بوريطة يقوم بزيارة عمل إلى فرنسا    منظمة مهنيي الصحة التجمعيين تثمّن قرار وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بإحداث مراكز الدكتوراه في علوم التمريض وتقنيات الصحة    حياد الجزائر .. أكذوبة القرن في نزاع الصحراء المغربية    وهبي يحدد لائحة منتخب "U20"    تفاصيل هزتين أرضيتين ضربتا إقليم الحسيمة    بنسعيد: مشاكل الشباب المغربي موروثة.. ومناظرة معرض الكتاب فرصة    جيتكس 2025: الحضور الأمريكي القوي يجسد التزام الولايات المتحدة بدعم التحول الرقمي في المغرب (القائمة بالأعمال)    في لقاء جمع إدريس لشكر، الكاتب الأول للحزب، بالفريق الاشتراكي: ملتمس الرقابة خطوة قابلة للتحقيق    ميناء المهدية.. انخفاض الكميات المفرغة من منتجات الصيد الساحلي والتقليدي ب 28 بالمائة في مارس    ممرض شاب يشرف على توليد امرأة نواحي تنغير بتنسيق مع «قابلات» باعتماد الاتصال عن بعد    خبير ينبه لأضرار التوقيت الصيفي على صحة المغاربة    فرق ضوسي يفوز بتنائية على اتحاد البجيجيين في المباراة الإفتتاحية    مجلس النواب يدين بقوة العدوان الإسرائيلي ويجدد دعمه للقضية الفلسطينية    قيوح يتباحث بالدوحة مع نظيره القطري حول سبل تعزيز التعاون في مجال النقل الجوي    فرنسا والمغرب يشكلان مجموعة عمل مشتركة لتسهيل إجراءات ترحيل المهاجرين غير النظاميين    اختراق جدار وسرقة ذهب.. سقوط "عصابة الحلي" في قبضة الأمن    وزير الداخلية الفرنسي يعلن تقوية الشراكة مع المغرب ضد الهجرة غير النظامية    "أشبال الأطلس" يحلمون بلقب إفريقي.. مواجهة حاسمة أمام الفيلة في نصف النهائي    جريمة ب.شعة بطنجة.. رجل يجهز على زوجته بطع.نات ق..ات/لة أمام أطفاله    "جاية" للإخوة بلمير تتصدر قائمة الأغاني الأكثر مشاهدة بالمغرب    أسعار الذهب تتراجع بعد انحسار التوترات التجارية    مستخدمو "شركة النقل" يحتجون بالبيضاء    الشركة "إير أوسيون" ترد بتفاصيل دقيقة على حادث انزلاق طائرة في فاس    وفاة أستاذة أرفود تسائل منظومة القيم بمؤسسات التربية والتكوين    السغروشني تلتقي بحاملي المشاريع المنتقاة في إطار مبادرة "موروكو 200"    توقيف الفنان جزائري رضا الطلياني وعرضه أمام القضاء المغربي    تسريبات CNSS تفضح التهربات والأجور الهزيلة لعمال شركات كبرى في طنجة    بوعرفة تتصدر مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب    وكالة بيت مال القدس تدعم حضور شركات فلسطينية ناشئة في "جيتكس 2025"    ماريو فارغاس يوسا.. الكاتب الذي خاض غمار السياسة وخاصم كاسترو ورحل بسلام    محاميد الغزلان.. إسدال الستار على الدورة ال 20 لمهرجان الرحل    "تم بتر إحدى رجليه"..رشيد الوالي يكشف عن الوضع الحرج للفنان محسن جمال    مديرية الضرائب تطلق خدمة إلكترونية جديدة لطلبات الإبراء من الغرامات والزيادات    الفارس عبد السلام بناني يفوز بالجائزة الكبرى في مباراة القفز على الحواجز بتطوان    الأدب العالمي في حداد .. ماريو فارجاس يوسا يرحل عن 89 عامًا    لطيفة رأفت تطمئن جمهورها بعد أزمة صحية    في ظرف ثلاثة أيام.. حقينة سدود كير-زيز-غريس تنتعش    جبهة دعم فلسطين تواصل الاحتجاج ضد التطبيع وتدعو لمسيرتين شعبيتين ضد رسو "سفن الإبادة" بالمغرب    هذا موعد كلاسيكو الليغا بين البارصا والريال    نجل أنشيلوتي يكشف سبب تصرف مبابي ويستنكر ما حدث مع أسينسيو    إنذار صحي جديد في مليلية بعد تسجيل ثاني حالة لداء السعار لدى الكلاب    طقس الإثنين.. أمطار ورياح قوية بعدد من المناطق المغربية    لي تشانغلين، سفير الصين في المغرب: لنكافح الترويع الاقتصادي، وندافع معًا عن النظام الاقتصادي العالمي    بسبب فقدانه للمصداقية.. جيش الاحتلال الصهيوني يتعرض لأزمة تجنيد غير مسبوقة    محاولة اختطاف معارض جزائري على الأراضي الفرنسية.. الجزائر تتورط في إرهاب دولة    ردا على اعتقال موظف قنصلي.. الجزائر تطرد 12 دبلوماسيا فرنسيا    جايسون إف. إسحاقسون: إدارة ترامب حريصة على حسم ملف الصحراء لصالح المغرب تخليدًا لعلاقات تاريخية متجذرة    بالصور.. مؤسسة جورج أكاديمي بسيدي بوزيد تنظم سباقا على الطريق بمشاركة التلاميذ والآباء والأمهات والأساتذة..    الكعبي وأوناحي يتألقان في اليونان    طبيب: السل يقتل 9 أشخاص يوميا بالمغرب والحسيمة من المناطق الأكثر تضررا    من خيوط الذاكرة إلى دفاتر اليونسكو .. القفطان المغربي يعيد نسج هويته العالمية    دراسة: الجينات تلعب دورا مهما في استمتاع الإنسان بالموسيقى    التكنولوجيا تفيد في تجنب اختبار الأدوية على الحيوانات    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تربية الأبناء أم تربية الآباء
نشر في التجديد يوم 13 - 11 - 2002

التربية الإسلامية عملية شاملة ومستمرة .فهي لاتخص جانبا من جوانب الشخصية دون غيره، ولا تستهدف مرحلة من مراحل العمر دون أخرى. حيث الشمولية تعني بحجات الإنسان بابعادها الروحية والفكرية والجسدية. ومن حيث الاستمرارية تهتم بتربية الفرد ليكون إنسانا صالحا في نفسه ونافعا لمجتمعه بغض الطرف عن سنه . وكلما حصل التبكير بالتنشئه على قيم معينة وسلوكات محددة كان تأثيرها أعمق.
والانحراف الخلقي بأشكاله ودرجاته المتفاوتة كما يصيب الأحداث يصيب من هم أكبر سنا من المعدودين في الراشدين . ولهدا حث الإسلام الإنسان على مراجعة النفس بشكل دائم والقيام بوقفات تصحيحية مع الذات . وألزمه بأن يخالق الناس بخلق حسن وقد يقع في المخالفة بعفوية وتلقائية فيتطلب ذلك منه مجهودا أكبر مما يتطلبه من غيره بحسب ما رسخ في نفسه من تأثيرات في طفولته - التي تظل عنصرا هاما في تحديد شخصيته كمونا أوإمكانا- وبحسب الأشغال التقويمية التي قام بها اتجاه نفسه في تفعيل بين استعداداته الخاصة والمؤثرات الخارجية. وفي تقديري أن صيغة المفاعلة التي تقيم بناءكلمة" المخالفة" من ضمن ماتفيده " الحركة" بسرعتها وبطئها، وقوتها وضعفها وما تحمله في ثناياها من رهق وكبد عند التكلف والمجاهدة ومن انسياب وسلاسة عندما يصبح الخلق سجية وسليقة فمن بين الدلالات التي يحيل عليها " الخلق" لغويا كثرة الاستعمال ولهذا يقال عن الثوب المستعمل طويلا لخلق الثوب أي بلي.وتثبيت السلوك ليصير خلق يستلزم كثرة الإستعمال.
وإن كل موقف يقفه الإنسان في الحياة عامة هو في نفس الوقت اختبار لمؤهلاته التربوية وفرصة لتشخيص مواطن الضعف فيها.
فالتربية هي فعل واستجابة نفعل، والفعل لايأتي دائما من جهة الكبار بل إن الطفل الذي تربيه يربيك أيضا حينما يجعلك تراجع مواقفك وتعرضها على ماتقدمه من توجيهات إذا كنت ممن يستحي من الوقوع في التناقض. وحينما تكون قد ربيته على أن الكبير فعلا هومن يتقبل النصيحة حتى من الصغير. والآبناء في مراحل نموهم يكتشفون عيوب آباهم ولايضرهم ذلك إذا تعلموا أن البشر كلهم يخطئون وأن والديهما لا يشكلان استثناء. ومادامت تربية الأطفال هي أساسا مساعدتهم بشتى الوسائل على مجاهدة أنفسهم وترويضها وتعويدها على السلوك الحسن فإن عدم التزام الأبوين بنفس الشيء يجعلهما لا يشكلان استثناء أيضا من الذين يقولون مالا يفعلون! وهو أمر مقيت عند الله وذنب كثيرا ما تجعل عقوبته التي قد تأتي على الجهد المبذول والقول المكرور فلا تبقي له أثرا.
ولاشك أن مجاهدة النفس أشق على الكبار منها على الصغار ولهذا يقال" من شب على شيء شاب عليه" لأن هذا الشيء يكون قد جرى في النفس حتى حفر فيها مجاري يصعب ردمها أو تحويلها. فعملية التغيير هنا تتطلب الكثير من الصبر والمواظبة يغذيهما حافز قوي متجدد. ولا أقوى من حافز الإيمان والسعي لرضا الرحمان.
ونجد كثيرا من الناس يضيقون بتربية أبنائهم دون أن ينتبهوا إلى كونهم -في حقيقة الأمر- يضيقون بتربية أنفسهم وبمعاشرتهم لهذه الأجهزة البشرية التي لا تترك صغيرة ولا كبيرة إلا التقتطتها لتزن أقوالهم بأفعالهم وخطابهم بممارستهم حتى لتلقي أحد الأبوين يصرخ في وجه ولده ذي البضع سنين قائلا : " إنك لن تتغير ولن يصلح حالك أبدا !" في حين يرفق بالكهول والشيوخ مؤكدا لهم أن التغيير ممكن دائما ! وربما يصيح الابن بصوت مكتوم قائلا : " وأنا أرجو أن تتغير أنت فيكون صبرك أطول وصدرك أوسع وأحكامك محفزة لا محبطة !! ".
وفي كل الأحوال إنما نفتح باب التغيير أمامنا - نحن الأباء قبل الأبناء- أو نغلقه في جوهنا إستصعابا منا لمجاهدة النفس والارتقاء بسلوكها الباطن والظاهر . وهو الجهاد الأسمى والأنبل ؛ وطابع جودة، لا مصداقية بدونه لأي نوع من أنواع الجهاد الأخرى.
ومجاهدة النفس هي تكلف متواصل وتصنع لخلق ما، من أجل اكتسابه. كالتحلم من أجل اكتساب الحلم . وهو يخالف التكلف من أجل كسب تقدير غير مستحق . فهذا الأخير يكون آنيا ويستعمل بهدف الإستهلاك بينما الأول يكون متواصلا ويستخدم من أجل الارتقاء النفسي والسلوكي. فنلاحظ أن التكلفين يختلفان من حيث الغاية ومن حيث الاستمرارية ومن حيث عمق الإنخراط الوجداني الذي يحدد مدى الصدق في استهداف التغيير..
إن تربية الأبناء فرصة رائعة لاستكمال واستدراك تربية الأباء. وإنني كلما فكرت في التربية كعلاقة تفاعلية بين الآباء والأبناء إلا واستعظمت نعمة الأبوة والأمومة واستعظمت أكثر، ذنب جحودها كنعمة مطوية على نعم متعددة يولد بعضها من بعض. وظهر لي وجوب الإحاطة الضروري من العلوم الشرعية والعلوم الإنسانية لفهم جونب النفس البشرية ومعرفة إمكاناتها وحاجاتها في مختلف مراحل العمر . في بيئة أسرية تظل محددا رئيسيا في تكوين شخصية الطفل كطفل في الحاضر وأب في المستقبل، باعتبار أن الإنسان ميال إلى أن يمارس على غيره جزءا كبيرا مما مورس عليه وإعادة إنتاج ما تلقاه واستتباعا فإن العمل التربوي الذي نمارسه اتجاه أطفالنا يؤثر - سلبا أو إيجابا- في عدة أجيال مقبلة بمقدار ما . فينبغي أن نقدر الأمانة حق قدرها ونستدرك نقائصها قبل نقائص أطفالنا واعين بقدرة الكائن البشري على التكيف والتطور نحو الهدف المرسوم إذا توفرت الإدارة وحسن التوكل على من لايخذل المتوكلين سبحانه، والصبر على عملية التخلي عن قبيح العادات التي تصبح حجر عثرات تفقد التوازن ولاتسقط أرضا والتي قال صلى الله عليه وسلم : " ماأصر من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين
مرة." والاستغفار هنا إزاحة للأذى عن الطريق وتخلية للنفس من سيئ العادات من أجل تحليتها بأحسن العادات المتصفة بالصلاح في ذاتها، المشعة بالنفع على محيطها، النابضة بالإخلاص لربها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.