ضبط شهوتي البطن والفرج أساس التقوى الصوم هو الإمساك عن شهوتي البطن والفرج، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية خالصة لله تعالى. ولقد اقتضت حكمة الله، تحريم المطعومات والمشروبات والمنكوحات المشروعة والمباحةفي غير أيامه، لتكون مجالاً للتدريب على اكتساب القدرة على الامتناع وممارسة الترك لمدة شهر كامل، قصداً إلى تنمية التقوى في النفس، والارتقاء بها إلى أعلى الدرجات، ولتمكين الصائم بعد رمضان كما هو الحال خلاله، من الانتهاء عما حظره الشرع وأنكره من الفواحش والآثام. فشهوة البطن التي يستهدف الصوم تهذيبها وإحكام ضبطها في المقام الأول، هي الباعث الأقوى على الكثير من كبائر الذنوب والمعاصي، فكلما خف ضبطها جمحت بالنفس إلى تجاوز حدود الشرع واقتحام محارمه. وليس من قبيل الصدف أن تكون أول خطيئة آدم وحواء بسبب هذه الشهوة، عندما أكلا من شجرة في الجنة، كما حكى لنا القرآن الكريم، (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) [البقرة: 35]. ويندر في الذنوب ذنب لا تدفع لارتكابه شهوة البطن إذا أطلق لها اللجام. فجرائم السرقة والقتل وشرب الخمر، ولعب القمار والغش في التجارة أو الحرفة، وأخذ الرشوة والتعامل بالربا، والاستيلاء على ملك الغير وماله، وشهادة الزور، وتطفيف الميزان والتدليس في البيع، والحلف الكاذبة عليه، والاحتكار وخيانة الأمانات، واختلاس المال العام، وما شابه ذلك إنما يكون الداعي إليه هو إشباع شهوة البطن والاستجابة لإلحاحها المتواصل، والخضوع لسلطانها القاهر. كما أن هيمنة هذه الشهوة على النفس الإنسانية، وانشغالها بتحصيل ملذاتها دون اقتصاد يورثها الجشع والطمع الذي لا يقف عند حدود الشرع ومكارم الأخلاق. ويوقعها في الغفلة عن الله والدار الآخرة فيجر النفس إلى الانغماس في طلب الدنيا ومباهجها، والحرص على متاعها الفاني والبخل بأداء حقوق الله وحقوق العباد، والتنافس مع أصحاب الدنيا على حطامها الزائل. كما حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: "ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم" (متفق عليه). وأما شهوة الفرج التي تأتي في المقام الثاني، من حيث قصد الصوم إلى ضبطها والأخذ بزمامها، فتحمل الإنسان على مقارفة الفواحش وتدنيس العرض، ونسل لقطاء لا يعرفون لهم أباً ولا أماً، وتدمير الحياة الزوجية وتشريد الأبناء وإشاعة الزنا والشذوذ الجنسي، ونشر الانحلال والفجور بشتى أنواعه. وكل هذه الرذائل تؤدي غالباً إلى جرائم القتل والاغتصاب والخيانة الزوجية والإجهاض ونسبة الأبناء إلى غير آبائهم. بل إن إطلاق العنان لشهوة الجنس يوقع في فضائع مخجلة ومذلة، ومنكرات في غاية الإباحية والفحش، مثل زنا المحارم واللواط والسحاق. وإذا فقد الإنسان السيطرة على هذه الشهوة وصار هدفه في الحياة إرواءها من كل طريق، فإنها تحجب عقل المرء وتطمس فطرته وتنحدر بها إلى درك البهائم، بل وأدنى من درجة البهائم التي ينضبط عندها التناسل بأوقات معلومة. إن من يفلت منه لجام فرجه، تستعبده شهوته ويستبد به الهوى فيميل معه حيث مال، وإن كان في الاتجاه المعاكس للحق والعدل والفضيلة، فيغدو سلوكه غير سوي ورأيه غير نزيه. فمن استطاع أن يملك قياد نفسه بضبط هاتين الشهوتين، شهوة البطن وشهوة الفرج فهو لما دونهما من الشهوات أضبط، وعلى تطويعها لمراد الشرع أقدر، وهو الحر حقاً والأقوى صدقاً. ولقد نبهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اتقاء مغبة الافتتان بالدنيا والنساء فقال: "إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله تعالى مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء" (رواه مسلم). فالصوم لمدة شهر كامل يكسر هاتين الشهوتين، ويغض من فورتهما، ويجعلهما أكثر سلاسة وأيسر ترويضاً، لأن شهوة البطن تقوى باعتياد الأكل عند الجوع، والصوم خرق لتلك العادة وتغيير للمألوف، مما يجعلها تخبو وتتراجع إذا روعيت آداب الصيام وابتغي به تحقيق التقوى بالفعل. كما أن شهوة الفرج التي تنتعش وتنشط بالتهام الأطعمة في فترات متقاربة، تتأثر بالصوم لما يحصل في قوى الجسم من ارتخاء طارئ غير معهود من عضلات الجسم ووظائفه فينتشر الفتور في كل أعضاء الجسم وأوصاله وأعصابه مما يسهل عملية تطويع النفس وصرف همها إلى تحقيق مقاصد الصوم التربوية. عبد السلام الأحمر