا.. ليس لدينا موقف مسبق في الحقيقة في هذا الموضوع، نحاول فقط أن ندرس جميع الاقتراحات ونرى الإيجابي فيها الذي سيخدم الحل نحو طي نهائي لصفحة الماضي مبني على الإنصاف والمصالحة الدائمة.. فالاختيار سيكون على هذا الأساس.. التجديد: هل يمكن أن نقول إنكم قد استوفيتم جميع طلبات وملفات جبر الضرر؟ بن زكري: يمكن أن أقول إننا قد اشتغلنا على عينة مهمة منها لأنها مبنية أولا على نداء وجهناه سابقا واستجابة لطلبات معينة وصلت إلى ما يناهز عشرين ألف طلب أو أكثر.. الآن هذه العينة العامة وما قدر نسبتها في الانتهاكات بصفة عامة؟ هذا هو موضوع دراستنا حاليا.. خلال العفو الملكي الموافق للسابع من يناير الماضي تم استثناء معتقلين سياسيين وخاصة بعض المعتقلين الإسلاميين، هل من تحركات تقوم بها الهيئة في اتجاه العفو عنهم؟ بن زكري: الهيئة لم يكن لها دور مباشر في القضية، بالطبع اهتممنا بالموضوع وساهمنا في حل مشكل المعتقلين الذين طالهم العفو، لكن بالنسبة للحالات التي بقيت فهناك مؤسسات أخرى اهتمت بدراستهم.. وأنا شخصيا بصفتي أمين عام للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان درست هذه الحالات، ولم أجد أن هناك استثناء مقصودا ولكن لأن الأمر تعلق بإشكالات قانونية، لذلك اشتغلت في المجلس مع أطر في دراسة هذه الحالات العالقة فإما لأنه وبحسب الملفات القضائية كانت هناك قراءات لاستعمال العنف أو التورط في أحداث تعتبر معها غير واردة في هذا الصنف وتندرج في صنف آخر.. أو بالنسبة لحالات بعض الأفراد الذين أعرفهم شخصيا والذين كانوا في جماعات تم العفو عليها جميعا باستثنائهم من أمثال المعتقل شهيد وآخرون الذين كانوا معتقلين سياسيين لكن فيما بعد ومن خلال عملية عادية لمحاولة فرار كان هناك قتل لموظفين في السجن لذلك أصبحت هناك تهمة أخرى لا تلغي في الحقيقة الصبغة السياسية ولكن تجعلها جريمة من جرائم الحق العام.. وهذه الحالات كلها الآن محط دراسة وبطبيعة الحال ستحل بصيغة أخرى.. التجديد: هناك العديد من المحاكمات التي تلت أحداث 16 ماي الإرهابية تحدثت عدد من تقارير المنظمات الحقوقية أنه قد جرى فيها التعذيب، أسألكم كأمين عام المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ولا كرئيس هيئة الإنصاف والمصالحة، لأنه ندري أن الهيئة ليس من اختصاصها الزمني البحث في هذه الأحداث، ما موقفكم من هذه التقارير؟ بن زكري: في الواقع هذا الأمر أجبت عنه في السابق بعدما قمنا بدراسات واشتغلنا مع جميع الجمعيات التي كان لديها معطيات حول حالات التعذيب، وكان هناك تقييم لسريان بعض المحاكمات، والتقينا أيضا مع مبعوثين من منظمة العفو الدولية.. الذي وقفت عليه شخصيا - وأنا مقتنع به - هو أنه ليست هناك في نظري سياسة ممنهجة للتعذيب وتصفية خصوم سياسيين على الأقل من هذه الزاوية العامة ولكن كانت هناك تجاوزات في استعمال العنف واستعمال الإكراه في التحقيق في بعض الحالات التي وقفنا عليها.. ثانيا توصلنا أيضا لادعاءات بوجود حالات اختفاء قسري في مركز تمارة، بحثنا أيضا في الموضوع ووجدنا فعلا أن هناك مشاكل مطروحة على هذا المستوى، لكن العدد الذي قيل في البداية مبالغ فيه وفيه نوع من المزايدة العامة المبنية على معلومات أشخاص لم يؤكدوها مباشرة ولكن نقلت عبر الجرائد وعبر أشخاص آخرين.. وقد اتصلت شخصيا بأناس يقولون إن لهم معلومات في هذا الصدد ولم أتوصل لحد الآن بشيء سوى وعود بذلك، مما يعني أن الأمر ليس مبنيا على معطيات من مصادرها. الأكيد أن كانت هناك تجاوزات أو خلل إداري وقانوني في الوظيفة وفي عمل دي إس تي (مديرية مراقبة التراب الوطني) والشرطة القضائية وإبان هذه المرحلة كان هناك اعتقال تحكمي لمجموعة من الأشخاص ولم يكن هناك اختفاء قسري بالمعنى الذي نتكلم عنه، فحتى استعمال المصطلح يمكن أن يكون عن حسن النية خطأ ولكن أحيانا يكون الاستعمال مغرض.. أما البحث الذي قامت به منظمة أمنيستي الدولية فلم يكن يتوفر على المواصفات العلمية نهائيا وأقول هذا من دون أي عقد لأننا اشتغلنا على الأمر وعملنا معهم وليست لدي عقدة من أن هؤلاء أجانب سيأتون إلينا ليقولوا حقيقة منزلة.. لقد اشتغلت المنظمة بالهواية وبالاستعمال المغرض للأحداث والمعطيات، فبدلا من أن يبحثوا مع الجميع من ضحايا والسلطة وغيرها من الأطراف، قصدوا أطرافا بعينها لهم الغرض في أن يقولوا أن هذا سيئ وهذا قبيح وانتهى الأمر، في حين أن مصلحتنا أن نبحث في ما هو قبيح ونقف عنده لنعرف أسبابه.. أي لابد من تشخيص كلينيكي للأمور لنقف عند كل نازلة ونضع لها حدودها الضرورية.. لذلك المشكل ليس أن لدينا تجاوزات أو ليست لدينا.. أكيد أن هناك تجاوزات ولكن يجب تشخيصها فنحن في مرحلة جديدة.. ثم إني أرفض أن يقال إن هذه تجاوزات جسيمة كما كانت في الماضي، فهذا ثابت بالنسبة لي ولدي دلائل فيه، والضخامة في الاعتقالات والمتابعات فيها تفسيرات كثيرة، فهناك أولا أخطاء وتجاوزات من السلطة والشرطة وهناك أيضا ضخامة الإجرام في حد ذاته والتأثيرات التي أنتجها، النفسية منها والاجتماعية على الساحة والتي خلقت نوعا من التهويل الضخم.. فالحدث (يقصد أحداث 16 ماي) جديد بالنسبة للمغاربة.. طبعا كانت هناك أعمال عنف في السابق يسارية أو من توجهات مختلفة ولكن هذه الأعمال الجديدة من العنف تدخل في إطار نمط جديد عاشه الناس مباشرة بعدما كانوا لا يعرفونه إلا عبر الشاشات، وهو ما خلق نوعا من رد الفعل العنيف والذي سمح لأجهزة الأمن أن تكون لها خلفية تضامنية إن شئنا، تسمح لها بأن تقوم بالعمل الذي قامت به، ولكن يجب في هذه الحالة أن نشخص أين كانت هذه التجاوزات.. التجديد: بعلاقة مع هذه التقارير كثر الحديث عن معتقل موجود بنواحي تمارة يقال إنه معتقل سري مورست فيه عدد من حالات الاعتقال التعسفي، هل تستسيغون في الهيئة وجود مثل هذه المعتقلات وأنتم الذين تسعون جاهدين إلى القطيعة مع عهد سابق كانت المعتقلات من سماته؟ بن زكري: أولا لا أتفق على أن معتقل تمارة معتقل، وكون أن أمنيستي قالت بذلك، فهذا خطأ والخطأ يأتي من كونها اعتمدت على مصادر تروج للمساءلة نفسها في الساحة من أمثال جماعة من المحامين معروفين وبعض النشطاء نقلوا معلومات للمنظمة الدولية دون تمحيص.. الأمر لا يتعلق بمعتقل سري بل هو جهاز أمني رسمي ولديه ضرورات قانونية في التكتم والتخفي كما هو موجود في مختلف مناطق العالم.. فيه أماكن تستعمل أحيانا للاستنطاق والبحث ولكن ليس معتقلا سريا.. إذا ما استعمل في لحظة من اللحظات في تجاوزات من هذا النوع يجب أن نقف عندها وليس أن نقول ما قالته أمنيستي أو غيرها.. وفي هذا الإطار لا يجب أن نروج للخوف.. على الجميع أن يتكلم من برلمانيين وسياسيين.. يجب أن نقف على الحقائق وبالنسبة لي لا وجود لها وإن كانت ستجدني أول المعارضين والرافضين للأمر.. التجديد: في الختام، هل أنتم راضون عما تقوم به لحد الساعة هيئة الإنصاف والمصالحة؟ بن زكري: بالنسبة لي الهيئة هي ورشة حقيقة مهمة جدا بالنسبة لنا وبالنسبة لطبيعة العمل الواجب نهجه في المستقبل، إذ تسمح لك بحل المشاكل المرتبطة بانتهاكات الماضي ولكن في الواقع فيها إرهاصات لما يجب أن يكون في المستقبل.. بمعنى كيف يمكن أن تبني علاقات في إطار مجتمع ديموقراطي.. لذلك اعتبر أن العمل الذي تقوم به الهيئة عمل مهم.. نعم متعب ويتطلب الوقت والصبر، ولكن مهم جدا وأشعر شخصيا أني راض على هذا العمل الذي أظن أننا نتقدم فيه باستمرار.. حاوره يونس البضيوي